على الأغلب، إن معظم الآباء والأمهات مروا بفترات عانوا، خلالها بشدة، إدمان أطفالهم الألعاب الإلكترونية، وربما غاب عن أذهانهم ولم تجل بخاطرهم التأثيرات السلبية الكبيرة لهذا الأمر، سواء كان ذلك على الطفل نفسه، أو العائلة بشكل عام.
توضح الأستاذ المساعد بعلم النفس الإكلينيكي، الدكتورة فداء أبو الخير، لـ"زهرة الخليج"، أن إدمان هذه الألعاب له أكثر من جانب، الأول هو الإدمان عليها من حيث اللعب والأوقات الطويلة التي يستهلكها الطفل خلال ممارسته لها، وهو الأمر الذي ينعكس سلباً على طبيعة نومه وساعته البيولوجية، وعلى نمط التغذية الخاص به.
أما الجانب الثاني، الذي تشير إليه الدكتورة أبو الخير، فهو نوع تلك الألعاب ومحتواها الذي قد يكون عنيفاً، وتوجد به منافسة غير شريفة مثل ألعاب التدمير، ما ينعكس سلباً على سلوك الأطفال، ويغرس فيهم قيماً ومفاهيم تؤثر فيهم وتزرع لديهم عدداً من الأفكار المشوهة التي تكبر معهم.
صراع وتأثير نفسي
تشير الدكتورة أبو الخير إلى أن تسمية اللعب المتواصل بالإدمان جاء بسبب قضاء الطفل ساعات طويلة متواصلة، متسمراً أمام الأجهزة الإلكترونية التي يمارس اللعب من خلالها، وأنه غالباً سيطلب ساعات إضافية لعدم اكتفائه بتلك التي كان يمارسها سابقاً، وتضيف قائلة: "لا يمكن إغفال أن معظم هذه الألعاب يتطلب المشاركة مع أشخاص لا يعرفهم الطفل، وقد يتعرض من خلال لعبه معهم للإساءة والابتزاز".
وتوضح أخصائية علم النفس أن الطفل سيبقى مشدوداً لهذه الألعاب، وعلى الأغلب سيدخل في حالة صراع كبيرة، كونه يريد أن يفوز بها من جانب، ويرغب بمواكبة جميع تطوراتها من جانب آخر، إضافة للصعود لمستويات أعلى فيها، ما يتسبب بعزله عن محيطه بشكل كامل. أضف إلى ذلك، محاولته اللعب في أوقات مناسبة للأشخاص الآخرين الذين يشاركونه اللعبة، وعلى الأغلب سيكونون من بلدان ودول مختلفة، ومع فارق التوقيت سيضطر للعب في أوقات متأخرة ليلاً أو في ساعات الصباح الباكر، ما يؤثر بشكل مباشر على نومه، كما أنه قد يبتعد عن تناول الطعام بشكل كبير، أو يعمد إلى أكل وجبات سريعة وخفيفة، ما يؤثر في تغذيته سلباً.
آثار مباشرة
يؤدي انعزال الطفل عن عائلته وأصدقائه إلى فقدانه مهارات التواصل الاجتماعي، التي تبدأ بالانخفاض شيئاً فشيئاً، حتى تصل لمرحلة الضمور بشكل كامل، وهو الأمر الذي سيؤدي حتماً لنشوب نزاعات وصراعات دائمة بين الطفل وأسرته، وقد تفجر هذه الصراعات حالة من العناد والتحدي، ربما تتطور إلى عنف وعدوانية تجاه الأهل، وفق ما توضحه الدكتورة أبو الخير.
وتشير الأخصائية النفسية إلى أن الأهل قد يلجؤون أحياناً لاستخدام أساليب قاسية، يخيل إليهم أنها ستضبط الطفل، لكنها غالباً تأتي بنتائج معاكسة، وتكون سبباً لتعزيز السلوك العدواني لديه، مع عدم إغفال الآثار الصحية المباشرة لهذه الألعاب على العينين والبشرة.
توتر الوالدين
تؤدي كل الظروف السابقة، التي يتسبب بها إدمان الألعاب الإلكترونية بإصابة الوالدين بحالة كبيرة من التوتر المرافق لمحاولة السيطرة الدائمة، والدخول في صراعٍ مع طفلهما حول من سيكون صاحب القرار النافذ، وهي أمور تعزز بشكل كبير مفاهيم العناد والتحدي وحتى اللامبالاة لدى الأطفال، كما تؤكد الدكتورة.
وتبين أن العديد من مراجعي عيادة الطب النفسي يروون قصصاً عن وجود مشاكل مختلفة، مثل دخول أبنائهم بمحادثات مع أشخاص لا يعرفونهم، وهو الأمر الذي يعرضهم للابتزاز والعنف، وفي أوقات كثيرة يلاحظ وجود إيحاءات لإيذاء الذات.
الحل الأمثل
وحسبما تقول الدكتورة فداء، لـ"زهرة الخليج"، فإن الوقاية هي الأهم، وتتمثل بحلول بسيطة، مثل: تخصيص وقت معين للعب شرط ألا يكون بشكل يومي، وقد يخصص نهاية الأسبوع وفي أيام العطل فقط بوجود الأهل، ليشعر الطفل بمتعة اللعب مع أسرته ووسطهم، ويبقون هم على اطلاع كامل على من يتشارك طفلهم اللعب معه.
وتشدد أبو الخير على أهمية حث الطفل على ممارسة أنشطة أخرى تعزز الحركة والتواصل الاجتماعي ويجد فيها متعته، وعدم تركه للفراغ الذي سيملأه غالباً في الألعاب الإلكترونية، وتكمل: "يجب خلق حالة من التعزيز، وتعظيم أي إنجاز يقوم به الطفل، وإيجاد حالة من التقارب معه بحيث يقوم بالحديث مع أسرته بكل صراحة في حال تعرضه لأي مشكلة، أو محاولة ابتزاز من قبل من يتشارك معهم اللعب، لأن الحرمان لن يجدي، والأفضل دائماً هو تقنين اللعب ومراقبته"، أما في حال اكتشف الأهل إدمان طفلهم، وعدم قدرته على الوصول لحلول، فإن ذلك يوجب عليهما إخضاعه للعلاج مع مختص نفسي.
إقرأ أيضاً: 5 مفاتيح تجعلك امرأة ناجحة.. جربيها