ماجدة الصباح: الاكتئاب غيّر شخصيتي إلى الأفضل
تسعى الشيخة ماجدة جابر الحمود الصباح، رائدة الأعمال، وصاحبة المبادرات الإنسانية، ومؤسسة مبادرة «هُنا»، إلى نشر الوعي حول الأمراض النفسية، وضرورة تخطي المفاهيم السائدة بأن المرض النفسي «وصمة»، وترسيخ مبادئ تقبل الآخر، وتقدير القيم الإنسانية، فقد نقلت إلى المجتمع - بكل صدق وشفافية - تجربتها، إذ تمسكت بالأمل، وحولت محنتها الشخصية في مواجهة الاكتئاب إلى تجربة استثنائية؛ لتطل على الجميع من نافذة الأمل؛ من خلال منصة «هنا»، التي أطلقتها خصيصاً لمواجهة تحديات الصحة النفسية؛ لتصبح كغيرها من الأمراض، التي تتم مناقشتها مع المحيطين دون خجل.
الاكتئاب ليس مرضاً نفسياً فقط، وإنما يؤثر أيضاً في كل أعضاء الجسد، بداية من نوم الشخص وطعامه، والطريقة التي يفكر بها عن نفسه، وعن الأشياء التي تحيط به، وهذا ما عانته الشيخة ماجدة الصباح، وهنا تسرد لـ«زهرة الخليج» قصتها مع الاكتئاب، والتحديات التي واجهتها، وكيف استطاعت تخطيها، قائلة: ذات يوم، شعرت بأن صحتي النفسية ليست بخير، ولم أعرف أن ما أعانيه هو مرض الاكتئاب، بسبب عدم توفر من يقدم لي الدعم النفسي؛ نتيجة قلة الوعي المجتمعي، وعدم توفر ما يلبي الحاجة الماسة إلى خدمات الصحة النفسية، والدعم النفسي.
وتضيف: قضيت 3 أشهر وأنا في حالة إعياء نفسي شديد، وكثيراً ما كنت أتساءل عن هدفي في الحياة، ولم أصل إلى إجابة شافية، إلى أن لاحظت أخواتي حالتي، ونصحنني بأن أذهب إلى الطبيب لتلقي العلاج، وقالت لي إحداهن: «لا نرغب في أن تضيع منك أيام حياتك، وأنت على هذه الحال، أنت لست ماجدة الأولى التي كنا نعرفها من قبل». وفي منتصف الفترة العلاجية بعد أن ذهبت إلى الطبيب، وبدأت رحلة العلاج والتعافي؛ قررت أن أقوم بأعمال تطوعية لتوعية الناس حول هذا الموضوع، خاصة أن الاكتئاب في مجتمعاتنا يعتبر «وصمة عار»، ولا يعترف به الكثيرون.
تطور تكنولوجي
وترى الشيخة ماجدة الصباح أن العائق الوحيد أمام الحصول على علاج ناجح للاكتئاب النفسي، هو الخجل من اللجوء إلى الطبيب لمواجهة هذا المرض، وتوضح: كنت أشعر بالاكتئاب على فترات منذ فترة المراهقة، لكن مرضي لم يُشخّص؛ نتيجة جهل المجتمع بمثل هذه الأمراض، بل ورفض الاعتراف بها، لكن مع تقدم الطب والتطور التكنولوجي، وقد أصبحنا في عصر وفرت لنا فيه مواقع التواصل الاجتماعي الكثير من المعرفة؛ أصبح الأمر أكثر سهولة ويسراً.
علاج من الداخل
وعن تأثير العلاج ومدى استفادتها منه، تقول الصباح: لم يساهم العلاج في شفاء مرضي فقط، لكنه قام بعلاج ماجدة من الداخل؛ إذ تغيرت نظرتي إلى الحياة، ولمست بهجة الحياة الحقيقية بعد أن تطورت نظرتي إلى الأمور؛ فأصبحت أعمق وأشمل، إذ وجدت أن بعض الأمور التي كنت أعتقد أنها مهمة جداً في حياتي عبارة عن وهم زائف، لهذا أشكر الاكتئاب، فرغم الألم الذي عانيته، فإنني أعترف بأنه غيّر شخصيتي إلى الأفضل.
استقرار.. وثبات
وعن اختيار اسم «هُنا» لمنصة الصحة النفسية التي أطلقتها مؤخراً، توضح: قضيت 6 أشهر أفكر في اسم المنصة، إلى أن أصبت بالتوتر فقمت بالاسترخاء بعد جلسة تأمل، لاسيما أنني قد اعتدت هذه الجلسات عندما يشغلني أمر ما. بعدها، ولله الحمد، شعرت بصفاء ذهني، ووردت بخاطري كلمة «هُنا»، بمعنى (هنا وجدت الحل، وتخلصت من القلق والتوتر، هنا الاستقرار والثبات).
نظرة المجتمع
واجهت الصباح تحديات في بداية إطلاق مبادراتها المجتمعية، حول التوعية بضرورة الإفصاح عن الألم النفسي وطلب العلاج، لكنها في النهاية انتصرت، مشيرة إلى أنها لمست تغير فكر الناس، إذ إنها قبل 3 أعوام لم تلقَ إقبالاً واستحساناً من المجتمع في الحديث عن هذه الأمور، التي يعتبرونها شخصية، عندما بدأت في التحدث حول هذا الموضوع. أما اليوم، فقد تغيرت نظرة المجتمع، لاسيما أنه قد تطور كل شيء من حولنا حتى طريقة التفكير، وبدأ الناس يتحدثون عن مشاعرهم، ويشاركون بإيجابية.
