بين الصحافة والتعليم والأمومة، استطاعت الشاعرة الغنائية الأردنية، سمر هنيدي، أن تجعل لنفسها موطئ قدم بين كبار كتاب الأغاني العربية، بعد أن استطاعت كلماتها إقناع "برنس الغناء العربي"، ماجد المهندس، بأن يغير لونه الغنائي كاملاً، ويخوض تجربة جديدة باللهجة اللبنانية، من خلال أغنية "كيفك"، التي حققت نجاحاً كبيراً، منذ لحظة إصدارها وحتى يومنا هذا.
كلمات.. ومواقف:
تقول سمر هنيدي، في حوارٍ خصت به "زهرة الخليج"، إن كلمات أي أغنية تكتبها تبدأ بفكرة صغيرة تدور في رأسها، ولا يرقد لها جفن قبل أن تكملها، وتصبح شعراً يمكن غناؤه، مبينةً أنها - منذ بدء تلك الفكرة - تبدأ بالعمل على تنظيم وقتها بين العمل والأمومة، لتمنح نفسها مساحتها الكافية في عمل ما تريد.
وتشير هنيدي إلى أن جميع الأغاني، التي كتبتها انعكاس للواقع، وتعبر عن مواقف حقيقية مرت بها، مؤكدةً قناعتها التامة بأن أي كلمات تصل للمستمع ويصدقها، تكون نتاج تجربة وموقف عاشته بكل تفاصيله.
وتسهب سمر في شرحها، فتقول: "قد يكون هذا الموقف متعلقاً بمشاهدتي لفيلم على سبيل المثال، ومرور بطلته بأحداث دفعتني لوضع نفسي مكانها، والتفكير في رغبتي في كيفية مخاطبتي من قِبَل البطل، وفي الكلمات التي أريد أن أسمعها منه، وبالتالي أجعل هذا البطل يكتب أغنية، يعبر فيها عن نفسه، من خلالي".
10 سنوات لإقناع المهندس:
تعد أغنية "كيفك" أشهر ما كتبته الشاعرة الأردنية، وأكثر أعمالها الغنائية انتشاراً على مستوى الوطن العربي، ولهذه الأغنية قصة طويلة، روتها الشاعرة بنفسها، مبينة أنها - قبل زمن طويل - قامت بكتابة عدد من الأعمال، وكان منها هذه الأغنية، وبعد أن تعرفت على الملحن المصري المعروف محمود الخيامي، منحته تلك النصوص، ولم تكن تتوقع - على الإطلاق - أن يلفت نظره شيء منها؛ كونها كانت - وقتها - في بداية الطريق، وتعد نفسها مبتدئة.
وتشير سمر إلى أن الملحن المصري الكبير عاد، وأبلغها بأنه أعجب ببعض تلك الأعمال، وكان من بينها أغنية "كيفك"، فبدأت بتطويرها مع الخيامي، الذي أبلغها بأنه عرضها على الفنان الكبير ماجد المهندس، وقام بإقناعه بتقديم اللون اللبناني، ليشكل تغييراً إيجابياً في مسيرته، لكن الأغنية التي كتبت عام 2010 لم تنجز في تلك الفترة، وتم تأجيلها لأكثر من مرة.
ومع حلول جائحة "كورونا"، ووضع القيود على التنقل والحركة، فوجئت هنيدي باتصال آخر من الخيامي، يبلغها بضرورة إنجاز الأغنية بشكل كامل، ومع وجود الجميع في منازلهم في تلك الفترة، بدأ العمل عبر اتصالات "الماسنجر"، واجتماعات "الأونلاين"، حتى تم الانتهاء من تنقيح كلماتها، وتلحينها، وتسجيلها بشكل كامل، وقدمت كما رآها الناس في تلك الظروف، ما دفع مؤلفتها إلى إطلاق وصف "كورونا ستايل" عليها.
ورغم أن حظر التجول والسفر حرم سمر الوجود مع الخيامي والمهندس خلال عمليات التسجيل، ومنعها من فرصة لقاء نجم تقدره وتحبه، فإنها سعيدةً جداً بالنتائج التي وصلت إليها، وتؤكد أنها تشعر بالفخر والزهو والسعادة، بعد أن تصدرت الأغنية مشاهدات "يوتيوب"، وترتيب الأغاني الرائجة على منصات التواصل الاجتماعي، محققة ملايين المشاهدات، بعد أيام قليلة من إصدارها.
وعن "كيفك"، التي أنجزت بعد عشر سنوات من كتابتها، تقول سمر: "كل ما قدمته من أغانٍ بحياتي في كفة، وعملي مع ماجد المهندس والخيامي في كفة أخرى".
