النجاح على خطى الآباء

في‭ ‬العطاء‭ ‬هو‭ ‬كالشجرة،‭ ‬وفي‭ ‬الحب‭ ‬كالنهر‭.. ‬وفي‭ ‬الحياة‭ ‬هو‭ ‬كل‭ ‬فصول‭ ‬السنة‭.‬

في العطاء هو كالشجرة، وفي الحب كالنهر.. وفي الحياة هو كل فصول السنة.

فالأب هو الدفء في الشتاء، والفرحة في الربيع.. والنسمة في قيظ الصيف. للفيلسوف والشاعر جبران خليل جبران جملة شديدة العمق والمغزى: «يقول الآباء كلاماً غير مفهوم، ثم تشرحه لنا الأيام». مقولة تختصر معنى الأبوة ورسالتها، التي لا يدركها الأبناء، إلا حينما يصبحون أمهات وآباء. 

للأب تأثير كبير في حياة أبنائه وبناته.. فإذا كانت الأم هي من تأتي بنا إلى هذه الحياة، فالأب هو من يعلمنا السير في دروبها.. وإذا كانت الأم تمنحنا الحب والحنان، فالأب يهدينا الحكمة والأمان.. والمجداف الذي نعبر به وسط أمواج بحر الحياة.

وفي «يوم الأب»، الذي يوافق 21 يونيو من كلّ عام، نسلط الضوء على نجاحات وإنجازات 3 سيدات إماراتيات ملهمات في مجالات مختلفة، وكان لآبائهن دورٌ كبير في رسم طريقهن نحو الإبداع والتألق، وترسيخ القيم والمبادئ الجميلة لديهن، وأكدن أن دعم الآباء كان له دور كبير في إعطائهن الثقة بأنفسهن، وتحفيزهن للوصول إلى المكانة التي وصلن إليها اليوم.

مريم بن حاضر:

إنسانية والدي ألهمتني مهنياً وشخصياً

على خطى والدها، سارت سيدة الأعمال الإماراتية، مريم محمد بن خليفة بن حاضر، فبالإضافة إلى عمل والدها بالتجارة، فإنه كان شاعراً وأديباً ودبلوماسياً وبرلمانياً، وأحد الوجوه الثقافية التي جمّلت المشهد الإماراتي بالإبداع والوعي. انضمت مريم - بتأثير من والدها - إلى العمل العائلي؛ لتكمل هذه الرؤية، وتسعى إلى تطبيق مبادئه وقيمه في عملها وحياتها الشخصية:

• كيف تصفين علاقتك بوالدك؟

ـ على مدى السنين، كان والدي رمزاً للحنان والعطاء والدعم؛ فقد بدأت حياتي معه طفلةً مدللةً، ثم تحولت إلى صديقة مقربة، وأخيراً أصبحت مستشارته. لطالما كان والدي شاعرياً في كلماته لي، رقيقاً في تعامله معي، فقد أطلق عليَّ اسم جدته (مريم)، التي كان يذكرها، ويمتدحها في قصائده، فقد كانت امرأة قوية، ذات دين. 

• ماذا عن أجمـل ذكريات الطفولة، التي تتذكـرينها عن والدك؟

ـ كنت في باكستان، خلال عمله هناك قنصلاً، إذ كان حريصاً على خلوته في مكتبه بعد عودته من العمل، والاطمئنان علينا. أما أنا، فكنت حريصة كل الحرص على خرق هذه الخلوة، بما كنت أظنه أنساً وسمراً لأبي؛ فأتسلل إلى مكتبه، وأشغل صوت فيروز؛ لأبدأ وصلة رقص طفولية، لعلمي بأنه يطرب لها، ورغم تقديسه وقت خلوته، فإنه كان يتوقف عما يقوم به من كتابة أو قراءة؛ ليريني علامات اهتمامه واستمتاعه بمحاولاتي الطفولية لتقديم ما يحبه.

•كيف كان تأثير والدك في خيارك المهني؟

ـ «كان والدي شخصاً متفهماً، ومحباً للحوار، وقد أعجبني دائماً كيف كان يتعامل مع الآخرين، وكيف كان يحل المشاكل بينهم بالحكمة والصبر. فقد كان يتمتع بصفات إنسانية نبيلة وعادلة، تنصف الجميع، وهذه الصفات كانت تلهمني بشكل كبير، وأثرت في رغبتي ببداية حياتي للعمل في المجالات التي تدعم هذه القيم؛ ففكرت في دراسة القانون، لكن لصغر سني كنت مترددة بما يكفي للاختيار بشكل صحيح، وهو بدوره لم يحاول أبداً الضغط عليَّ لاختيار مسار معين. في النهاية، اخترت مسار العمل العائلي، فقد شجعتني البيئة التي صنعها لي على السير في هذا الطريق.

• وماذا عن علاقته كأب بأبنائه وأسرته، وارتباطه بهم؟

ـ كان والدي، دوماً، حاضراً معنا، فلم يمر يوم دون حدث أو نشاط عائلي نتشاركه معاً. ورغم أن عمله الدبلوماسي كان في بداية نهضة الإمارات، وترتبت على ذلك مسؤوليات كبيرة، فإنه كان حريصاً على اجتماعه معنا، وكانت الأوقات العائلية تعد لحظات نادرة وثمينة مع مشاغله الكثيرة، لكنه كان مرتبطاً بعائلته بشدة، فحينما كنا نذهب إليه، أنا وإخوتي، في مكتبه، يستقبلنا ببشاشة وترحيب، كما تميز بطريقته المشوقة في رواية الحكايات، خلال تجمعاتنا الأسرية.

• وكيف أثرت شخصيته في مسيرتك الحياتية؟

ـ كانت تدهشني قدرته على بناء العلاقات والتواصل الفعال مع الآخرين، والتحلي بالصبر، والاستماع الجيد، والاهتمام بما يقوله الآخرون. إن إنسانيته، وحرصه على بناء العلاقات الإنسانية القوية، أصبحا مصدر إلهام لي في حياتي المهنية والشخصية، على حد سواء. وكان والدي عصامياً، ويحب العمل، وكان يذكرني وإخوتي بأنه لا شيء مستحيلاً، وأن كل يوم هو بداية جديدة. كان يسدي لنا النصائح إذا طلبنا منه، لكنه لم يكن يفرض رأيه أبداً، وقد كان مصدرنا للمشورة إذا صعبت علينا بعض الأمور، لكنه علمنا، أيضاً، الشجاعة في اتخاذ القرارات، وتحمل مسؤولياتها. بالإضافة إلى دعمه لنا في اتخاذ القرار الصحيح.

• اليوم.. ما أكثر الأشياء التي تفخرين بها؟

ـ اليوم، أنا فخورة بأبي، وبسمعته الطيبة التي ارتبطت بحبه للخير والكرم؛ فقد كان مثالاً حياً للأخلاق الحميدة والتواضع، حتى بعد وفاته، كنت أسمع ولأول مرة الكثير من القصص حول إحسانه إلى الناس؛ وأنه كان رجلاً استثنائياً في كل عمل قام به في حياته، لقد أثر في اختياراتي، شخصياً ومهنياً، بطريقة عميقة. فقد تعلمت منه كيفية التفكير بشكل شامل، وتحليل الأمور بعمق، فهذه الخبرات التي تعلمتها منه ساعدتني على اختيار العمل الذي يتوافق مع قيمي، ومبادئي الإنسانية، ومكنني لأصبح ما أنا عليه اليوم.