تخبرنا الحكاية بأن أحد الحُكام سأل وزيره يوماً عن الأجور التي يتقاضاها موظفو قصره؛ فبدأ الوزير يعدّد وظيفة كل واحد منهم وما يتقاضاه، وحينما ذكر الوزير ما يتسلمه رئيس الطباخين من مال استنكر الحاكم الأموال الطائلة التي يتقاضاها، لأنه يكتفي بإعطاء الإرشادات والإشراف على بقية الطباخين، وحسب!
قرر الحاكم الاستغناء عن رئيس الطباخين؛ فلا حاجة إليه طالما أن بقية الطباخين هم من يطبخون، لكن الذي حصل أن الحاكم ومنذ ذلك اليوم لم يهنأ له طعام؛ فقد كانت الأطباق تصله كل يوم بطعمٍ منفر وغير مستساغ، لم تُضبط مقاديره، ولم يتم طهيه بشكل جيد!
وهكذا أمر الحاكم بإعادة رئيس الطباخين إلى وظيفته، بعد أن أدرك الدور المهم الذي يقوم به.
لطالما حكى لي والدي هذه الحكاية، مُدللاً على أهمية القيادة في العمل؛ فالعمل الذي يسير دون قيادة واضحة ترسم له طريقه؛ يبقى رهين العثرات والأخطاء، وتبقى العشوائية تحركه؛ فلا يصل إلى هدفه المنشود.
فلابد، في أي عمل، من وجود شخصية قيادية حازمة ومؤهلة، تتميز بالقوة والمعرفة؛ لكي يتمكن أي مشروع من تجاوز الصعوبات، ويصل إلى الهدف المطلوب بيسر وأمان.
قد لا يبدو دور تلك الشخصية واضحاً لدى الكثيرين، وقد يعتقدون أن وجودها مجرد تحصيل حاصل، لكن متى اختفى وجودها - ودون مبالغة - يمكننا استنتاج أن ميزان العمل قد يختل، وأنه قد يتوقف ببساطة؛ ولعل االمايستروب، الذي يقود الفرق الموسيقية خير دليل على ذلك.
قد نظن أن االمايستروب بوقوفه وتحريك يديه في الهواء مجرد عدد زائد، يضاف إلى بقية أعداد العازفين في أي أوركسترا موسيقية، لكن الواقع أن االمايستروب هو من يقود العازفين على سلم النوتات الموسيقية، وهو الذي يأمرهم بالتوقف عن العزف عن طريق إشارات يديه، ولولا ذلك لتخبّطت نغمات العازفين، وتضاربت في لحن نشاز لا يُحتمل.
وفي الحياة.. تحتاج مشاريعنا وخططنا إلى من يمكن أن نطلق عليهم لقب االمايستروب؛ لكي تصل إلى أهدافها، قد يكون هذا االمايستروب أباً أو معلماً، أو قد يكون شخصاً آخر يختبئ في داخلنا، ويتحين الفرصة ليأخذ بزمام القيادة!