الريم المنهالي: الإنسان الحدث الأهم في كتاباتي
مثل «شهرزاد»، وَقَعت الفنانة والكاتبة المسرحية الإماراتية، الريم المنهالي، على أبواب الحكايا، في سيرتها مع الأدب والفنون، جاعلةً منها وسيلةً تعبر بها عن نفسها ورسالتها؛ فتنوعت أمامها وسائل التواصل الإبداعي، وهي تخلق من الكلمة الشعرية أفقاً، يمتح من ينابيع متعددة، تصهرها في بوتقة فعل ثقافي، يجعل من شغفها أداة للتغيير الاستثنائي، ويكون نصها وأداؤها شاهدَيْن على موهبتها الفذة، ومهاراتها المتعددة.. في هذا الحوار، تُحدثنا الكاتبة الإماراتية عن تجربتها الإبداعية الشاملة:
• حدثينا عن أهم ملامح مشروعك الأدبي والفني!
- أظن أنني لازلت أرسم ملامح ما سيشكل مسيرتي في الفن والأدب، وأتعلم أساليب الكتابة والإخراج، وأحاول ابتكار الجديد منها. أود أن أطلق على المرحلة - التي أعيشها الآن - اسم «مرحلة التعلم والبحث الحر»، وأشدد على كلمة «الحر»؛ لأنني أخيراً استطعت التفرغ للتعمق في البحث، وقراءة المراجع التي تهمني شخصياً. سابقاً، كان جلُّ وقتي وتركيزي ينصب على تعلم المقررات الدراسية في الجامعة، ورغم أنها كانت ثرية ومشوقة، فقد كانت غالباً تتمحور حول الممارسات الفنية الغربية. الآن، أجدني أتجول بحرية أكبر في الإرث الأدبي والفني العالمي، وأعيد التوازن إلى مخزوني المعرفي؛ بالتركيز على المصادر العربية، والممارسات الفنية التي نبعت من الجزء الأقرب إليَّ من العالم، ولكنني لا أريد أن أقلل من أهمية ما تعلمته سابقاً، بالعكس أشعر بالامتنان لكل من علمني، وللمؤسسة التعليمية التي تخرجت فيها (جامعة نيويورك أبوظبي)، فقد اكتسبت - خلال سنوات دراستي - المبادئ والأساسيات، التي مكنتني من بدء ممارسة الفنون الأدائية والكتابة للمسرح.
• كيف كانت البداية.. وما أول أعمالك؟
ـ في مركز الفنون بجامعة نيويورك أبوظبي، بدأتُ أول أعمالي قبل ثلاث سنوات تقريباً، حينما كتبت نص عرض «الرحيل»، الذي أخرجته المخرجة الأميركية جوانا سيتل، ويتمحور حول مراحل الحياة التي تمر بها الفتاة الشابة هنا، وكيف أن الجيل الحالي من الشابات يجسد تجربة يشكلها عالمنا المعاصر، وإرث النساء اللواتي سبقننا. هذا العمل كان مهماً جداً بالنسبة لي، ليس فقط لأنه كان أول عمل أقدمه، بل لأنني - من خلاله - تعاونت، وتقربت إلى الفتيات اللواتي كن يشاركن، ويمثلن فيه. وبعد «الرحيل»، كتبت وأخرجت «عمداً ونقداً»، وهو عرض أدائي صيغ كمحاضرة تدرس ظاهرة جمع الديات في الخليج. نناقش في العرض تاريخ جمع الديات، منذ أن كانت ممارسة مجتمعية تلتزم بها القبائل العربية، إلى أن تبنتها قوانين الشريعة، ثم أصبحت نصاً في قوانيننا الجنائية الحديثة.
• أعدت تعريف النخلة في تجربة «تمائم من سعف».. كيف ذلك؟
ـ عملت مع زميلتي وصديقتي الشاعرة ميثاء السويدي، وبدأنا «تمائم من سعف»، الذي عُرض في «السركال أفنيو» بدبي، وكان ضمن مهرجان «أكثر من إنسان»، بتكليف من فاطمة الفردان، وزهور الصايغ. نركز، أنا وميثاء، في هذا العرض على النخلة، ونعيد تعريفها، وننظر إليها ككيان روحي له قوى ساحرة، تتحدث وتقص تاريخها الروحي منذ أن كانت تُعبد بمناطق نجران في الجاهلية، إلى أن جُرّدت، وأصبحت رمزاً، ووسيلة تزيين في مدننا الحديثة. أنا وميثاء، حالياً، نقوم بإعادة إخراج العمل، لعرضه في مكان آخر، وسأترك تفاصيل ذلك؛ لتكون مفاجأةً تٌعلن لاحقاً.
