تعاني طفحاً جلدياً.. ظنّت أن السبب هو البحر والشمس والأشعة فوق البنفسجية. وضعت «لبخات» المياه الباردة، ومراهم الحروق. مرَّ يوم، يومان، ثلاثة.. واستمرّ الطفح الجلدي يشتدّ على الوجه والعنق وفروة الرأس.. خافت! قيل لها: قد يكون السبب مرض الحزام الناري. قصدت الطبيب، وأتاها الجواب: إنه «الذئبة الحمراء». لم تفهم ما بها، وشعرت بضياعٍ، وما عادت «اللبخات» تنفع. فهل ما تعانيه هو من تأثير الحرّ أم هو مرض مناعي ذاتي، أم فيروس، أم ماذا...؟ أسئلة كثيرة طرحناها باسمها، وباسم كل من يعانون داء «الذئبة الحمراء»، على أخصائية الأمراض الجلدية بمستشفى «هيلث بوينت» في أبوظبي، الدكتورة هبة أحمد غنام.
كثيرون عانوا - أو قد يعانون يوماً ما - الحزام الناري، المعروف بمرض «الزونا»، الذي يتسبب في ظهور طفح جلدي يؤثر في الأعصاب، ويؤدي إلى ألم شديد. لكنَّ قليلين جداً من يعرفون «الذئبة الحمراء». ولماذا سُمي بهذا الاسم تحديداً؟.. طرحنا السؤال على الدكتورة هبة أحمد غنام، مع سيل من الأسئلة التي تهم الكثيرين، فقالت: «أطلق هذا الاسم؛ لأنه يتسبب في طفحٍ يظهر عادة على منطقة الوجه، ويرسم شكلاً يشبه الفراشة، وشُبّه في يوم من الأيام برسم الذئب». فهمنا ماهية الاسم! فماذا في تفاصيل الأسباب؟.. تجيب: «إنه مرض مناعي ذاتي، يسبب التهاباً، يظهر على شكل طفح جلدي بلون أحمر».
نوعان من «الذئبة»
الطفح الجلدي والاحمرار قد يظهران في الصيف. لذا، لنقرأ - مع اشتداد الحرّ وأعراضه الكثيرة - تفاصيل مرضٍ يجعلنا نخلط بينه، وبين الاحتراق الذي تتسبب فيه الأشعة فوق البنفسجية.
تقول الدكتورة غنام: «يعدّ (الذئبة الحمراء) من الأمراض المزمنة، وينقسم إلى نوعين: جلدي وجهازي، وفي حالات يمكن للمرض أن يصيب الجلد والأجهزة والأعضاء معاً، مثل: القلب، والكلى، والمفاصل، وسواها». وتضيف: «عندما يكون (الذئبة الحمراء) جلدياً، يسبب طفحاً أحمر أو قشوراً بسيطة على الجلد، تظهر عادة على الوجه، والعنق، وفروة الرأس، والمناطق المعرضة للشمس، وتسبب تساقط الشعر، وتقرحات فموية. أما إذا كانت جهازية، فأعراضها تكون غالباً أشدّ، ويمكن أن تؤثر فيى أي جهاز، أو نظام بالجسم. قد تتأثر بها المفاصل والرئتان والكلى والقلب أو الأجهزة والأنسجة الأخرى، كما أنها تسبب ندبات جلدية، وتقرحات عميقة على الجلد».
هل هناك أشخاص أكثر عرضة للإصابة من غيرهم؟
تقول أخصائية الأمراض الجلدية في مستشفى «هيلث بوينت»: «بما أنه مرض مناعي، فإنه يصيب المرضى من الأعمار كافة، وكلا الجنسين، لكن النساء معرضات أكثر لهذا المرض، بنسبة تسعة أضعاف أكثر من الرجال حول العالم. وتتركز الإصابات بين ذوي البشرة الداكنة، خاصة الأفارقة، وشعوب آسيا، يليهم الإسبان، ثم العرق الأبيض».
كيف ينتشر مرض «الذئبة الحمراء» أو ينتقل؟.. تجيب الدكتورة غنام: «(الذئبة الحمراء) مرض غير معدٍ، لا ينتشر، إنما تحفّز ظهوره لدى الفرد مجموعة من العوامل الوراثية، مثل: الأمراض المناعية، أو الأمراض غير الوراثية، وفي مقدمتها التعرض للشمس، ويؤدي إهمال المريض زيارة الطبيب، وتأخير الكشف المبكر عن المرض، إلى تفاقم الحالات المرضية».
العلاج المناسب
سؤالٌ بديهي: ماذا عن العلاجات المتاحة؟.. تقول غنام: «يختار الطبيب المشرف العلاج المناسب، حسب طبيعة كل حالة على حدة، وتشمل العلاجات أدوية موضعية، مثل: السترويدات القشرية، والمعالجة الجهازية، مثل: أدوية الكورتيزون، ومضادات الملاريا، ومثبطات المناعة، وواقيات الشمس، على سبيل المثال لا الحصر. أما إذا تزامنت الإصابة بـ(الذئبة الحمراء) مع أمراض أخرى، مثل: القلب، أو المفاصل، أو الكلى، فيجب اتباع خطة علاج، تستوفي معالجة الأمراض كافة، ويمكن الكشف على نوع المرض، والحالة الصحية للمريض، من خلال التحاليل المخبرية المناسبة، والخزعة الجلدية المباشرة، والمناعية».
هل يمكن الشفاء من هذا المرض بشكلٍ كامل؟.. جواب الدكتورة غنام لن يكون مستحباً لكثيرين؛ فقد قالت: «للأسف، (الذئبة الحمراء) من الأمراض المزمنة، التي تتطلب أن يخضع المريض للمراقبة الطبية بصفة دائمة من قبل أخصائي الطب الجلدي، وتتحسن الحالة الصحية للمريض مع اتباع التعليمات، وتوصيات الطبيب المعالج. وتعتبر بعض الأمراض محفزة لظهور (الذئبة الحمراء)، وبينها أمراض المناعة، مثل: الغدة الدرقية، والتهاب المفاصل، والتهاب الجلد، والعضل، وغيرها من أمراض النسيج الضام».
نحن في فصل الصيف.. فهل تزيد الظروف البيئية حدوث هذا الداء؟.. توضح: «بالطبع، ويأتي التعرض للشمس أحد أبرز هذه العوامل، لكن ذلك غير مرتبط بحرارة الجوّ، فيمكن التعرض لأشعة الشمس الحادة في المناطق الجليدية، بينما ننعم في أجواء مثل السائدة في دولة الإمارات - على سبيل المثال لا الحصر - بالرطوبة، التي تقينا حدة إشعاع الشمس. لذا لا داعي للخوف في منطقتنا».
مرض «الذئبة الحمراء» قد يُفاجئ المصاب الذي ينتظر أجوبة تريحه.. ماذا عنها؟ ماذا عن رسالة التوعية لمن يبحثون عن حماية أنفسهم من الإصابة؟.. تجيب الدكتورة هبة أحمد غنام: «عند ظهور أي عارض، أو تغير على البشرة، يجب التوجه فوراً للطبيب؛ لأن (الذئبة الحمراء) قد يتشابه في الشكل أحياناً مع بعض أنواع الحساسية، أو الحرق الشديد الناتج عن التعرض للشمس، كما قد تختلط الأعراض مع أمراض أخرى، وبالتالي يجب أن يكون التشخيص من قبل الطبيب المختص؛ لإعطاء العلاج المناسب».