تقول لي إحداهن، بمرارة: حتى وإن نجونا من الضربات، فمن يمحو هذه الندوب على جدران أرواحنا؟! من يصالحنا على صور مرايانا وقد حال الخزي بيننا؟! من يعيد صبغة أحداقنا بالجمال، وكسوة أكتافنا بالكمال؟!
فأقول لها: تخجلين من صورة مرآتك؟! تظنين كل الهانئين ساروا على طرقات من حرير؟! ما أدراكِ عن أشواك أدمت أقدامهم؟! عن دموع أحرقت وسائدهم؟! عن حبل غليظ ضاق حول أعناقهم، واضطروا لتطويعه حتى صار عقداً من ياسمين؟!.. تشتكين من الندوب؟! ألا تعلمين أن فناً بأكمله قام على الندوب؟! تسمعين عن «كينتسوجي»؟! وهو فن ياباني يعتمد على لصق الأجزاء المكسورة من الخزف معاً بالصمغ والذهب أو الفضة؛ فتعود أفضل مما كانت!.. في البداية، ظنوه مجرد وسيلة للاحتفاظ بالأشياء المكسورة، لكنهم تبينوا فلسفة «كينتسوجي» الحقيقية في تقبل الانكسارات التي تجعلنا أكثر قيمة.. الشظايا المكسورة قد تكون بعد التئامها معاً أشد وهجاً، وأروع رونقاً.. قد تبقى الندبة تحفر على الخدّ دمعة الجرح القديم، لكنها كذلك ترسم على الشفاه ابتسامة النجاة، وتحيط العنق بوشاح الخبرة.. وما نحن دون ابتسامة نجاة ووشاح خبرة؟!
تعرفين ما ينقصك يا مـــــــن تلبســــين (إكليـــــــل عار) ليس لك؟!.. تلتمع عيناها بوهج أعرفه، وقد عشت مثله يوماً لأشــــــد بقبضتي على صدري: أن تدركي نصيبك من الكنز.. تلقفي الثمرة التــي طابت قبل أن تسقط علــــى الأرض فتتعفن.. جروح الأمس هي دروس اليوم وخبرات الغد.. و(الجمال) يكمن في (عدم الكمال).. ندوبنا ليســــــت فقط دلائل كسور بل علامات نجاة، فلا تأسي على الأولى وافخري بالثانيــــــة.. لا حياة تصفو دون كدر، إنما هو كل كتف ميســــــــرةٌ لحمل أوزارها.. ابتسمي وصالحي صورة مرآتك.. عنــــدها تريْن كيف يبرق الذهب وهو يعيد لصق الشظايا؟!.. وستريْن كيف صرتِ أجمل؟!