نقل متحف «اللوفر»، وجامعة «السوربون»، في أبوظبي، مفهوم التعاون والشراكة الثقافية بين الدول، من إطاره البروتوكولي إلى مفهوم جديد قائم على النقل المتكامل للثقافة والمعرفة، وذلك في تجسيد حقيقي لحجم الشراكة الثقافية التي تربط دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية فرنسا. وتحول المبنى الأيقوني لمتحف اللوفر أبوظبي، ومقر جامعة السوربون، إلى جسر ثقافي يربط أبوظبي بباريس. وطوال 50 عاماً من العلاقات الوثيقة بين الدولتين، شكلت الثقافة إحدى أهم ركائز العلاقات بين العاصمتين، وأولى المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، بفكره وحكمته، هذا الجانب أهمية بالغة، إيماناً منه بأهمية الثقافة في التقريب بين الدول والشعوب.
وشهدت العقود الـ5 الماضية الإعلان عن العديد من المشاريع الثقافية الكبرى، التي أسهمت في تعزيز التواصل والتعاون بين البلدين على المستويين الثقافي والتعليمي. ويعتبر متحف اللوفر أبوظبي من أكبر وأهم هذه المشاريع الثقافية، التي تعمل على تعزيز التواصل الحضاري والثقافي بين فرنسا والإمارات، كما يعد المتحف أوّل متحف عالمي في العالم العربي، وأكبر إنجاز ثقافي فرنسي في الخارج. وخلال الحفل الرسمي، الذي أقيم عام 2017، بمناسبة تدشين المتحف، أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، أن متحف اللوفر أبوظبي علامة بارزة في مسار العلاقات المتميزة بين دولة الإمارات العربية المتحدة والجمهورية الفرنسية، خاصة على المستوى الثقافي، مشيراً إلى تقدير البلدين للتراث الثقافي الإنساني المشترك، وعملهما معاً على الاهتمام به، وتعزيز دوره في تحقيق التقارب والتفاهم بين الشعوب.
صرح ثقافي عالمي:
بدوره، قال فخامة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في كلمة خلال الحفل: «إن ميلاد صرح ثقافي عالمي في العاصمة الإماراتية أكبر رد على أولئك الذين يريدون تدمير الإنسانية، لأنه يمثل جسراً للجمال الفني، الذي يوصل قارات العالم والأجيال البشرية ببعضها بعضاً»، واصفاً المتحف الجديد بـ«الخيالي»، الذي «يعرض أوجه الحضارة الإنسانية عبر عصور التاريخ».
«السوربون أبوظبي»:
وفي الإطار ذاته، تأسست عام 2006 جامعة «السوربون أبوظبي» كأول فرع خارج فرنسا، لواحدة من أعرق الجامعات في العالم، وذلك بناءً على اتفاق بين حكومة أبوظبي، وجامعة السوربون في باريس، لتعزيز القطاع الأكاديمي والثقافي، ومثَّل هذا الاتفاق التاريخي رؤيتهما المشتركة، لتحقيق أفضل المعايير بالتعليم الفرنسي في منطقة الشرق الأوسط.
ويتيح حرم الجامعة، الذي انتقلت إليه في عام 2009 بجزيرة الريم في أبوظبي، التقديم على برامج أكاديمية متخصصة في درجتَي البكالوريوس والماجستير، وبرامج التعليم المستمر. ويمتد مبنى الجامعة على 93 ألف متر مربع، ويشمل مرافق تعليمية وترفيهية، وسكناً جامعياً، وتضم الجامعة: مكتبة، ومسرحاً يتسع لأكثر من 700 شخص، ومركزاً رياضياً، وتلتزم بالمساهمة في رؤية أبوظبي، المتمثلة في تحويل الإمارة إلى مركز ثقافي وعلمي، وتوسيع نطاق تواصلها مع الطلبة محلياً وعالمياً.
محطات ثقافية:
وتتضمن الشراكة الثقافية بين البلدين العديد من المحطات المهمة، حيث شكّل مؤتمر أبوظبي من أجل حماية التراث الثقافي في مناطق النزاع في عام 2016، محطة بارزة من محطات الشراكة الثقافية بين الإمارات وفرنسا، حيث أفضى المؤتمر إلى إنشاء التحالف الدولي لحماية التراث في مناطق النزاع «ALIPH»، وتأسيس صندوق دولي لدعم التراث العالمي المعرض للخطر، حيث أسهمت دولة الإمارات وفرنسا بمبلغ 45 مليون دولار، بالتعاون مع اليونسكو.
معهد العالم العربي:
وفي عام 2017، أيضاً، أسهمت دولة الإمارات بمبلغ 5 ملايين يورو، لدعم معهد العالم العربي في باريس، وتم في العام ذاته افتتاح قاعة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان بمتحف اللوفر في باريس. علاوة على ذلك، قدمت الإمارات مساهمة مالية بقيمة 10 ملايين يورو، لترميم المسرح الإمبراطوري لقصر فونتينبلو، بالقرب من باريس، وبناءً عليه سُمي المسرح باسم المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، طيب الله ثراه.
وشكل عام الحوار الثقافي الإماراتي - الفرنسي (2018) فرصة مميزة لتوسيع أطر المبادرات والمشاريع والبرامج المختلفة، حيث تناول الحوار مواضيع مهمة منها: الفن، والذكاء الاصطناعي، وحماية التراث الثقافي المعرض للخطر، وتعزيز اللغتين الفرنسية والعربية في البلدين، ونظمت وزارة الثقافة والشباب «الأسبوع الثقافي الإماراتي» في باريس في أكتوبر من العام ذاته، بهدف تعريف الجمهور الفرنسي على الفنون والثقافة الإماراتية، وتضمن الأسبوع برنامجاً حافلاً وفعاليات منوعة.
وفي ديسمبر 2018، أصبحت دولة الإمارات عضواً منتسباً في المنظمة الدولية للفرانكوفونية، فيما قررت الإمارات إعادة إدراج تعليم اللغة الفرنسية في المدارس الحكومية، اعتباراً من مطلع العام الدراسي 2019/ 2020، ما يتيح لأكثر من 8 آلاف طالب إماراتي تعلّم اللغة الفرنسية.