تغيّرت «هيام» كثيراً، منذ أن ظهرت نتائج فحوصاتها المخبرية، وقال لها طبيبها: «سيدتي، أنتِ مصابة بسرطان الثدي!».. خبرٌ كان له وقع سقوط صخرة على رأس إنسان.. خبر صاعق ابتسمت له، بدل أن تصرخ، أو تغضب، مرددة: «فلتكن مشيئة الله!». وأصبحت تبتسم، أو لنقل أصبحت تتظاهر بأنها تبتسم، أكثر. تغيّرت «هيام»، وأصبحت أقوى، وأصبحت تنظر إلى الأشياء بسلامٍ أكثر، فلم تعد تطيق الشجار والصوت العالي، ولم تعد تحزن لأتفه الأمور. لكن، هناك أمر استمر ينغص حياتها ورحلتها الجديدة مع السرطان، وضرورات علاجه، هو مشاهدة شعرها يتساقط وجسدها بلا ثديين. هو شعور احتفظت به لنفسها.. فهل سيلازمها طول العمر؟.. هل تحتاج إلى مساعدة نفسية، وهي التي تتظاهر بأنها في قمّة قوتها؟.. هل تتجاوز «هيام» المراحل التي يفترض أن تمرّ بها كل امرأة تعرف أنها مريضة سرطان، من إنكار وصراخ ومعاندة وانزواء وغضب وحزن، يضرّ بها نفسياً؟.. أسئلة كثيرة تلازمها اليوم، تنهيها دائماً بفكرة: «أنا الأقوى».
وَقْع الإصابة بالمرض، أيّ مرض، لا يكون سهلاً على الإنسان، أي إنسان، وأصعب ما فيه تلك المشاعر التي تجتاحه، فإما يعبّر عنها أو يخمدها، متظاهراً بالقوّة الاستثنائية، ويبتسم. وفي الحالة الثانية، يكون الإنسان، امرأة أو رجلاً، قد وقع في مشكلة أخرى أكبر. أخصائي الطب النفسي، الدكتور سايد جريج، يتحدث: «وقع خبر الإصابة يختلف بين إنسان وآخر، وبين امرأة وأخرى، خاصة أن (فوبيا) الإصابة بالمرض تجعل طريقة نقل خبر الإصابة دقيقة جداً. وبالتالي، لا توجد قاعدة واحدة تعمم على الجميع؛ لذلك على الطبيب اختيار طريقة نقل الخبر، أو حتى عدم نقله، إلى المرأة مباشرة؛ إذا كانت قد قالت له سابقاً، بوضوح: لا أريد أن أعرف نوع إصابتي؛ إذا صدقت ظنوني وكنت مصابة بالسرطان. نعم، هناك نساء يرفضن ذلك. وفي هذه الحالة على الطبيب احترام رغبتها، وإخبار عائلتها».
دور العائلة
من هنّ النساء اللواتي يرفضن أن يسمعن بإصابتهن؟ هل تتقبل المتعلمات إصابتهن بسرطان الثدي أكثر من سواهنّ؟ هل المرأة الشابة تتقبل أقل؟.. يجيب الطبيب النفسي: «لا فرق بين امرأة مثقفة وأخرى أقل ثقافة؛ فكل النساء أصبحن يعرفن عن سرطان الثدي، لكن المرأة المثقفة قد تكون مدركة أكثر أن حظوظ التعامل مع هذا النوع من المرض الخبيث باتت أكبر، وإمكانية البقاء أصبحت متاحة أكثر، ومن شأن ذلك مساعدتها على تجاوز المرحلة الصعبة بأقل مشاعر سلبية. وهناك نساء، كما تعلمون، يملكن عادة قدرة على التحمل أكثر من سواهن». ويستطرد الدكتور جريج بالقول: «نحن، في مجتمعاتنا، نعتقد أن الشخص القوي هو من يملك القدرة على عدم التعبير أكثر من سواه، تاركاً أوجاعه لنفسه، مع العلم بأننا في الطب النفسي لا نشجع على ذلك أبداً، ونطلب من الشخص أن يسمح لنفسِهِ بمشاركة الآخرين أوجاعه، خاصة مع الأشخاص القريبين منه، الذين يثق بهم، ولديهم القدرة على الإنصات أكثر من سواهم».
