حاصلة على بكالوريوس حاسب آلي، ودبلوم في الإعداد التربوي، ودكتوراه في معالجة الإشارة وبناء الكلام. ودروس الحياة الكثيرة - التي نهلت منها - خوَّلتها أن تكون من أولى النساء السعوديات، اللواتي انضوين تحت لواء مجلس الشورى. نقاطُ تحوّلٍ كثيرة في حياتها ألهمتها، وكيف لا وهي في الاسم: إلهام.. إلهام محجوب حسنين. فماذا عن تجربتها في تبوؤ أوّل المقاعد النسائية في مجلس الشورى السعودي؟ وماذا عن التحديات التي واجهتها كامرأة سعودية، شقّت طريقها بعزم، واعتلت القمم؟ وماذا قدّمت من مؤثرات؛ لتستحق أن تتوّج ضمن أقوى النساء المؤثرات عام 2015؟
صوتها هادئ بِعكس قوّة صدى كلماتها، تَعرِف كيف تختار مرادفاتها بدقة، لكن حينما نسألها عن الفخر الذي شعرت به لحظة ذكر الملك عبدالله بن عبدالعزيز، في خطابه، اسمها كعضو في مجلس الشورى، تجيب جازمة: «أحسستُ بفخرٍ كبير، مع العلم بأنني كنتُ قد اختبرت - قبل عام من ذلك - نجاح تجربة دخول المرأة مجلس الشورى كمستشارة، ويومها بشرنا الملك عبدالله، رحمه الله، بأنه في السنة المقبلة سيضمّ المجلس أعضاء من النساء». وتضيف: «يوم تلقيتُ مكالمة من الديوان الملكي، يهنئني باختياري ضمن الأعضاء في الدورة الجديدة؛ شعرتُ بفرحٍ كبير اختلط برهبة المسؤولية، التي ستكون على عاتقي لتمثيل المرأة في هذا المنصب، ولأول مرة في تاريخ المملكة. وشعرتُ ثانياً بمسؤولية تمثيل رأي المواطن، رجلاً أو امرأة، واشتدّت تلك المشاعر لحظة إعلان اسمي في الخطاب الملكي. شعرتُ بالفرح والخوف من حجم المسؤولية في آنٍ واحد. وانتقلت مهامي من العمل بعيداً عن الأضواء، من غرفة مكتبتي الخاصة إلى الملأ، تحت قبّة مجلس الشورى».
قوة العلم
وبدأ المشوار.. فماذا عنها قبل تلك المحطة؟ ماذا عن طفولتها ومراهقتها وبدايات شبابها؟.. تجيب: «طفولتي كانت في الولايات المتحدة الأميركية، حيث كان والدي، رحمه الله، يدرس الاقتصاد في جامعة بنسلفانيا. وحرص هو ووالدتي على أن أتعلم اللغة العربية من خلال معلم خاص، كما درستُ اللغة الألمانية والسباحة وركوب الخيل. ولم يكن لديّ وقت فراغ أبداً. وأولى المسؤوليات التي شعرتُ بها كانت وجوب أن أمثّل بلدي في الغربة أفضل تمثيل؛ ليعرف الناس من هي بنت مكة المكرمة. وكنت الفتاة الوحيدة بين أربعة أخوة ذكور توسطتهم. وتعلمتُ من الوالد أن العلم سلاح وقوّة، والمشورة في القرارات لازمة، واستخدام الحجة والبرهان واجب. وكان والدي كثير السفر، وفي كل مرة يغيب فيها تصبح والدتي، رحمها الله، ربان سفينة عائلة الدكتور محجوب أحمد حسنين، وليس أحد الأبناء، كما كان متعارفاً عليه في ذلك الزمن».
عادت الدكتورة حسنين إلى الوطن، إلى الرياض بالتحديد، وعمرها أحد عشر عاماً. تزوجت مبكراً، قبل بلوغها سبعة عشر عاماً، وسافرت إلى بريطانيا، حيث أكمل زوجها دراسته، ونال درجتَي الماجستير والدكتوراه، وما لبثت أن عادت إلى مكة المكرمة، حيث وجدت «الروحانية الحقيقية، وأتيحت لها رؤية الكعبة، وزيارة بيت الله الحرام، ما شكّل شفاءً لها من أيِّ همّ، ومنحها فرحاً عظيماً».
الذكاء الآلي
ماذا عن دراستها؟.. تقول: «حصلت على دبلوم تربوي عالٍ، وتابعت لاحقاً دراسة الماجستير. وترأستُ مركز تقنية المعلومات في أحد المستشفيات. وكنتُ أوّل امرأة تترأس فريقاً فنياً تقنياً، وهو منصب لطالما كان حكراً على الرجال.. ولم يكن ذلك سهلاً». محطات كثيرة عبرتها، وخبرات كثيرة راكمتها، ولطالما تميّزت بشغفها؛ لتحقيق كل ما تصبو إليه. والسؤال: لماذا اختارت تخصص معالجة الإشارة والذكاء الآلي وبناء الكلام؟.. تجيب: «اخترتُ، في البداية، تخصصاً يتلاءم مع وضعي الاجتماعي؛ كوني زوجة وأماً، ثم حصلت على الدكتوراه حول نظرية تحليل إشارة الصوت وتفكيكها، أو إزالة جزء منها لصعوبة تحليلها، وعدم جدوى ذلك».
