التوحد طيف الاختلاف

كثير من الآباء والأمهات يخفون أولادهم المصابين باضطراب طيف التوحد؛ تجنباً لنظرة المجتمع إليهم، إذ يسجنونهم بالمنزل؛ هرباً من الواقع، أو همسات من حولهم، ونظراتهم الجارحة أحياناً. لكن في دولة الإمارات العربية المتحدة، تدنت هذه المؤشرات إلى أبعد حدٍّ؛ قياساً بالمجتمعات الأخرى في العالم، حيث سعت إلى دمج

كثير من الآباء والأمهات يخفون أولادهم المصابين باضطراب طيف التوحد؛ تجنباً لنظرة المجتمع إليهم، إذ يسجنونهم بالمنزل؛ هرباً من الواقع، أو همسات من حولهم، ونظراتهم الجارحة أحياناً. لكن في دولة الإمارات العربية المتحدة، تدنت هذه المؤشرات إلى أبعد حدٍّ؛ قياساً بالمجتمعات الأخرى في العالم، حيث سعت إلى دمجهم مع فئات المجتمع؛ كونهم حالة مرضية كأي مرض آخر، يحتاج إلى العلاج والرعاية، وكثير من الأمور التي يقرها المختصون بهذا المجال. لتبقى المعضلة الأهم في مجتمعنا، هي كيفية التعامل مع الطفل المتوحد، داخل الأسرة، وفي المدرسة، وأينما وجد، فهذه الكيفية تساهم في تحسين سلوكه وتفاعله، وترفع نسبة نجاح العلاج.. في التحقيق التالي، التقت «زهرة الخليج» شريحة من أولياء الأمور، والمختصين من مركز أبوظبي للتوحد، أحد مراكز الرعاية والتأهيل التابعة لمؤسسة زايد العليا لأصحاب الهمم؛ للاحتفاء معهم بيوم التوحد العالمي، الذي يوافق الثاني من أبريل كل عام؛ ليسردوا لنا تجربتهم مع هذا الطيف المرضي، وأهمية التدخل المبكر:

 

أمينة الحمادي وابنتها «ماريا»

 

مجموعة «واتساب»

بداية، تشير أمينة الحمادي، موظفة بإحدى الجهات الحكومية في أبوظبي، ووالدة الطفلة «ماريا»، إلى أن لديها 6 أبناء، وترتيب «ماريا» الخامس بينهم، وتقول عن اكتشافها إصابة «ماريا» بالتوحد: «عندما بلغت الطفلة عامين، كانت لا تتحدث ولا تعبر ولا تنتبه إلى النداءات، فاصطحبتها إلى الطبيب، وشخص الحالة بأنها طيف التوحد. لم أستسلم، وتعاملت مع الموضوع بإيجابية شديدة، وبت أقرأ حول موضوع التوحد، وأبحث عن المعلومات المفيدة في هذا الأمر، وألحقت ابنتي بأحد مراكز تعليم النطق، وبعد ذلك تم إلحاقها، في سن الروضة، بمؤسسة زايد العليا لأصحاب الهمم».

وتتابع: «أشعر بسعادة بالغة، منذ أن ألحقت ابنتي بالمركز، وإلى اليوم هي في تحسن كبير ولله الحمد، وما يزيدني سعادة وفخراً، ذلك التغير الإيجابي الذي حدث لها، بعد أن كانت لا تنطق ولا تنتبه. الآن ابنتي مستعدة للدمج في المدارس، وقد قمت بإنشاء مجموعة على (الواتساب)؛ لإرشاد وتوعية وتبادل الخبرات مع أمهات أصحاب الهمم؛ لأنه، وللأسف، بعض أولياء الأمور لا يدركون أهمية إلحاق الطفل بالمراكز المتخصصة مبكراً، لاسيما أن مرور السنوات يحدث فارقاً كبيراً في تحسن الحالة»، لافتة إلى أنها ترى أن إصابة ابنتها بالتوحد منحة، وليست محنة، وأن معظم العباقرة، مثل آينشتاين وغيره، كانوا مصابين بالتوحد.

 

نسرين علي حمد وابنتها سلامة الجنيبي

 

تكاتف الأسرة

ويرى مستشار تطوير وتدريب التنمية البشرية، محمد عبده، والد الطفل «جمال»، أن ولادة ابنه مرت برحلة من المعاناة والتضحيات والحب، لكنها لم تمر أبداً بمرحلة من مراحل الاستسلام أو اليأس، لافتاً إلى أنه عندما شخصت حالة ولده بأنه «طفل توحدي»؛ قرر الاستقالة من عمله كمحاضر تنمية بشرية في شرطة أبوظبي؛ للتفرغ الكامل لرعايته.

ويشدد الأب على أن تكاتف الأسرة أول طريق علاج وشفاء الطفل المتوحد، قائلاً: «هذا ما حدث بيني وبين زوجتي، إذ مررنا بالكثير من التحديات، لكننا - بالترابط والصبر والمثابرة والبحث في الموضوع - استطعنا تخطيها؛ فأصبحت علاقتي بابني (جمال) علاقة قوية، ولله الحمد تم دمجه في المدرسة، وما خلصت إليه من تجربتي مع ابني، أن الطفل المتوحد لديه أبواب من الذكاء، على أولياء الأمور معرفة مفاتيحها؛ للوصول به إلى بر الأمان».

