يحتفل العالم، في الثاني عشر من مايو كل عام، باليوم العالمي للتمريض، تقديراً للعاملين بمهنة العطاء والإنسانية، حيث تتوارد إلى أذهاننا كل معاني التفاني والتضحية والرحمة والإنسانية، التي يجسدها الممرض والممرضة بوقوفهما الدائم إلى جانب المريض، للسهر على راحته، والمساهمة في إنقاذ الأرواح، فهما حجر الأساس في أي منظومة صحية. "زهرة الخليج" التقت الدكتورة عائشة المهري، الرئيس التنفيذي لإدارة التمريض في مجموعة برجيل القابضة، التي تحدثنا عن مشوارها المهني، والتحديات التي مرت بها، والإنجازات التي ساهمت بها في القطاع التمريضي بالدولة، وإليكم نص الحوار:
ما سبب انضمامك إلى مهنة التمريض؟
- عندما تخرجت في "الثانوية العامة"، كان والدي يطمح لأن التحق بكلية الطب، الأمر الذي لم يحصل. لكن، في عام 1993، كنا نسمع عن مدرسة التمريض، وقد شجعتني والدتي كثيراً على الالتحاق بها، حيث كانت ترى في الممرضة "ملاكاً للرحمة"، وزرعت بداخلي حب مهنة التمريض، وبالنسبة لي كنت أحلم بدراسة أي تخصص يتعلق بالمجال الطبي، وفي ذلك الوقت كان من شروط التقديم موافقة الوالدين، لكن والدي رفض حينها أن أدرس التمريض، ومر عام، وأنا أحاول البحث عن تخصص آخر، حتى أصيب الوالد بأزمة قلبية، وكنت مرافقته في الخارج، وخلال رحلة علاجه أحب مهنة التمريض، ولمس الجانب الإنساني فيها، وعندما عدنا إلى الوطن، وافق على أن أتقدم بها، وشجعني بعدها كثيراً.
كيف كانت نظرة المجتمع إليك، في ذلك الوقت؟
- قبل 20 عاماً، لم تكن نظرة المجتمع لمهنة التمريض منصفة، إذ كان ينظر لها على أنها من المهن الدنيا، أو أنها لا تليق بمواطني الدولة، إضافة إلى أنه وقتها لم يكن مقبولاً الاختلاط بحسب الثقافة الإماراتية والمجتمع المحافظ، كما أن العمل المسائي كان مرفوضاً. لكن لاحقاً، تغيرت نظرة المجتمع بشكل كبير، نظراً للدعم الذي قدمته القيادة الرشيدة، والذي ساهم في تطور المهنة، وزيادة استقطاب المواطنين إليها.
كيف ترين مهنة التمريض في الدولة.. بين الماضي والحاضر؟
- في الماضي، كانت الممرضة تتلقى بعض التعليمات من الطبيب، وتعطي الحقن، وتتوجه للمنازل لإعطاء التطعيمات. أما الآن، فأصبحت الممرضة الإماراتية تشغل منصب مستشارة ومدير تنفيذية للتمريض، وأصبح التمريض علماً قائماً بذاته، وتم استحداث تخصصات ما بعد الماجستير كممرض متخصص في طب الطوارئ، والعناية المركزة، وممرضين متخصصين في علم الأبحاث، وأصبحت لدينا نماذج إماراتية بمستوى عالمي.
اقرأ أيضاً: عليا وأروى وشيخة إماراتيات ملهمات في الثقافة والفنون
حدثينا عن أهم محطات رحلتك المهنية!
- مررت بمحطات عدة، شكلت حياتي، وصقلت شخصيتي، أولاها كانت في بداياتي المهنية، لأنني كنت ممرضة أعمل عن قرب مع المرضى في أقسام عدة، وهذا جعلني أستوعب متطلبات التمريض، وأساسياته، وكيفية التعامل مع أصعب الحالات من المرضى. بعد هذه الأعوام، خطوت أولى خطوات التطور الوظيفي، وكان تطوراً منطقياً، حيث تدرجت كمسؤول فريق، ثم مسؤول وحدة، ثم مسؤول وحدات، إلى أن وصلت لأكون مديرة قطاع التمريض في شركة "صحة" سابقاً، والآن أشغل منصب الرئيس التنفيذي لإدارة التمريض في مجموعة برجيل القابضة، وهذا التدرج الوظيفي صقل تجربتي من الناحية الإدارية والمهارات القيادية، وجعلني أتقن التعامل مع السيناريوهات الصعبة، كما مكنني من التعامل مع المرضى، والإدارات العليا.
