كيف أحتفل ببداية هذا العام؟!

لازلت أذكر عامنا الأول، عندما أخبرتني - بعينين ملتمعتين كالشمس - بأننا سنحتفل بالعام الجديد على الطريقة الإسبانية.. حيث يحتفلون بتناول اثنتي عشرة حبة من العنب، واحدة لكل ضربة في عداد الساعة حتى منتصف الليل، وكل حبة ترمز إلى الحظ السعيد بعدد شهور العام المقبلة، وقتها كانت أناملك تتسابق مع قلبك أيهما يطعمني حلاوة العنب أولاً! بينما كانت عيناي الدامعتان مشغولتين بالعدّ.. حبوب العنب ناقصة.. ما الذي قد يعنيه هذا؟!

في عامنا الثاني، أخبرتني - بعينين ملتمعتين كالنجوم - بأننا سنحتفل على طريقة الكولومبيين.. هناك يحتفلون بالعام الجديد بحمل حقائب سفر فارغة يتمنون عاماً يملأها بالرحلات والتجارب الجديدة، كنتَ فخوراً باللون المميز الذي اخترتَه للحقائب، بينما انزوى قلبي منقبضاً، وهو يميز الثقب الذي يتسع في قاعدة كل منها!

في عامنا الثالث، أخبرتني - بعينين ملتمعتين كالشهب - بأننا سنحتفل على الطريقة الدنماركية.. نكسر الأطباق والزجاج القديم على أبوابنا؛ تجنباً للفأل السيئ، نقف على كراسي مرتفعة، ونقفز عليها معاً قبيل منتصف الليل كرمز للاندفاع نحو عالم جديد مليء بالحظ، كسرنا الأطباق معاً، لكن يدك أفلتت يدي بينما نقفز فدقت الساعة الثانية عشرة وأصابعنا تفتقد الدفء!

في عامنا الماضي، أخبرتني - بعينين باهتتين كقمر شاحب - بأننا سنحتفل بالعام الجديد على الطريقة الفنلندية.. هناك حيث يتنبأون بالعام الجديد بإلقاء القصدير المنصهر في إناء ماء، ثم ينتظرون الشكل الذي سيتخذه بينما يعاود تجمده، ألقينا القطعة فرأيتها أنت سفينة براكب واحد، ورأيتها أنا هلالاً ناقصاً، وكلانا كان مصيباً!

واليوم، وأنا أقف وحدي في شرفتي الخالية منك، أستند على جدار لايزال يحمل صورة وجهك، لكن بعينين مغمضتيْن ذاب فيهما الضوء؛ فصارتا ملعونتين بعتمة أبدية، فلطالما كنتَ تشبهني بـ(موزة) مليئة بالنقط، أوشكت صلاحيتها على الانتهاء، ولن يشفع لها المزيد من سُكرية الطعم!

واليوم، وأنا أراقبهم يعلقون الزينة في الشوارع والبيوت، أود لو أخبرك بأنني وجدت طريقتي الخاصة في الاحتفال هذا العام، طريقة تليق بأنثى ملأتها الندوب، ليست (موزة) منقطة تزيدها الأيام سواداً، بل نبتة صبار تعلمت كيف تحتفظ بقطر الماء تدخره لقحط الهجر، كيف تصمد وحدها في بيدائها تحمي نفسها بوخز الشوك، وكيف تخفي جمال باطنها لمن يستحق كنوزه.

هذا العام لن آكل العنب، لن أحمل حقيبة فارغة، لن أكسر الأطباق وأنتظر كفاً تحتضن كفي بينما نقفز، لن أصهر القصدير وأترقب إعادة هيكلته، بل سأقبّل صورة مرآتي، أعانق نفسي، ثم أبسط راحة كفي أتلقف عطايا المطر، لو لم أمنح أنا نفسي أرضاً صلبة فكل الأراضي تحت قدمي تتزلزل، لو لم ترسم يدي غيمتي؛ فكل السموات بلا مطر، ولو لم أخترع رقصتي؛ فلا داعي للاحتفال هذا العام.