 

 

دور الإعلام

بدورها، تسرد نسرين علي حمد، موظفة بإحدى الجهات الحكومية في أبوظبي، ووالدة الطالبة سلامة أحمد سالم الجنيبي، قصتها مع توحد ابنتها «سلامة»، قائلة: «بناتي الثلاث من صاحبات الهمم، وأنا أعتبرهن هدية من الرحمن؛ فهن طيور الجنة، ومسؤولية تربية طفل من أصحاب الهمم تعتبر منحة إلهية»، مؤكدة دور الإعلام في نشر التوعية، لاسيما أنها قد علمت بمرض ابنتها عن طريق الراديو، عندما كان أحد الأطباء يتحدث عن التوحد وخصائصه، وكان السبب في تأخر تشخيص ابنتها هو عدم وعيها بأن الطفلة مصابة بالتوحد، لكنها كانت تعتقد أن الطفلة مريضة بالمتلازمة نفسها، المصابة بها أخواتها.

وتتابع: «أكدت فحوص الحمل إصابة الجنين بتشوه ما، لكنني رفضت إنزاله، ورضيت بما قسمه الله لي. اليوم، (سلامة) وأختها الكبرى (ريم) أجمل هدية منحها لي رب العالمين، لاسيما أن أختهما الوسطى قد توفيت»، مشيرة إلى أنها تعتقد أن زواج الأقارب يؤثر في بعض الأمراض الجينية، وتنصح المقبلين على الزواج بإجراء الفحوص المطلوبة؛ للتأكد من التوافق؛ خاصة إذا كانوا من أسرة واحدة، وتنصح الجميع بتقبل اختلاف الطفل المتوحد، فهو طفل مختلف وليس متخلفاً، ويمكن - إذا تم تشخيصه مبكراً، والوقوف بجانبه - أن تتحسن حالته، ويصبح شخصاً صالحاً نافعاً في المجتمع.

 

  • عائشة المنصوري مديرة مركز أبوظبي للتوحد

 

خدمات ورعاية

تقول عائشة سيف المنصوري، مديرة مركز أبوظبي للتوحد، أحد مراكز الرعاية والتأهيل التابعة لمؤسسة زايد العليا لأصحاب الهمم في أبوظبي، إن المركز يخدم 171 طالباً وطالبة من فئات عمرية متنوعة، وهو مركز حكومي متخصص في تقديم خدمات الرعاية كافة إلى فئة اضطراب طيف التوحد.

وعن خدمات المركز، توضح أنه يقدم العديد من الخدمات التعليمية والعلاجية والتدريبية والتأهيلية للطلاب من تلك الفئة من عمر ثلاث إلى 15 سنة، من خلال فريق متعدد التخصصــات مــــن المعلميـــــن والمعالجين والأخصــــائيين المؤهلين لتطبيق الأساليب التربوية، والاستراتيجيات الحديثة ضمن البرامج التعليمية العالمية المعتمدة المقدمة إلى فئة اضطراب طيف التوحد، بالإضافة إلى الخدمات المساندة في عدد من المجالات، منها: الرياضة والفن والموسيقى والسباحة والدراما والمهارات الحياتية، ويقدم المركز، كذلك، خدمات الرعاية النفسية والاجتماعية لدعم الأسر وأولياء الأمور، من خلال البرامج الإرشادية والورش التدريبية والزيارات المنزلية.

 

 

  • إيمان المشجري رئيس قسم التدخل المبكر في مركز أبوظبي للتوحد

 

برامج توعوية

وعن التدخل المبكر وأهميته لفئة اضطراب طيف التوحد، تقول إيمان مبارك المشجري، رئيس قسم التدخل المبكر في مركز أبوظبي للتوحد: التدخل المبكر مهم جداً لأصحاب الهمم، إذ يتضمن مجموعة من الخدمات التربوية والعلاجية المقدمة للأطفال، خلال السنوات الست الأولى (الطفولة المبكرة)، ويتضمن عناصر علاجية وتدريبية متنوعة، بهدف مساعدة الأطفال أصحاب الهمم، أو الذين يعانون تأخراً في النمو، أو المعرضين لخطر الإعاقة في السنوات الأولى من العمر. بالإضافة إلى ذلك، يولي برنامج التدخل المبكر اهتماماً خاصاً للأسرة، وهو جزء أساسي من نجاح التدريب.

وتؤكد أن مراحل النمو الأولى في حياة الطفل لها أهمية بالغة، وتأثير واضح في تطور الطفل، فكلما كان التدخل مبكراً كلما ساهم في تطور وتنمية المهارات الأساسية لديه، كما يستهدف التدخل المبكر الأسر من خلال تقديم الدعم والإرشاد النفسي والبرامج التوعوية والتدريبية؛ من أجل تطوير قدرات أبنائهم.