عاشق للطبيعة، وباحث عن مخزونات الحياة البرية والبحرية، ولا يخشى الغوص مع أسماك القرش، أو التعامل عن قرب مع «الغوريلا» الضخمة أو أسود الغابة، فهو يرى أن الطبيعة بحاجة إلى اكتشاف وانغماس، ويكره تعامل بعض البشر مع الطبيعة، كما يقود حملات توعوية كثيرة، وتجمعات تهدف إلى غرس الأشجار في المناطق التي تعرضت فيها للقطع أو الحرق.. هو الرحالة التونسي، حسام حمدي، الذي زار أكثر من 60 دولة حول العالم حتى الآن، ويستعد حالياً لخوض غمار تجربة جديدة في القطب الشمالي.. «زهرة الخليج» التقته؛ فكان لنا معه هذا الحوار:
• إلى أين كانت أولى رحلاتك، وكيف تصفها؟
ـ في الحقيقة، لم أخطط لرحلتي الأولى؛ فغرامي بالسفر والترحال وليد الصدفة البحتة، حيث سافرت إلى تركيا للدراسة عام 2006. وكانت عندي حينها إشكالية في موضوع الإقامة، وفوجئت يوماً بأن إقامتي انتهت، والشرطة التركية طلبت مني إما الخروج من تركيا فوراً، أو دفع 500 دولار، وهو مبلغ لم أكن أملكه حينها؛ فقد كنت طالباً؛ ففتحت «غوغل إيرث» للبحث عن أي وجهة يمكن أن أخرج إليها؛ فكان الحل الوحيد هو السفر إلى سوريا، وذهبت وقتها بالحافلة، وكانت تلك الرحلة في حد ذاتها مغامرة، فقد علقت على الحدود السورية التركية لمدة 24 ساعة متواصلة، ورغم أن تلك الرحلة تعد تجربة سيئة جداً، لكنها جلبت لي فكرة الاكتشاف والترحال، وعيش مغامرات جديدة، والتعرف إلى حضارات مختلفة.
• ما الرحلة التي بقيت راسخة في ذاكرتك؟
ـ زيارتي إلى مدغشقر، التي تقع - جغرافياً - في المحيط الهادئ قبالة الساحل الجنوبي الشرقي من قارة أفريقيا؛ فهذه الزيارة شكلت صدمة لي حيث رأيت الفقر المدقع، إذ توجد هناك عائلات تعيش على أقل من دولار واحد في اليوم، ما دفعني إلى قيادة عدد من الحملات التوعوية؛ من أجل مساعدة هذا البلد، الذي يقبع تحت خط الفقر، رغم جمال طبيعته.
الغوص مع القروش
• شاركنا موقفاً غريباً حصل معك أثناء تجوالك!
ـ يحدث الكثير من المواقف الطريفة أثناء السفر، أبرزها أنني - في كثير من المرات - أستقل الحافلة الخطأ، وأجد نفسي في مدينة مختلفة، وأعيش التجربة، وأحاول التأقلم سريعاً مع هذا الخطأ. في صربيا، مثلاً، وجدت نفسي أعمل في مخيم للاجئين، فتوقفت رحلتي، وبقيت هناك للعمل معهم، وتلك من الذكريات الإنسانية الرائعة، إذ لامست معاناة العائلات التي تضطر إلى اللجوء، وتعيش في مخيمات، في وضع نفسي ومادي صعب.
• ما الانتصارات الذاتية التي حققتها خلال ترحالك؟
ـ أول الانتصارات التي لايزال لها وقع نفسي طيب عليَّ، هو تمكني من تسلق جبل كليمنغارو في تنزانيا، أعلى قمة في قارة أفريقيا، إضافة إلى نشاطي في ميدان البيئة، وغرس الأشجار مع الأطفال في مختلف الدول التي أزورها.
• ما أكثر البلدان التي أحببتها، ولماذا؟
ـ جميع الدول التي زرتها أحببتها، لكن هناك مواقف ظلت عالقة بذهني، منها: الغوص مع القروش في جنوب أفريقيا، ورحلتي إلى باتاغونيا في الأرجنتين، وهي بلدة أكثر من رائعة، ورحلتي إلى ناميبيا كانت ممتازة، لكن في كل مرة أعود إلى بلدي تونس أكتشف أشياء جديدة تشعرني بفخر الانتماء.