هناك مراحل تمرّ بها المرأة التي تكتشف أنها مصابة بسرطان الثدي، ويجب أن تعبرها واحدة تلو أخرى؛ كي لا تترك لديها آثاراً نفسية غير حميدة. في هذا الإطار، يقول الدكتور جريج: «حينما تسمع المرأة عن إصابتها بالنتائج الدامغة قد تصاب بحالة من النكران، ترفض خلالها الاعتراف بإصابتها، على أن تتبع ذلك مرحلة القبول، ثم الخوف، فالحزن، والغضب. المرأة، في البداية، تلجأ إلى النكران، في محاولة للتخفيف عن نفسها. وهنا، يفترض بطبيبها أن يوصي بأن تستشير طبيباً نفسياً. ولعائلتها، أيضاً، دور في ذلك؛ إذا لاحظ أفرادها اللصقاء بها سلوكيات غير طبيعية تمر بها. ويفترض بهؤلاء أن يدركوا أن الأيام والأسابيع الأولى التي تلي التشخيص تجعل المرأة عاطفية جداً، وتتأثر بأي خبر أو كلمة أو مستجدّ، وقد تعاني أعراضاً جسدية، مثل: فقدان الشهية، أو الإسهال، أو صعوبة النوم».
رمز الأنوثة
ماذا حينما تبدأ المرأة خسارة «تاج رأسها» شعرها؟ وماذا عن المشاعر التي تجتاحها حينما تخسر ثدييها؟
يجيب الدكتور جريج: «ترى المرأة، عامة، أن خسارتها ثدييها انتقاص من أنوثتها، وهذا - في حدّ ذاته - يوقعها في الكآبة، وقد تلي ذلك خسارتها شعرها الذي هو رمز آخر - على الأقل في نظرها - لأنوثتها، ما يعزز قلقها وخوفها أكثر من السرطان».
أسلوب «هيام» في التعاطي مع خبر إصابتها قد يراه البعض غريباً. أن تبتسم المرأة، على الأقل علناً، عند تلقيها خبر إصابتها بمرض يهدد حياتها؛ قد يجعل المحيطين بها غير مدركين لكيفية استجابتهم لمثل هذا الخبر. في هذا الإطار، يُحكى في الطب النفسي أن الخبر في ذاته قد يدفع المرأة المصابة إلى تغيير منظورها السابق، والتركيز أكثر على الأشياء المهمة في حياتها، التي لم تكن توليها - في ضوضاء الحياة - الأهمية الكبرى.
على كل حال «في جلبة المشاعر والأفكار، التي قد تجتاح المرأة في هذه المرحلة بالذات، يفترض - بحسب الدكتور سايد جريج - مساعدتها على استعادة ثقته بنفسها؛ حتى لو عاندت، وحاولت التصرف على أنها (بألف خير)، وثقتها عالية. لا تصدقوا، دائماً، ما قد تبديه في العلن؛ لأن غرورها قد يدفعها إلى عدم الظهور منكسرة. وتذكروا، دائماً، أن إرادة المرأة وثقتها بنفسها تساعدان في العلاج، بالإضافة طبعاً إلى كيفية تجاوب جسمها مع الدواء والعلاج».
الدعم.. ثم الدعم.. ثم الدعم، هذا هو العلاج النفسي الأوّل، للمرأة التي تكتشف إصابتها بسرطان الثدي. في هذا الإطار، بينت دراسة ارتفاع معدل البقاء على قيد الحياة بين النساء المتزوجات المصابات، ويعزى ذلك إلى الدعم الاجتماعي الذي يقدمه الأزواج والأولاد إليهن. على كل حال، يكفي أن تشعر المرأة بأن شفاءها سيجعل أحداً ما سعيداً؛ كي تستعيد قوتها.. ألا يقال: «يستمد من الضعف قوّة»، وهي مقولة تتحقق هنا.
توم هانكس دعم ريتا
المشاهير مثلنا، نسخة طبق الأصل، قد يفرحون، وقد يتألمون، قد يضعفون، وقد يشعرون بقوّة خارقة في داخلهم. وهناك من يعرف - منا ومنهم - كيف يحوّل الضعف إلى قوّة، نساء لمعن في السينما والتلفزيون والغناء والمسرح، أصبن بسرطان الثدي، وخرجن أكثر قوّة، حينما قررن عدم الانزواء، وتحويل تجربتهنّ إلى وسيلة دعم لنساءٍ مصابات بنفسِ إصابتهنّ، ومن بين هؤلاء: واندا سايكس، وأنجلينا جولي، وكريستينا إبليغيت، وريتا ويلسون، التي صرحت بأن زوجها، النجم توم هانكس، كان العلاج الأوّل لها، وأنّه ساعدها في الشفاء عن طريق إضحاكها دائماً، ورسم البسمة على وجهها. عربياً، هناك نجمات عديدات رفضن الانزواء، ونجحن في التعامل بشجاعة مع السرطان والانتصار عليه، من بينهن: الممثلة الكويتية زهرة الخرجي، والفنانة الأردنية أمل الدباس، والفنانة السورية نورا رحال، والمذيعة المصرية لينا شاكر التي نزل عليها الخبر، في البداية، مثل سكين حادة، لكنها أيقنت لاحقاً وجود حكمة من ذلك، وظهرت حليقة الشعر.. جميع هؤلاء النجمات ساعدهن دعم المحيطين بهن.
إقرأ أيضاً: علاجات سرطان الثدي.. بصيص أمل للمصابات به