رغم انتشار أنواع عدة من السرطانات؛ بسبب العادات غير الصحية التي انتشرت مؤخراً بين الناس، ظلت هناك مؤشرات من القلق لدى المرأة بالذات؛ كونها الأنثى الضعيفة بفطرتها، التي تقف حائرة متوجسة أمام أي مرض، خاصة إذا كان ذلك المرض هو سرطان الثدي، إذ ارتفعت نسبة الإصابة به حول العالم في الآونة الأخيرة، لاسيما أن ثدي المرأة - بطبيعته - يعتبر الوعاء الأنثوي للأمومة، منذ فترة الحمل وليس انتهاء بمرحلة الرضاعة.
وفي الوقت ذاته، أصبح الوعي والتثقيف في أعلى مستوياتهما حول العالم، وتم تخصيص شهر أكتوبر (الشهر الوردي) لحملات التوعية المكثفة بسرطان الثدي، وأهمية اكتشاف المرض مبكراً، قبل توغله ودخوله في مراحل الخطورة، والمبشر في الأمر هو توصل العلماء إلى طرق علاج متقدمة، ما ساهم في علاج حالات كثيرة، وأعاد إلى الكثيرات الأمل في الحياة. لكن يظل الدعم النفسي من أهم أسباب الانتصار على المرض، وفي هذا الإطار تأتي مبادرة «خصلة أمل» حيث تتبرع نساء بشعرهن لمصابات بالمرض.
وبهذه المناسبة، تحدثت «زهرة الخليج» إلى شريحة من محاربات السرطان، فضلاً عن لقاء متبرعات بشعرهن، وسبب تبرعهن، وآراء أخصائيين في علاج أورام الثدي، والتغذية، ومستشارين في علم النفس؛ فكان التحقيق التالي:
بدايةً.. تقول رئيس قسم العمليات في نادي سيدات الشارقة، آلاء الشناصي: «يحرص النادي على الالتزام بالقيام بدوره الريادي في دعم المرأة عبر مرافقه المتنوعة، وتعزيز الجهود الرامية إلى نشر الوعي حول سرطان الثدي، من خلال تعاونه مع (القافلة الوردية)؛ عبر احتضانه عدداً واسعاً من الفعاليات والأنشطة والندوات الإرشادية، فضلاً عن تنفيذ الفحوص الطبية، بالتزامن مع حلول الشهر العالمي للتوعية بسرطان الثدي (أكتوبر الوردي)».
أيضاً، التعاون مع جمعية أصدقاء مرضى السرطان، بحسب الشناصي، ينسجم مع رسالة ورؤية النادي في دعم النساء - باعتباره منصة مهمة في المجتمع - بخدمات توعوية متكاملة، لضمان حمايته من الأمراض، ولنشر الوعي حول ثقافة الكشف المبكر كإحدى أولويات الجمعية.
وعن خصلات الشعر والمتبرعات، توضح قائلة: «يقدم (بوتيك أوركيد للجمال)، التابع للنادي، خدمة قص شعر المتبرعات لصالح جمعية أصدقاء مرضى السرطان؛ لدعم السيدات اللاتي فقدن شعرهن، ولمنح روح الأمل والسعادة، من خلال التبرع بخصلات الشعر، والتضامن معهن لصنع شعر مستعار (باروكة)؛ حتى يتغلبن على هذا المرض»، وثمنت تفاعل المتبرعات مع الفكرة، إذ بلغ إجمالي المتبرعات بشعرهن، خلال العامين المنصرمين، في النادي حوالي 145 متبرعة، ويتطلع نادي سيدات الشارقة إلى استقبال المتبرعات في «بوتيك أوركيد للجمال» بمقره في الشارقة، حيث يقدم الخدمة مجاناً طوال العام.
غدٌ أفضل
عندما علمت بإصابتي بسرطان الثدي؛ ظننت أنها نهاية العالم.. هكذا بدأت نرمين ضياء، طبيبة في أحد المستشفيات، قائلة: «أنا على مشارف الأربعين، ورغم أنني أجري فحوص الثدي الدورية، فضلاً عن (الماموغرام) سنوياً؛ كوني طبيبة، وأعلم جيداً خطورة المرض، وأهمية الاكتشاف المبكر، فإن الإنسان عندما يتحدث عن المرض من واقع دراسته أو مهنته التي يمارسها شيء، ومواجهة الإصابة وتحدي (الكيماوي) أو جرعات السم، كما يطلق عليها المصابون، شيء آخر».
وتضيف: «تدخل جرعات (الكيماوي) في الجسم لتقتل المرض، لكنها تدمر معه الحالة النفسية؛ لدرجة أنني فقدت ثقتي بالطب والحياة، وشعرت بأنها النهاية؛ خاصة بعدما تخلى عني زوجي بعد استئصال ثديي، وتزوج أخرى، وفي لحظة من لحظات الألم، وأنا أنظر في المرآة لأجد شبح امرأة دون ثدي، دون شعر، هي أنثى فقط بالاسم في شهادة الميلاد، لكنني وجدت ذراعيّ وقدميّ وبقية أعضاء جسدي؛ فحمدت الله، وقررت أن أبدأ حياتي، وأتخطى آلامي، وأيقنت أن الأمل يولد من رحم المعاناة، وقررت المشاركة في دورات تثقيفية للنساء؛ كي يواجهن المرض بصلابة، وأن الحياة لن تنتهي، معللة ذلك بأن سرطان الثدي مثل بقية الأمراض.. له علاج، ويمكن الشفاء منه».
