نعم .. كثير من الصبيان والبنات يعانون «التبول اللاإرادي»، وهناك من يسمونه «سلس البول»، ومن يختارون تسميات أخرى له. لكنه، مهما تعددت التسميات، يظل دلالة على حالة تلازم نحو 20% من الأطفال حتى سنٍّ متقدمة، فهل هذا طبيعي؟.. سؤال يطرحه كثير من الأمهات والآباء.. فماذا عن أجوبة الأطباء؟.. وهل يمكن إدراج هذه الحالة في خانة «الطبيعي»؟.. ومتى تصبح حالة غير طبيعية يفترض علاجها؟.. «ميادة» (9 سنوات)، واحدة من هؤلاء؛ فبات الخجل يلازمها مثل ظلِّها، ووالدتها تشكو: أريد حلاً!
والدة «ميادة» تريد حلاً.. و«ميادة» تنتظر الحلّ. هي طفلة نشيطة ومجتهدة، وتتكرر معها حالة التبول اللاإرادي، فهل السبب نفسي أم عضوي؟
طبيب الأطفال، الدكتور طانيوس المرّ، حاول أن يشرح حالة «ميادة» لوالدتها: «يظنّ كثيرون أن التبول اللاإرادي دليل على عدم نضج الجهاز العصبي، ما يبقيه عاجزاً عن تكوين رد فعل عصبي عند امتلاء المثانة، في حين يعتبره آخرون نتيجة اضطراب نفسي مؤقت عند أطفال بعمر (ميادة)، بسبب مرورهم بمرحلة عمرية انتقالية، وفي الحالة الثانية يعود فيها الأطفال إلى التبول لاإرادياً بعد أن يكونوا قد تحكموا بالمثانة فترة زمنية. أما في الحالة الأولى، فيتمثل السبب في عدم قدرة الطفل، منذ ولادته وحتى سن متقدمة، تزيد عادة على عمر 4 سنوات، عن التحكم إرادياً في المثانة، ويمثل هذا النوع نسبة 80% من حالات التبول اللاإرادي عند الأطفال.. حالة (ميادة) من هذا النوع».
والسؤال المُلحّ، هو: ماذا عن العلاج؟
الدكتور المرّ يقول: «العلاج متعدد العناصر، ويتركز على تقوية الجهاز العصبي للحوض، وزيادة الرقابة الذاتية الدماغية لصمام المثانة أو المخرج، والعمل على زيادة الشعور المسبق بالحاجة الفيزيولوجية للتبول أو التبرز، وزيادة العلاقة الفيزيولوجية العصبية بين الشعور بالحاجة والقدرة على ضبط وانكماش الصمام لفترة زمنية أطول، وتعليم الأطفال بعد سن الخامسة كيفية الانضباط وتقوية الإرادة».
«التبول اللاإرادي» مشكلة حقيقية عند كثيرين، تعزز فيهم حالة الخجل وتدفعهم إلى الابتعاد عن ممارسة حياتهم الطبيعية، ومشاركة زملائهم في البرامج الرياضية والثقافية والترفيهية المتنوعة. وتحدث تلك الحالة عند الذكور أكثر من الإناث، بمعدل أنثى واحدة مقابل ثلاثة ذكور، وتحدث عند الطفل الأول أكثر من الطفلين الثاني والثالث. فهل لعامل الوراثة دور في تكوين مثل هذه الحالات؟.. 30% من آباء، و20% من أمهات، من يعانون «التبول اللاإرادي» سبق وحدث لهم تبول لاإرادي أثناء طفولتهم. ويحدث عند هؤلاء تبول يكون يومياً غالباً، ويسوء الوضع أكثر إذا تعرض الطفل لتأنيب وعقوبة، أو إذا وُجهت إليه إهانات تعزز فيه حالة الخجل.