• ما أغرب العادات والتقاليد، التي عرفتها خلال سفرك؟
ـ من العادات الغريبة أنه في قبائل «الماساي»، التي تعيش بين كينيا وتنزانيا، أن الطفل قبل أن يدخل مرحلة البلوغ والزواج؛ يجب عليه أن يذهب إلى البراري لفترة معينة، ويعود بدليل على أنه تمكن من قتل أسد، وبهذا يكون مؤهلاً للزواج. وفي مدينة هرار الصومالية، يعامل السكان «الضباع» على أنها حيوانات منزلية، أي كما نعامل نحن القطط والكلاب، وهو مشهد غير مألوف بالنسبة لي.
• كيف تختار وجهتك، وما التحضيرات التي تسبق سفرك؟
ـ اختيار الوجهة يتم بشكل ارتجالي، فأنا أزور البلد الذي تقودني إليه عاطفتي، وقلبي، فربما أشاهد صورةً ما أو فيلماً وثائقياً، أو أستمع إلى خبر عن ذلك البلد، وفوراً أفكر فيه، وأسافر إليه لأكتشفه. بعد اختيار المكان، أقرأ عنه كثيراً، خاصة في ما يتعلق باللغة والعادات والتقاليد؛ حتى أحمي نفسي من مواقف قد تقودني إلى متاهات عدة.
• ما المناطق التي يستهويك السفر إليها؟
ـ أعشق الطبيعة، وأكره تدخل الإنسان فيها، وأحب رؤية الحيوانات البرية في محيطها الطبيعي، خاصة «الغوريلا»؛ فأكثر رحلاتي إمتاعاً، تلك التي أكون فيها قريباً من الحيوانات.
احترام «الغوريلا»
• حدثنا عن رحلة بحثك عن «الغوريلا» في أفريقيا؟
ـ هناك ثلاث دول فقط، نستطيع أن نجد فيها «الغوريلا» المهددة بالانقراض، هي: أوغندا، والكونغو، ورواندا. بالنسبة لي، كان البحث عن «الغوريلا» في أوغندا أسهل؛ لأن فيها باحثين ومختصين بحمايتها. يوم أن رأيت هذا الحيوان عن قرب؛ شعرت بسعادة غامرة، خاصة أنه حيوان حساس جداً، وقد تعلمنا بعض التقنيات قبل الاقتراب منه، مثل: ألا نجري أمامه، وألا ننظر إلى عينيه مباشرة، ويجب أن نحني رؤوسنا أمامه طوال فترة اقترابنا منها، حتى لا يبادر بالهجوم.
• بعيداً عن السفر.. أنت ناشط في مجال البيئة أيضاً، حدثنا عن هذه التجربة!
ـ سفري زاد الوعي البيئي لديَّ، وبدأت أفهم الكثير من المواضيع التي تخص الاحتباس الحراري، وغيره. بعد ذلك، بدأت أنشط في الكثير من الجمعيات التي تعتني بالبيئة، وبدأت أشارك في كل نشاط يساهم في صون الطبيعة.
• بماذا تنصح الشباب.. في ما يخص البيئة؟
ـ الوعي الاجتماعي ضروري من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه في المجال البيئي، إذ إن تدخل الإنسان يعمِّق مأساة البيئة، وهو ما نراه جلياً في البحار، حيث يلقي الإنسان الفضلات والأكياس البلاستيكية التي تضر بالمخلوقات البحرية، وأعتقد أن الاهتمام بالبيئة يحتاج إلى مزيد من الوعي، وكثير من العمل؛ حتى لا نفقد ما لدينا من ثروات.
• إلى أين ستحملك الرحلة القادمة؟
ـ أسعى، حالياً، إلى زيارة بعض البلدان الموجودة في المنطقة القطبية، وأعلم أنها ستكون من بين المغامرات المختلفة، التي ستترك أثراً إيجابياً لديَّ.