في عصر التكنولوجيا الرقمية، لم يعد هنالك فرق بين التعامل الإنساني المباشر بين الناس، وبين تعاملهم الافتراضي عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فأغلب من نعرفهم في حياتنا الواقعية هم أنفسهم الذين نتعامل معهم بشكل يومي عبر صفحاتنا الافتراضية على موقع "فيسبوك" الشهير. لذا، الشرط الرئيس في هذه التعاملات يبقى الإنسان نفسه، وقدرته على وضع حد فاصل بين رغباته الشخصية، وبين تعاملاته مع الآخرين.
وإن كان "فيسبوك" متهماً بكونه أصبح سبباً مباشراً للإصابة بالاكتئاب، فإن السبب المباشر لهذا الاتهام هو قضاء الأشخاص ساعات طويلة على الموقع العالمي في تصفح الصفحات، ومناقشة الأصدقاء الافتراضيين والحقيقيين في موضوعات مختلفة، لا تختلف واقعاً عن النقاشات الحقيقية، التي تجري بين الناس بشكل مباشر.
ونشر موقع Psychology Today دراسة حول اكتئاب "فيسبوك" وأسبابه، مشيراً إلى إمكانية حدوثه، لعدة أسباب من بينها: الاطلاع المستمر 24/7 على الأخبار السيئة والمشاهد الصادمة، وبسبب تأثيره في العلاقات العائلية والإنجاز الأكاديمي والمهني.
الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال، وهي من الجهات المؤيدة لفرضية اكتئاب "فيسبوك"، تحذر على الدوام من اكتئاب الأطفال والمراهقين بسبب "فيسبوك"، كون هذه الفئة العمرية هي الأكثر حساسية للرفض الاجتماعي.
لكن خبراء جامعة هونغ كونغ يشككون في وجود فرضية اكتئاب "فيسبوك"، معتبرين أنها غير موجودة، مضيفين أنهم يعتقدون بوجود ترابط إيجابي بين استخدام "فيسبوك"، وارتفاع الرضا عن الحياة.
وهذه الدراسة أجراها باحثون صينيون، وبنيت فرضية الدراسة على أن العلاقة بين "فيسبوك" والاكتئاب معقدة. ويأتي التعقيد، حسب الباحثين، من أن اكتئاب "فيسبوك" هو نتيجة لديناميكيات العلاقات بين الأصدقاء الافتراضيين وبين شخصية القارئ، فتفسيرك لمشاركات أصدقائك ستختلف حتماً عن طريقة تفكير الآخرين.
ويعتقد الباحثون من هونغ كونغ أن السمة الشخصية التي تلعب دوراً رئيسياً في حدوث اكتئاب "فيسبوك" هي الميل للمقارنة بالآخرين، وكيفية حصولهم على مميزات كثيرة هم محرومون منها، تبعاً لعدة معطيات منها الفارق الاجتماعي والاقتصادي، فتكون الغيرة هي الأساس وراء الإصابة بالاكتئاب المفترض.
على أرض الواقع، وما يعنينا نحن في أمر حقيقة الإصابة باكتئاب "فيسبوك"، هو قدرة الشخص على حماية نفسه مما يراه أو يسمعه أو يقرأه، وبالأخص عدم الخوض في جدال نفسي بينك وبين ذاتك، للمقارنة مع الآخرين.
الأهم، إذا شعرت بقوة خفية تدفعك للمقارنة، فعد إلى ذكرياتك، وراجع منشوراتك السعيدة السابقة التي استمتعت بها مع أصدقائك وعائلاتك ومقربيك، فأهم هدية تقدمها إلى نفسك هي القبول.
إقرأ أيضاً: معتقدات خاطئة عن الطب النفسي.. لا تصدقيها