يُقال: «اللبيب بالإشارة يفهم»، فكم اختبرت الدكتورة حسنين ذلك في أبحاثها؟.. تبين: «نحن محاطون بالإشارات الصوتية والكهربائية والمغناطيسية والعصبية، التي هي وسيلة لإيصال المعلومات. وأهمها - في رأيي - الإشارات العصبية داخل الجسم البشري. وكما يقال: (اللبيب بالإشارة يفهم)، يصل كل إحساس إلى المخّ بإشارة، دون الحاجة إلى تفصيل». وتستطرد: «الإشارة شكّلت بداية فصل جديد في حياتي، فقد عبرتُ - من خلالها - إلى عالم الهندسة الكهربائية والإلكترونية، وأيقنت أن لا شيء مستحيلاً عند الاستخارة، والتوكل على الله، ثم السعي بجدّ واجتهاد».
نقطة تحوّل
عشرة أعوام مرّت على دخولها مجلس الشورى.. فماذا بدّلت فيها تلك التجربة؟.. تفيد: «كانت نقطة تحوّل في حياتي، مكنتني من إثبات جدارة المرأة بهذا الموقع؛ فهي تجربة ثرية جداً وسّعت آفاقي، دون أن أتغيّر إنسانياً؛ فإلهام استمرّت إلهام، لكن رؤيتي أصبحت أكثر شمولاً».
لا تخلو مسيرة ناجحة من تحديات.. والدكتورة إلهام محجوب حسنين اعترضتها تحديات، وعنها تقول: «هي تحديات مشتركة بيننا كنساء في المجلس لأول مرة، في مواجهة عدم تقبل المجتمع فكرة دخول المرأة تحت قبة واحدة مع شقيقها الرجل. وفي ظلّ تشكيك المجتمع في قدرة المرأة على إبداء الرأي بالسياسات العامة للدولة، والتي تحال إلى مجلس الشورى من رئيس مجلس الوزراء».
إقرأ أيضاً: عائشة الجسمي: كتابي القادم عن إنجازات الإمارات
في مجلس الشورى اختبرت العضو الجديد أهمية وجودها كامرأة فيه، فتقول: «أظهر وجود المرأة مدى أهمية مشاركتها في إبداء الرأي، وتمثيل احتياجات المجتمع، بالإضافة إلى أهمية التكامل بين الجنسين لا التنافس بينهما، بدليل أن النقاشات الحيوية التي كانت تجري داخل قبة المجلس دلّت على أن رؤية المرأة تختلف عن رؤية زملائها الذكور، والعكس صحيح؛ لذا أصبح العمل أكثر شمولاً بوجود المرأة». وتضيف: «المرأة السعودية كسرت نظرية عزوف النساء عن التخصصات العلمية، ففي المملكة كان عدد الطالبات - منذ افتتاح تخصص الحاسب الآلي في جامعة أم القرى - 350 طالبة، مقابل 100 طالب فقط. وأصبح تمكين المرأة في الوقت الحالي أولوية؛ نظراً لأهمية دورها في التنمية الاقتصادية؛ فقد أثبتت جدارتها، وباتت مشاركة المرأة في سوق العمل تفوق الـ31.8%، ونسبة النساء من المناصب الإدارية الوسطى والعليا بلغت 30%».
المرأة تدعم نفسها
وجدت الدكتورة حسنين دعماً من «الزملاء الأعضاء السابقين في مجلس الشورى؛ لمعرفة أنظمة وآليات العمل، وتآزرت كل الزميلات لتحقيق النجاح لأول دفعة من النساء في المجلس»، فقد اختيرت ضمن أقوى النساء المؤثرات، حسب «فوربس» عام 2015، وعن ذلك تقول: «على المرأة كسر الصورة النمطية، وإظهار القوة الكامنة بداخلها، وعليها أن تملأ مكانها، بعلمها وقيمها.. أينما تكون».
أبرز المهام، التي أنجزتها مع مجموعة من الزميلات بمجلس الشورى، كانت (دراسة مشروع نظام التقاعد، وكان لها اهتمام خاص ومداخلات حول تقارير وزارة التعليم، والاتصالات وتقنية المعلومات، والخارجية، والموارد البشرية والتنمية الاجتماعية. كما ناقشت الخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وعملت على دراسة وتفسير الأنظمة واللوائح والمعاهدات والاتفاقات الدولية، وإبداء الرأي فيها)، وغيرها من المهام، التي نجحت في إضفاء لمستها الفارقة عليها. وهنا، نسأل: هل الرجل السعودي كان داعماً للمرأة الريادية؟.. تفيد: «الرجل السعودي، مثله مثل أي رجل آخر، منه الداعم ومنه الأقل دعماً. على كل حال، أهم نقطة هي أن تدعم المرأة نفسها، بأن تعرف قدراتها، وأن المجالات مفتوحة أمامها.. الآن».
تبقى رسالة الدكتورة إلهام محجوب حسنين إلى المرأة السعودية خاصة، والخليجية والعربية عامة، هي «ألا تنسى أن المجالات، اليوم، بفضل الله تعالى، وبدعم من ولاة أمورنا، مفتوحة أمامها للإنجاز، وإثبات الجدارة والكفاءة التي هي أهلٌ لها». وتضيف: «المرأة نصف المجتمع، ومسؤولة عن النصف الآخر من المجتمع أيضاً. والحياة كالمعادلة الكيميائية، وقد حملنا الله مسؤوليات تجاه العائلة والأبناء، لن يتمكن غيرنا من أدائها، وأيضاً مسؤوليات لإعمار الأرض مع شقيقنا الرجل؛ فلا إفراط ولا تفريط. لذا، على كل امرأة أن توازن معادلة الحياة؛ حتى تكون المعادلة متعادلة، كما هي في علم الكيمياء، وتميزنا بقيمنا نقطة قوة لنا».