لذة الحياة
«أصبحت إنسانة مختلفة، وشعرت بلذة الحياة وروعتها».. هكذا عبرت الشيخة ماجدة الصباح، وقد اغرورقت عيناها بدموع الشجن الذي امتزج بالسعادة والفخر، وهي تتحدث عن نظرتها الجديدة إلى الحياة، وقدمت النصح، قائلة: ثق بنفسك وبقدراتك في الحياة، ولا تغير ذاتك لأجل إرضاء الآخرين، فقط كن أنت، واكتشف شغفك بالحياة واتبعه، وكن صادقاً مع نفسك ومع من حولك؛ فالحياة جميلة ولابد أن نشعر بجمالها وحلاوتها، ولا نجعل سلبية الآخرين تسرق منا أروع لحظاتها.
تدخل الأهل
يرى البعض أن الترابط الأسري، مؤخراً، لم يعد مثل الماضي، لكن الصباح ترى أنه على العكس، لابد أن يكون الترابط الأسري بحدود، ولا يصل إلى حد التدخل السافر؛ لأنه في بعض الأحيان يصبح نقمة أكثر من كونه نعمة عندما تزداد التدخلات، ومن ثم تزداد معها المشكلات والأزمات النفسية، والتأثير في الأفكار ومسخ الرؤى، لافتة إلى أنها تقابل الكثير من المشكلات التي تعرض علي منصة «هُنا»، تتعلق جميعها بفرض الرأي الأسري، سواء من الأم أو الأب، أو الزوج، حيث يرغبون في أن يفرضوا رأيهم على الشخص دون التفكير في مشاعره، أو الالتفات إلى رغبته.
دعم.. وتشجيع
وعن تأثير الحالة المرضية، التي مرت بها خلال فترة الاكتئاب في حياتها الأسرية، تؤكد الصباح أنها كانت سبباً في تقرب جميع أفراد أسرتها منها بشكل أكبر خاصة أبناءها، إذ قاموا بتشجيعها على تلقي العلاج؛ لذلك هي مؤمنة بأن العلاج من خلال مجموعات دعم من الأمور المفيدة جداً، مشيرة إلى أنها ستكون متوفرة في منصة «هُنا»، وأيضاً القيام بتوعية وإرشاد الناس الذين لديهم شخص يعاني أي حالة نفسية، مثل الخرف، والتواصل مع عائلته لإرشادها إلى كيفية التعامل معه ومساندته، ويكون ذلك تحت إشراف طبيب مختص فقط كي يوجه ويرشد ويدعم دون أن يقدم الحلول، التي لابد أن تأتي من الشخص نفسه، من خلال مشاركة التجربة مع الآخرين، وبالتالي الوصول إلى الحل المناسب.
الدخول إلى المنصة
وتشير الصباح إلى أن منصة «هُنا» ستعمل على توفير الدعم، أيضاً، لمن يعانون مشاكل الوزن، سواء بسبب السمنة، والتناول المفرط للطعام، أو الذين يعانون نقص الوزن وسوء التغذية، بالإضافة إلى توجيه الدعم لمن يعانون الرهاب الاجتماعي، أو التوحد، أو غيرهما من المشكلات النفسية، ويمكن لأي شخص الدخول على منصة «هُنا»، من خلال HONA.ORG، ثم التسجيل في قسم مجموعات الدعم، ودفع اشتراك رمزي قيمته 240 دولاراً سنوياً؛ لضمان الخصوصية والجودة.
توازن نفسي
وفي حديثها عما إذا كانت المرأة تصاب بالاكتئاب أكثر من الرجل، أوضحت الصباح: المرأة والرجل عرضة للاكتئاب، لكن المشكلة الكبرى هي أن الرجل يرفض الاعتراف بمشكلته أكثر من المرأة، وهذه إحدى رسائلنا المهمة التي نعمل عليها لتوعية ودعم الرجل الذي هو رب الأسرة، والمسؤول عن المنزل، ولديه الكثير من الضغوط اليومية، ومن المهم جداً الحفاظ على توازنه النفسي، حيث يؤثر بالتبعية في التوازن النفسي لجميع أفراد العائلة.
جمال.. وبساطة
وتنصح الصباح كل شخص يعاني الاكتئاب بالتوجه فوراً للعلاج، وتلفت إلى أن جمال المرأة الحقيقي يكمن في جمال روحها وأناقتها، وحفاظها على سلامها الداخلي، لافتة إلى أنها لا تحب الرسميات، وتشعر بالسعادة في البساطة، والانغماس في الحياة الاجتماعية، مؤكدة أن جمال الروح هو الذي يمنح الشخص الشباب الدائم، وليست عمليات ومساحيق التجميل.
إقرأ أيضاً: اللؤلؤ.. زينة وتراث
ضغوط الحياة
تُرجع الشيخة ماجدة الصباح سبب ازدياد حالات الاكتئاب، مؤخراً، إلى ضغوط الحياة، وغلاء المعيشة، والسعي وراء لقمة العيش، فضلاً عن طول فترة الدوام الوظيفي، حيث أصبح الموظف يقضي أكثر من نصف يومه في العمل، وكلها أسباب تزيد الضغط النفسي، وتؤثر في الحالة المزاجية للشخص.