الصحة النفسية
رشا محمد، ربة منزل مطلقة ولديها ولد وبنت، تلفت النظر إلى أهمية الحفاظ على الصحة النفسية؛ لأنها قد تكون سبباً مهماً في الإصابة بالأمراض، وليس بالسرطان فقط، وتروي قصتها، قائلة: «عانيت كثيراً في حياتي بسبب الخلافات الزوجية، خاصة قبل الطلاق، حيث ازدادت الخلافات، وازداد معها الألم النفسي، وذات يوم بدأت أشعر بسخونة في جسدي، وشعرت بألم في الثدي، ولمست فيه كتلة بحجم الليمونة، فتوجهت - على الفور - إلى الطبيب، وبعد إجراء الفحوص اللازمة؛ تم تشخيص المرض بأنه سرطان الثدي».
ورغم أن رشا لا يوجد لدى عائلتها أي عامل وراثي للإصابة، فإن الطبيب أوضح لها أن العامل النفسي قد يكون سبباً مهماً من أسباب الإصابة، وعن مرحلة العلاج، توضح: «تم علاجي ولله الحمد بمستشفى توام على نفقة الدولة، حيث أخذت جرعات من (الكيماوي) لمدة 7 أشهر، للتحضير للعملية، وبعدها تم استئصال الورم، ثم خضعت للعلاج الإشعاعي لمدة سنة تقريباً. بعدها، بعام، فوجئت بعودة السرطان في الغدد الليمفاوية، وتم إجراء جراحة لاستئصال الغدد، وتابعت مرارة (الكيماوي) مرة أخرى. والآن، في مرحلة التعافي بإذن الله».
وتوضح: «واجهت الألم بشجاعة، وكنت أقوم بإزالة شعري بنفسي، قبل أن يتساقط بسبب تأثير (الكيماوي)، وقد وجدت الدعم والتشجيع في جمعية مرضى السرطان، خاصة عندما كنت أحضر ورش عمل مع مريضات السرطان. وعندما كنت أرى حالات أسوأ من حالتي؛ كنت أشعر بالرضا وبأنني بخير، وكلما تناولت جرعات (الكيماوي)؛ كنت أشعر بالألم، وكأن ناراً تسري في عروقي، وتجري في دمي، لكنني كنت دائماً أحمد الله، ونفسي راضية بقضائه وقدره. نصيحتي لكل امرأة هي: اهتمي بصحة جسدك، وحالتك النفسية أيضاً، لأنها سبب للأمراض، وليس السرطانات فقط».
تأثير إيجابي
أما عن المتبرعات بخصلات من شعرهن؛ للمشاركة في مبادرة «خصلة أمل» وإعادة الفرحة والبهجة إلى نفوس مريضات السرطان، فقد أكدن أن التبرع منحهن سعادة بالغة، وعن ذلك قالت المتبرعة نور رمضان: «فكرة التخلص من الشعر دون تقدير لقيمته لا تعجبني كثيراً، لكنني شعرت بأنني عندما أتبرع بشعري أقدم هدية قيّمة إلى من يحتجن إليه، وحينئذ شعرت بالارتياح، وسعدت بإحداث تأثير إيجابي في حياة إحداهن، وأنصح النساء بأن يقمن بالاعتناء بشعرهن؛ فقد يغير حياة أخريات، ويدخل البهجة إلى قلوبهن يوماً ما».
تجربة فريدة
بدَوْرها، تقول مريم محمد، والسعادة تغمر عينيها البراقتين: «أشعر بالفخر بنفسي؛ لأنني تبرعت بشعري، وأسعدني إحساس تقديم المساعدة إلى من تحتاج إليها. التبرع بالدم أمر صعب بالنسبة لي؛ لذلك كنت سعيدة؛ عندما عرفت أنه يمكنني أن أفعل الخير من خلال التبرع بشعري، وأتمنى أن أتمكن من التبرع بعيني يوماً ما. كانت تجربة التبرع بشعري فريدة، وأسعدتني كثيراً، خاصة عندما أدركت أنني قدمت هدية مهمة إلى امرأة أخرى».
