لفضاء تاريخ القصيدة، اقترحت الشاعرة الإماراتية نجاة الظاهري، الحائزة المركز الثاني في برنامج «أمير الشعراء»، بموسمه العاشر، إحداثيات وجدانية، منسوجة بالشغف والإلهام. وبحروف باذخة في تصاويرها، متألقة بمعانيها، أنشأت جدلاً إنسانياً، يحف طرائقها المبدعة في تجسيد أنوار الحداثة الشعرية، مستهدية بجديد المعاني؛ فلبست «تاج» الشعر فارضة لونها الإبداعي الاستثنائي الجديد على تقاليد النمطي والعادي.. في حوارنا معها، استشرفنا عوالم من إبحارها في تجربتها الثرية الفريدة:
• صفي لنا شعورك وأنت «الأميرة الثانية» للشعراء، وما الذي وجدته اللجنة في شعرك.. من وجهة نظرك؟
- شعرت بالفخر؛ لوصولي إلى مركز متقدم في البرنامج؛ الفخر لأنني ابنة زايد، وابنة الإمارات التي علمتها حرفها الأول، ومنحتها الفرصة كاملة؛ لتكون أكثر إبداعاً. وبسعادة غامرة؛ لأن كل من أحب كان سعيداً بهذا الوصول. أما ما وجدته اللجنة في شعري، فأرى أنها وجدت في قصائدي نجاة الإنسانة، بعيداً عن «الصنعة»، وقريبة من اللغة المألوفة، المرافقة للإبداع الشعري، الذي خالطها بلا شائبة.
• تدعم الإمارات المشهد الثقافي عامة، والشعراء خاصة من خلال هذه المسابقة العريقة.. كيف ترين ذلك؟
- المشهد الإماراتي الثقافي متميز على كل الصعد، إذ ينمو بشكلٍ لافت ومبهر، من خلال المسابقات، والمهرجانات، ومعارض الكتب، والفعاليات المختلفة، حيث يجد المبدع مساحة لمشاركة الآخرين إبداعه، والمساهمة بفاعلية في هذا المشهد الثقافي، ما يجعل الإمارات منارة تعانق سماء الحياة الثقافية الرحبة والمتميزة.
• الشعرية هي سلطنة الوجدان، فما رأيك في من يذهب إلى أن «شعرنة» الحياة تعني تأنيثها؟
- دائماً كنت مؤمنة بأن اللغة كلماتها من نور، وبلا جنس محدد، ومهما ارتبطت بشيء، كالحياة، تظل كما هي، من دون أن تُمنح صفة الأنثى. الشعرية أمرٌ روحي، وعام، وبمجرد تحديده، فإننا نلغي وهجه، وندخله في دائرة ضيقة لا تناسبه.
• هل يمكن للشاعر أن يستحدث دلالات جديدة لمفردات وسياقات اللغة العربية؟
- نعم، يمكن للشاعر أن يتجرأ على اللغة من وجهة نظري، وإحداث تغيير ليس جذرياً في المفردات، بما يتلاءم مع معناه الذي يود إيصاله من خلال قصيدته، لكن هذا لا يعني الخروج على القواعد اللغوية، والانسلاخ من الأصول الموجودة مسبقاً من قبل اللغة نفسها، ثم مجمع اللغة العربية، بل بطريقة تقف باللفظة في المنتصف بين الموجود وبين ما يريده الشاعر أن يكون موجوداً.
• هل تستطيع المرأة، عبر الشعر، أن تتحدى «ذكورية اللغة»؛ لتبدع فضاء متحرراً من النمطية؟
- أنا لا أؤمن بـ«ذكورية اللغة»، فكما قلت اللغة لا جنس لها، وهي قادرة على التشكّل بما يتلاءم مع الجميع، والكتابة بالنسبة لي ليست تحدياً إلا لقدراتي الشخصية، فهي ليست ساحة حربٍ، وإنما بحرٌ معطاء، وظلٌّ وارف، بإمكانها أن تبدع أكثر؛ إذا أخرجت من نطاق التحدي، واشتغلت على تجميل نفسها، والتماهي مع العصر، والبحث دائماً عن الجديد المبتكر.
• ما القصيدة.. من وجهة نظرك؟
- القصيدة هي الجنة، التي حفت بالشقاء، وملئت بكل نعيم، وهي الحياة بكل بهائها، وكذلك الروح بما تحمله من شفافية وسمو، فكلما زاد اشتعالها، أوقدت القلوب التي تصل إليها.
• هل يتضمن مشروعك الشعري اتكاءات على أمواج الحداثة؟
- ليست اتكاءات، بقدر ما هي فهم لها، ومحاولة للدخول في عوالمها، مع الاحتفاظ بشيء من عنصر التقليدية، خاصة في القالب الشكلي. فالحداثة لا بد منها، والابتكار في الكتابة لا يمكن أن يتحقق من دونها، كما أرى.
• هل يجيد الشعر، عبر لغته السحرية الماتحة من خصوبة المخيال الكوني، أن يعبر عن الذات المؤنثة في تعقيداتها الوجودية؟
- الشعر يعبر عن الذات قبل كل شيء، فكل ما يعبر عنه هو في الأصل انعكاس لما في نفس الشاعر، وكل من يكتب، سواء كان أنثى أو ذكراً. يمكن للغة أن تصوّر للقارئ ما يعتلج في ذاته، وما يصبغ فكره من خيالات، وطموحات، وذكريات، فهي مرآته، ونافذته الواسعة.
• على سيرة الوجودية.. هل يمكن أن نسمي مشروعك الأدبي «مشروعاً وجودياً»؟
- حقيقةً، أنا لا أضع لمشروعي الشعري هدفاً أكبر من كونه لغتي الإنسانية، التي أتواصل بها مع النفس والآخر، والكون والوجود، ولا أعلم إن كان بالإمكان تسميته «مشروعاً وجودياً»، لكنه مشروعٌ إنساني عاطفي بالنسبة لي، وكذلك هو وسيلتي لأقول إن اللغة أجمل مما يعتقده الكثيرون، وأكثر سحراً مما نعرف.