خالد زكي: للأحجار خصوصية في وجداني
يتجلى إبداع النحات المصري، خالد زكي، في قدرته على نقل الحياة إلى الأحجار، والكثير من المواد الخاملة، في تناغم وخطوط نقية تبعث إليها هوية جديدة، مستلهماً الحضارة المصرية القديمة، ومنحوتات عصر النهضة، وتراث الفن المصري الحديث، كرمز ومرجعية يصنع منها لغته البصرية؛ إذ تعلم من رحلته في الغرب الأساس الأكاديمي، والتكوين الواقعي؛ لتطوير أسلوبه الخاص، مستخرجاً خلاصة وافية طبقها على أعماله بطريقة ذكية وحقيقية، حفزت إبداعه الفني، ومنحته الخبرة والمعرفة؛ للتعبير عن شغفه واهتمامه.. في حوارنا معه، نلقي بالضوء على جوانب من تجربته النحتية:
• من خلال أعمالك النحتية.. هل تمكنت من إبداع لغة بصرية ميزت أسلوبك؟
ـ النحت مشروع بحثي ممتد، ينمو مع الإنسان كحياته الطبيعية؛ فقد بدأته منذ الصغر. ولم يكن - آنذاك - بحثاً عن لغة بصرية، وإنما رحلة بحث عن ذاتي الفنية، واكتشاف نفسي. ومع مرور الوقت والإنتاج المستمر، بدأت ملامح تجربتي في الوضوح، ففي بداية التجربة يكون الجانب الموضوعي في العمل النحتي هو الطاغي على أي فنان شاب، ومع زيادة الخبرة والوعي يبدأ الجانب الذاتي في الظهور، وهي الخصائص والبصمة التي تميز ما يفعله عن الآخرين. وكل الأعمال التي ينتجها الفنان على مراحل مختلفة تبدأ في أخذ سمات معينة جلية وواضحة، وتأخذ صفة مشتركة أو خيطاً يربطها بفكرة واحدة لها علاقة برؤيته وفلسفته واطلاعه وخبرته، وتأخذ حيزاً ذاتياً أكبر من مجرد الحيز الموضوعي. ويصبح عملاً بحثياً في الكتلة نفسها، فالنحات يصنع كتلة لها علاقة وتفاعل مع الضوء، ومع الظل يمكن أن يتحول العمل إلى بحث في صناعة كتلة لها مميزات وعلاقة باتزانه الشخصي والبصري تجاه الأشياء.
• ما أهم ملامح مشروعك الفني؟
ـ من يشاهد أعمالي الفنية يلاحظ احترامي للكتلة، ورسوخها، واتزانها، ومحاولة أن يكون الحراك خارج منطقة الكتلة الداخلية. وفي الوقت ذاته غير مستهلك لها، وهذه من الخصائص الموجودة في النحت المصري القديم، لكن لديَّ تجربة عميقة وكبيرة مع المدرسة الإيطالية وأساتذتها، الأمر الذي أثر في كثير من أعمالي، لكن بنسبة محدودة، مقارنة بالخصائص التي تلون أعمالي من التراث المصري القديم.
• كيف أثرت تجربتك بالغرب، خاصة إيطاليا، في إنتاجك ونوعيته؟
ـ دائماً أذكر مثالاً لمن حولي، أنني كي أتمكن من جمع التقنيات التي استطاع بها المصريون إنتاج أعمالهم الفنية بشكلها المبهر؛ اضطررت للسفر إلى إيطاليا؛ لتعلم تقنيات النحت، إذ لديهم احترام كبير للمدرسة المصرية القديمة، فتعلمت منهم كيفية التعامل مع الخامات والمواد وفنيات صياغة الكتلة، وللوصول إلى الهدف والتجربة كان هناك عصف ذهني كبير بين ما أشاهده حولي ووجود الفن في كل مكان، وبين التقنيات التي كنت أمارسها كل يوم، إضافة إلى المعرفة العلمية والتقنية لكيفية إنجاز العمل الفني، حيث إن مدينة «بتروسانت» التي كنت أعيش بها كانت مشهورة بأنها مدينة الفن، ومعظم الفنانين العالميين يقيمون بها، وينتجون أعمالهم فيها، فقد كانت بمثابة متحف مفتوح، وفي الوقت ذاته مدرسة، وكان لي الشرف أنني عاصرت آخر جيل من كبار الرواد في هذا المجال.
• من كان له أثر، أيضاً، في دعم مسيرتك الفنية؟
ـ أستاذتي عايدة عبدالكريم في مصر لها فضل كبير على تجربتي، فقد تبنتني أثناء دراستي في كلية إدارة الأعمال، التي مكثت فيها لمدة 4 سنوات، فكانت دائماً تحدثني عن الصياغات النحتية في إيطاليا، وعن الفنون، وهي أيضاً من ضمن المحفزات التي دفعتني إلى الاستمرار، وتكملة طريقي والذهاب للدراسة في إيطاليا.
• ما موقع التراث الفني الأوروبي في أعمالك؟
ـ معظم البناء النحتي الهيكلي للفن المصري القديم أساسه معماري رصين، وليس به الكثير من الانحناءات والحركات، فالمدرسة الغربية تتميز بالحراك العنيف، سواء على سطح الكتلة، أو على بعض أطرافها؛ فتجدها خارجة؛ لتعبر عن أشياء في الجسد مثلاً، وما فعلته هو أنني قمت بتلخيص كثير من الحراك الموجود في تلك المدرسة الغربية، ومزجته بالكتلة الراسخة، التي تنتمي إلى المدرسة المصرية القديمة.
• إلى أي مدى تأثرت أعمالك بجماليات الحضارة الفرعونية، والتصوف الزهدي؟
ـ الرصانة الموجودة في الأعمال الفنية المصرية القديمة، والتلخيص والزهد الموجود في الكثير منها، ليس معمارياً بحتاً، وإنما يرتبط بخيط يمسُّ الروحانيات الصوفية. أنا لا أجسد الصوفي، وإنما أصنع كتلة و«فورم» لهما مميزات وخصائص معينة، ولما دخلت في الموضوع الصوفي قمت بمعالجات قريبة لما كانت عليه الأعمال المصرية القديمة، وكانت لها تأثيرات في بساطتها. عندما صنعت مشروعي الأخير «الرحلة»، وهو مجموعة من الشخوص التي تمتطي الخيول، كان هناك نوع من الحراك؛ فمن طابع الخيول سيرها في خط أفقي، وبالتالي كانت هناك حركة ربما غير موجودة في التراث المصري القديم. فوضوح الكتلة، ووصول الرسالة دون صخب أو ضوضاء، أمور لها علاقة بجانب روحاني في أي فلسفة، بحيث يؤثر العمل في متلقيه بشكل تلقائي، ولا يوجد فيه افتعال.
• ما الخامات المفضلة لديك للعمل، ولماذا؟
ـ الأحجار بأنواعها المختلفة مفضلة لديَّ، إذ إنه أمر رائع أن يعمل الفنان على حجر مرت عليه ملايين الأعوام، وأن تكون هذه القطعة بالذات بين يديه؛ ليصنع منها عملاً فنياً، ويضع فيها انطباعه الشخصي، فالأحجار لها خصوصية في وجداني ومشاعري.