تجربة مسرحية
• كيف تقيمين تجربتك مع المسرح الشعري؟
- سأتحدث عن تجربتي مع المسرح بشكل عام. أعتبر الدخول إلى عالم المسرح، في الإمارات أو أبوظبي، تجربة خاصة ومميزة، تختلف تماماً عن التجارب التي رأيتها وتعلمت منها خلال زياراتي إلى المدن الأخرى. ما يميز العمل، هنا، أن هناك دعماً دائماً للموهوبين، ولأن المشهد المسرحي هنا ليس مكتملاً بَعْدُ، يجد الفنان نفسه مجبراً على الخروج عن المألوف، سواء بتحويل الأماكن إلى مسارح مؤقتة، أو بالتعاون مع ممارسين من مجالات مختلفة، أو باختلاق طرق لعرض العمل بلغات عدة، حتى يتسنى لأكبر عدد من الجمهور فهم العمل.
• إلى أيِّ حدٍّ ابتعدتْ، أو اقتربتْ، تجربتك الأدبية من طرائق الواقعية السحرية؟
- لطالما كنت معجبة بأعمال بورخيس وماركيز، لكنني لا أحاول - قصداً - التطرق إلى الواقعية السحرية في أعمالي. المؤثرون في كتاباتي ينتمون إلى مدارس أدبية أخرى، فالكتّاب الذين أثروا فيَّ بشكل كبير، وأعتبرهم بمثابة المشردين بالنسبة لي، هم: محمود الفيتوري، محمود درويش، رضوى عاشور، برتولت بريخت، وتوماس ترانسترومر. وفي هذا العمل، بالتحديد، أشرت واستندت - بشكل مباشر - إلى ملحمة «جلجامش»، وأعمال محمود درويش، وآيات من القرآن الكريم.
فرصة للإلهام
• ما رأيك في مقولة «تأنيث الأدب»؟
- لا يخلو أدب من المرأة؛ لأن الأدب هو الحياة، وبطبيعة الحال لست من مؤيدي فكرة حصر الأدب في جنس معين، فلم يحدث هذا على مر الأزمان، منذ عهد الشاعرة الإغريقية «سافو»، قبل آلاف السنين وحتى يومنا هذا، إذ نجد المرأة حاضرة في الشعر والمسرح والرواية.
• ما الذي يشكل لك نبعاً دائماً للإلهام.. لا ينقطع؟
- التحديق في الحياة وتفاصيلها، والمراقبة الدائمة للتفاصيل، وما خلف الأشياء الظاهرة. كما كان للبيئة التي نشأت بها دور في زرع حب الإنصات بداخلي. كنت الأصغر في عائلتي، كنت دائماً «الأذن المصغية» للكبار من حولي، كلما أراد أحدهم التحدث عن يومه أو همومه. أتذكر إصراري على الجلوس لوقت طويل للاستماع إلى ما يريد أن يقوله الكبار، كانت «فضفضاتهم» دائماً تصاغ كنصائح لي. الآن، حينما أتذكر تلك الأحاديث؛ أشعر بأنها أسست فهمي للحالة الإنسانية، وعلمتني أن أي شعور يمكن أن يولّد قصة.
الحدث الأهم
• بماذا تهتمين في كتاباتك؟
ـ الإنسان كان الحدث الأهم في كتاباتي، وهذا قد أوضحته في مسرحية «الرحيل»، وهذا العمل الذي عُرض هنا في معرض «والمرايا كثيرة»، حيث تأخذ منعطفات حياة الإنسان منذ الولادة وحتى الممات، وهو يتشكل ويقلد غيره، ويتماهى عامل الإلهام الرئيسي لي. كذلك، أعتبر كل لقاء مع أي شخص فرصة للإلهام، وأكبر وأهم ملهميَّ هم أصدقائي المقربون، ودائماً أجد نفسي أشعر بالامتنان الشديد لهم، لما تلهمنا به أحاديثنا الودية، والأوقات التي نقضيها معاً.
• كيف تقيمين تجربتك مع منصة (421)، وما الذي أضافته إليك، وأضفته إليها؟
- كانت تجربتي مع (421) رائعة، وستبقى في ذاكرتي. أود أن أعرب عن شكري العميق للقيّمة الفنية منى الجادر، فخبرتها ومعرفتها بتاريخ الفن والأدب العالمي لا تقدران بثمن؛ وقد قدمت إليَّ التوجيه والمساعدة بشكل دائم. كنا نلتقي، أنا ومنى، بشكل دوري، وكنت أعرض عليها مراحل تطور العمل، ولم تكن تبخل عليَّ بالاقتراحات التي ساهمت - بشكل كبير - في تشكيل ملامح هذا العمل. منى قيّمة متمكنة ومبدعة، أتذكر شدة انبهاري بما قدمته بمعرض «والمرايا كثيرة» في منصة (421). فقد ابتكرت تجربة فريدة من نوعها، تضم العديد من الأعمال الفنية، التي تتميز بالقوة التعبيرية، وتُري الزائر تشابه الحالة الإنسانية، رغم اختلاف ثقافات الفنانين المختارين، واختلاف ممارساتهم الفنية.