عملية التبول
وظيفة هذه العملية معقدة بعض الشيء، ويسيطر عليها الدماغ، وتنطلق حينما تبدأ نقاط البول، الآتية من الكليتين عبر المحلبين، في التجمع بالمثانة، حيث توجد مستقبلات حسية تتأثر بكمية البول الموجودة، وتبعث إشارات إلى المخّ عبر النخاع الشوكي، وحينما تصل كمية البول إلى 150 ميلليمتراً، ترسل إشارات بذلك، قد يتجاهلها المخّ، إذا كانت الظروف غير مناسبة، مرجئاً التبول قليلاً، وحينما تمتلئ المثانة أكثر، تعود وترسل إشارات أخرى أكثر حدة، قد يتجاهلها المخّ مجدداً، لكن إذا تعدت كمية البول النسبة التي تتحملها المثانة، تأخذ تلك الإشارات صفة عاجل، فيهرع الإنسان إلى الحمام، وما إن يجلس على المرحاض حتى تصدر إشارات من المخّ، عبر النخاع الشوكي، تصل إلى المثانة وتأمرها كي تنبسط عضلة بوابة قناة مجرى البول الخلفية فيخرج البول.
وظيفة فيزيولوجية ضرورية لكنها معقدة، وأي خلل يعتريها قد يؤدي إلى تبول لاإرادي. وإذا كان هذا الخلل، أحياناً، نفسياً، فإن الخلل في المكونات، أو لنقل في المسارات العملية لوظيفة التبول، قد يؤدي إلى إرباك عملية التبول، وفقدان قدرة التحكم فيها. ومن هذه المشاكل إرسال المثانة، نتيجة التهاب ما، إشارات عاجلة عند وجود كميات قليلة من البول، وتعطي إحساساً كاذباً بوجود احتباس. وإذا كان هذا النوع من الخلل يزيد الشعور بالتبول، فإن خللاً آخر يحدث حينما تنقبض المثانة فجأة فيحدث تبول لاإرادي، وأحياناً قد لا تحصل عملية التناغم بين المثانة وعضلة بوابة قناة مجرى البول الخلفية نتيجة اضطرابات عصبية فيحدث احتباس، وهذا ما يتكرر أيضاً إذا كان هناك انسداد جزئي أو كلي في قناة مجرى البول نتيجة حصوة أو ضيق أو تضخم ما.
وتشخيص حالة الطفل الذي يعاني «سلس البول» غير صعبة، والأطفال دون الخامسة من العمر لا يخضعون عادة لأبحاث وعلاجات طارئة، أما الذي يتعدى منهم هذا العمر ويعاني هذه المشكلة، فيخضع عادة لفحوصات، للتأكد من عدم وجود عيوب خلقية في العمود الفقري، والأعضاء التناسلية، ويخضع أيضاً لتحليل بول، لقياس قدرة الكليتين على تركيز البول.
تحديد السبب
إذا كان السبب نفسياً، فيُفترض التعامل مع الطفل وفق أسس جديدة ومختلفة، يطغى عليها التفاعل الإيجابي. أما إذا كان السبب عضوياً، فيفترض تدريب الطفل، خاصة إذا كانت مثانته صغيرة، على محاولة تخزين البول لمدة أطول، في النهار طبعاً، بمثانته، قبل الذهاب إلى الحمام، ما يساعده على زيادة حجم المثانة أثناء الليل، وتفيد الدراسات بأن فترة تدريب ستة أشهر تؤدي إلى نسبة نجاح تصل 20%. ويستخدم البعض في العلاج جهاز تنبيه، موصولاً بمجسات حساسة، متصلة بجهاز تنبيه يوقظ الطفل قبل أن يفرغ المثانة. وهناك من يعتمد، أيضاً، العلاج بالأدوية والعقاقير، شرط أن يُستخدم بعد فشل الوسائل الأخرى، وبعد عمر سبع سنوات، ويبدو أن علاجاً آخر بات يعتمد في مثل هذه الحالات محوره الطاقة الكهرومغناطيسية، التي تعمل على تصحيح الخلل في الخلية البشرية، وتعيد إليها فيزيولوجيتها الطبيعية.
وفي كل الحالات، لا بدّ من مراجعة طبيب الأطفال، وسؤاله: ما المشكلة؟.. فهو الذي سيُحدد السبب، وما إذا كانت هناك أعراض التهابات في المثانة أو ألم أو حرقان عند التبول، أو بول عكر أو يحتوي على دماء أو رائحته كريهة، أو وجود ألم عند أسفل البطن أو الظهر، وفي هذه الحالة يكون العلاج بسيطاً.. أكثروا من السؤال، وقللوا من الدوران والقلق!