ماذا عن محطتك التالية؟
- المحطة الثالثة، والمحورية في مسيرتي المهنية، كانت مع أول خلوة وزارية، نادى بها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وكان محورها تطوير القطاع التعليمي والصحي، إذ جعلتني أتعرف عن قرب على قيادات الدولة، وعرفت طموحات قيادتنا، وتعلمت منها كيف يكون التنفيذ السلس للمناقشات، ولمست الحنكة الإدارية، كما تعلمت تحمل مسؤولية الوطن، وتعلمت من هذه الخلوة إلى أين يجب أن يصل القطاع الصحي والتمريضي، وضرورة تعزيز جاذبية مهنة التمريض؛ لأنها لاتزال جزءاً من الأجندة الوطنية، التي ركزت عليها القيادة، كما رسخت الخلوة رسائل طيبة داخلي، تؤكد أن القيادة تمنحنا ثقتها دوماً، وتمكننا من صنع القرار. وأيضاً، تعلمت منها كيف نصنع الرؤية، وجميع شباب الوطن عامل مؤثر لبناء الوطن ليس فقط القيادات، وأصبحت هذه رؤيتي الخاصة، التي أحملها معي في مسيرتي المهنية.
هل من موقف لا يُمحى من ذاكرتك؟
- نعم، لا أنسى فترة جائحة "كوفيد-19"، فقد كانت مرحلة استثنائية للعاملات بقطاع التمريض، وشعرت خلالها بالفخر، لأنني كنت من المساهمين في خدمة الوطن، إذ كان العالم يصارع لإيجاد كوادر طبية وتمريضية، لكننا هنا كنا قادرين على التعامل مع أصعب الحالات والتكيف وافتتاح المستشفيات الميدانية، وكانت لدينا خطة مدروسة واستباقية، فقد كنا جميعنا في الميدان نعمل يداً بيد.
حدثينا عن أهم الإنجازات، التي حققتها؟
- مررت بنقلة نوعية عند انتقالي من القطاع الحكومي للخاص، وهذا ذكرني ببداياتي عندما أخذت الخطوة الأولى لدخول المهنة، وكانت تحدياً خاصاً بالنسبة لي. فقد وجدت أن القطاع الخاص فيه فرصة للبناء والتطور، ومساحة للإبداع والتغيير، ولأن قيادتنا توجه دائماً بضرورة التحاق المواطنين بالقطاع الخاص لصنع التوازن بين القطاعات، أردت أن أكون أول مواطنة إدارية تنتقل للقطاع التمريضي الخاص، وهنا يجب أن أشير إلى الثقة التي منحتني إياها "برجيل"، وتقديرها للكفاءات المواطنة.
أيضاً من الإنجازات التي أفخر بها، أنني أول مواطنة في الدولة، تحصل على الزمالة من الكلية الأميركية لإدارة وتحليل البيانات الصحية، وهي تعطى للعاملين في المجال الصحي على مستوى المديرين التنفيذيين في القطاع الصحي، كما تشرفت بأنني كنت رئيسة جمعية التمريض الإماراتية في فترة سابقة، إلى جانب سنوات الخبرة التي شغلتها في وزارة الصحة، ولا أنسى إحدى الفعاليات العالمية التي كنت أحد المساهمين في استقطابها إلى أبوظبي، وهي كونجرس التمريض العالمي عام 2021، حيث كنا أول دولة عربية تستضيف هذا الحدث لأول مرة في الشرق الأوسط، بدعم من هيئة السياحة والثقافة في أبوظبي، وبتنظيم من شركة "صحة".
بماذا تنصحين المواطنات؛ لتحفيزهن على الالتحاق بالتمريض، والقطاع الخاص تحديداً؟
- أقول: إن (عيال زايد) قادرون على تخطي الصعاب والتحديات وتجاوزها، وهذه فرصة لنثبت كمواطنين أننا قادرون على العمل في مختلف الأنظمة، فالتخوف من العمل بالقطاع الخاص ليس له أساس من الصحة.
ما طموحك الحالي والمستقبلي في القطاع الصحي في الدولة؟
- أطمح، دوماً، لأن نطبق نظرة وتصور شيوخنا الكرام، وأن نكون من المؤثرين، ونرفع اسم دولة الإمارات عالياً، ونضيف المزيد من الإنجازات، ونكون سباقين دائماً في القطاع الصحي. أتمنى أن أرى كوادر من الشباب المواطنين والشابات يلتحقون بالقطاع الخاص، ويزيلون حاجز الخوف لديهم من دخوله، وأن يثقوا بالعمل في القطاع الخاص، ويتخلصوا من اعتقادهم الخاطئ بأن الأمان الوظيفي فقط في القطاع الحكومي، وأن ساعات العمل في الخاص أطول. وأبشر الجميع بأنه، الآن، لا يوجد فرق بين القطاعين، بل على العكس في القطاع الخاص يمكننا الحصول على الترقيات، والتدرج الوظيفي، بشكل أسرع.