هدية ثمينة
وتنصح ماري يوسف النساء بالتبرع، قائلة: «قد تشعرين بالخوف من التبرع بالشعر في البداية، لكن تذكري أن الشعر ينمو دائماً، ويعود إلى الطول الذي تفضلينه من جديد، وأن الأثر الإيجابي الذي يتركه صنيعكِ يستمر إلى الأبد، ما يجعل هذه التضحية سهلة جداً». وتضيف: «تغيرت نظرتي إلى الحياة كلياً بعد التبرع بشعري، وشجعني الجميع من حولي، وأبدوا إعجابهم بمظهر شعري الجديد. ستعشقين مظهركِ الجديد، وستشعرين بإحساس إيجابي تجاه نفسكِ؛ بفضل ما قدمتِه إلى من تحتاج مساعدتكِ. أتمنى أن تساعد كلماتي هذه في تشجيع النساء على تقديم هذه الهدية، التي لا تقدر بثمن إلى من هن بحاجة إليها».
ظاهرة طبيعية
الدكتور محمد عبدالغني جودة، استشاري جراحة أورام وترميم وتجميل الثدي بمدينة برجيل الطبية، يلفت النظر إلى أن آلام الثدي، التي قد تأتي بشكل مستمر في كلا الثديين، والتي قد تأتي على شكل نوبات، وتختلف في حدتها، ليس بالضرورة أن تكون أحد أشكال السرطان، لكنها - في الأغلب - ظاهرة طبيعية تتأثر بها معظم النساء، نتيجة التغيرات الهرمونية الأنثوية، ومن النادر أن تكون عرضاً يشير إلى مرض خبيث بالثدي.
ويشير إلى أن سرطان الثدي - في الأغلب - يظهر دون آلام، ومن أهم أعراضه الشائعة ظهور كتلة غير مؤلمة غالباً، أو ظهور إفرازات من حلمة الثدي، وأيضاً تغير شكل الحلمة إلى الداخل، بعد أن كانت بارزة للخارج سابقاً، فضلاً عن ظهور تعرجات في جلد الثدي، وأيضاً قد تشعر المصابة بكتل تحت الإبط، وهي أيضاً دلالة على تضخم الغدد الليمفاوية؛ نتيجة ضغط الورم السرطاني بالثدي عليها.
وعن سبل الوقاية، يوضح: تجنب التدخين، والإسراع في إنجاب الطفل الأول قبل عمر الثلاثين، من الأمور التي تساعد على الوقاية من سرطان الثدي. ويشدد على عدم التشبه بالمجتمعات الغربية في هذه الأمور، فضلاً عن ضرورة الحفاظ على الوزن، خاصة في فترة ما بعد انقطاع الطمث، واتباع الإرشادات الصحية المهمة، مثل: الإكثار من تناول الخضروات والفواكه، وتجنب الوجبات الدسمة، وممارسة الرياضة باستمرار، والالتزام بالفحص الدوري للثدي، وعمل «الماموغرام» بعد عمر الأربعين، وإعادته كل عامين؛ والفحص الذاتي شهرياً، ومراجعة الطبيب المختص لإجراء الفحص السريري.
دور الــغذاء
التغذية الصحية لمريضات سرطان الثدي من الأمور المهمة جداً، وفي ذلك توضح الدكتورة سلام صغير، أخصائية التغذية العلاجية بمدينة برجيل الطبية في أبوظبي، قائلة: «إن الهدف الأساسي من التغذية، بصفة عامة، هو إمداد الجسم بالعناصر الغذائية اللازمة، وتزويده بالطاقة للقيام بالأنشطة اليومية. وعند الإصابة بمرض السرطان، يصبح دور الغذاء أهم؛ لتمكين الجسم من الصمود أمام التأثيرات المباشرة للمرض، والآثار الجانبية للعلاجات المضادة للسرطانات عموماً، ومنها سرطان الثدي».
وتضيف أن مريضات السرطان يحتجن إلى كميات أكبر من البروتينات القليلة الدهون، وحصة من الكربوهيدرات التي تمد الجسم بالطاقة، وأيضاً الدهون الأحادية غير المشبعة، والألياف التي تساعد في التحكم في الإمساك والإسهال.
أما عن الأطعمة الممنوعة لمرضى السرطان؛ بسبب ضررها على الصحة العامة، فهي:
اللحوم المصنعة: إذ يتم حفظ اللحوم المصنعة من خلال المعالجة، أو التجفيف، أو التعليب لزيادة مدة الصلاحية، وهي على رأس قائمة الأطعمة المسببة للسرطان. كما تعد اللحوم المصنعة مسرطنة؛ لأنها مطبوخة على درجة حرارة عالية، وتحتوي على نسبة مرتفعة من الدهون، وعلى مواد كيميائية معينة تسبب السرطان، ومن هذه الأطعمة النقانق، والسجق، وغيرها.
اللحوم غير المطبوخة : تُعد اللحوم، والدواجن، والأسماك غير المطبوخة جيداً، من أنواع الأكل الممنوعة لمرضى السرطان، ومن هذه الأنواع نذكر: السوشي، واللحوم الباردة، واللحوم المطبوخة بالمعالجة الجافة، مثل: السلامي، والمرتديلا، بالإضافة إلى منتجات الألبان غير المبسترة.
إقرأ أيضاً: هل طفلك مصاب بمتلازمة الأجهزة الإلكترونية؟.. اكتشفي ذلك