أبحث عن هؤلاء.. وهذا ما أريده من تامر حسني:
تؤمن سمر هنيدي بأن كلماتها مليئة بالإحساس، لذا تطمح إلى أن تكتب للفنانين، الذين يمتلكون إحساساً غنائياً مرهفاً، وتريد أن تسمع ما تكتبه بصوتهم، ومن أبرز الذين سمتهم الشاعرة الغنائية: وائل كفوري، تامر حسني، إليسا، نانسي عجرم، وملحم زين، خاصة أن هؤلاء - وفق وجهة نظرها - قادرون على إيصال كلماتها بإحساسٍ عالٍ، يدخل قلوب المستمعين دون استئذان.
وعن طموحها الكبير، تكشف سمر، لأول مرة، أنها تسعى لأن يغني الفنان تامر حسني باللهجة اللبنانية من كلماتها، لإيمانها الكبير بأنه سيتميز بها بصورة لافتة جداً.
البدايات:
كانت بدايات سمر مع الفنان الأردني نديم نور، بأغنية "يالله شو مشتاقلك"، التي لاقت أصداءً واسعة جداً في الفترة التي صدرت بها، ومازال بعض الفنانين يرددونها في حفلاتهم وجلساتهم حتى اليوم، الأمر الذي شجع نديم نور بعد على عودته للغناء، وطلب من سمر كتابة أغنية جديدة له، باللهجة الأردنية المحكية البسيطة، وقدمت له فكرة عمل بعد خمس دقائق من طرح الموضوع.
وتبين هنيدي أنها تفضل الكتابة دائماً بكلمات بسيطة مفهومة من قبل الجميع، وهي كلمات يمكن لأي شخص أن يتحدث بها، ويخاطب بها الآخر حتى لو لم يغنها، وأنها تحب دائماً أن تقدم هذه الكلمات لكل من يغني هذا النمط، شريطة أن تؤمن بموهبته، حتى لو كان فناناً صاعداً، فهي لا تمانع المراهنة عليه، في حال امتلك مقومات النجاح برأيها.
وعن عودتها للكتابة لفنانين أردنيين بعد النجاح الكبير الذي حققته رفقة "برنس الغناء العربي"، تقول سمر إنها تحن دائماً لوطنها وأبناء بلدها، كما أنها تؤمن بأصواتهم وموهبتهم، وتريد أن تأخذ بيدهم دائماً، وأن يشكل وجودها معهم أحد عناصر النجاح والتميز في أعمالهم.
ولم تتوقف أعمال سمر عند هذه الأغنية، فالكاتبة المقلة في أعمالها قدمت لمحمد دقدوق أغنية "أصعب شعور"، إذ عرض عليها لحناً، فقامت هي بتركيب الكلمات عليه، وكذلك عملت مع أنور نور أغنية "وحدي"، وقبلهما أغنية خاصة بترويج الأردن سياحياً، كتبت كلماتها باللغتين العربية والإنجليزية، وحملت عنوان "يلا ع الأردن".
الإمارات و"أبوظبي للإعلام".. علامة فارقة:
كان لحياة سمر في دولة الإمارات، وعملها في صحيفة "ذا ناشونال" الإنجليزية، التابعة لمجموعة "أبوظبي للإعلام"، دور كبير في تشكيل هويتها الفنية، إذ تقول إنها عاشت في دولة جامعة لكل العرب، وتعاملت مع مختلف الجنسيات، وتعلمت لهجاتهم خلال تلك الفترة، ما سهل عليها بشكل كبير فهم المصطلحات المختلفة، والكلمات التي تتباين من لهجة إلى أخرى، وكان لهذا الأمر دور كبير في تشكيل هويتها الفنية، ومنحها القدرة على الكتابة بأكثر من لهجة.
وتؤكد سمر أن عملها في الصحافة، ضمن مجموعة "أبوظبي للإعلام"، أثرى ثقافتها بشكل كبير جداً، وفتح لها آفاقاً واسعةً، ومنحها مساحة حرية كبيرة، فكانت واحدة من أفضل التجارب التي مرت بها في حياتها، خاصةً أنها أطلعتها على ثقافات مختلفة ومتنوعة، وأثرت موسوعتها بشكل كبير.
مكتشف الموهبة:
ترجع هنيدي الفضل في اكتشاف موهبتها بالكتابة إلى الموسيقار الأردني وائل الشرقاوي، وتسرد قصتها معه، خلال حديثها لـ"زهرة الخليج"، فتقول: "كنت أمتلك الكثير من النصوص، ولم يخطر ببالي يوماً إمكانية تلحينها وغنائها، حتى جاءتني إحدى الصديقات، وقرأت بعضاً منها، وسألتني عن إمكانية تقديم هذه النصوص كأعمال غنائية، وقامت بعرضها على الشرقاوي، الذي بدأ معي خطوةً بخطوةً، وعلمني بعد ذلك كيف أخرج موهبتي بشكل كامل، خاصة أن كتابة الأغاني تعد علماً بحد ذاته، ومهنة تحتاج احترافاً حقيقياً، وإلماماً بأنواع الشعر والقوافي، وغيرها".