يرغب بعض الآباء في أن تكون تربيتهم لأطفالهم معتدلة، وبأفضل أسلوب. ولأن الآباء لا يتشابهون، تختلف تربيتهم لأبنائهم، بحسب البيئة التي عاشوا بها، وطريقة التربية التي مارسها آباؤهم معهم.
ومن هذا الجانب، تنوه أخصائية علم النفس والاجتماع، منيرة صالح، إلى وجود أربعة أنواع من التربية، هي: التربية السلطوية (الاستبدادية)، التربية المعتدلة، التربية المتساهلة، والتربية المبتعدة. ويتخذ كل نمط منها منهجاً مختلفاً في تربية الأطفال، ويمكن تحديده من خلال عدد من الخصائص المختلفة.
وتشير منيرة إلى أن نوع التربية، الذي يتبعه الآباء، سيؤثر على شخصية الطفل، وعلى ما يشعر به تجاه نفسه، وطريقة تعامله مع الآخرين أيضاً، وستبقى هذه التأثيرات مرافقة له طوال حياته. لهذا، من المهم أن تتأكد من أن نوع التربية، الذي تتبعه، يدعم النمو والتطور الصحي، لأن الطريقة التي تتفاعل بها مع طفلك، وكيفية تأديبه ستؤثر عليه طوال حياته.
تربية الأطفال السلطوية (الاستبدادية)
يتميز هذا النوع من الأساليب التربوية بإعطاء السلطة المطلقة للأهل. والأهل الذين يتبعون هذا النوع من التربية مع الأطفال:
- يستخدمون الحزم، بحيث لا يكون هناك أي مجال للنقاش والحوار.
- يستخدمون العقاب لتنفيذ الأوامر.
- لا يظهرون مشاعرهم للطفل، ولا يأخذون مشاعر طفلهم بعين الاعتبار.
- يتوقعون الكثير من الإنجازات من الأطفال، مع انعدام المرونة.
- انعدام الثقة بالأطفال، لتحقيق أي شيء إيجابي.
إذا كانت هذه الصفات تنطبق عليك، فأنت والد "سلطوي". ويشتهر الآباء الاستبداديون بقولهم: "لأنني قلت ذلك"، عندما يتساءل الطفل عن الأسباب الكامنة وراء أي أوامر، فهم غير مهتمين بالتفاوض، وتركيزهم منصب على الطاعة فقط. كما أنها طريقة لا تسمح للأطفال بالمشاركة في تحديات أو عقبات حل المشكلات. بدلاً من ذلك، يضعون القواعد، ويفرضون العواقب مع القليل من الاهتمام برأي الطفل.
قد يستخدم الآباء المستبدون العقوبات بدلاً من التأديب. لذا، بدلاً من تعليم الطفل كيفية اتخاذ خيارات أفضل، فإنهم يستمرون في جعل الأطفال يشعرون بالأسف على أخطائهم. ويميل الأطفال الذين يكبرون مع آباء مستبدين صارمين إلى اتباع القواعد في كثير من الأحيان، لكن طاعتهم هذه لها ثمن، فهم أكثر عرضة لخطر تطوير مشاكل احترام الذات، لأن آراءهم لا تقدر، وقد يصبحون عدوانيين وكاذبين أيضاً.
تربية الأطفال المعتدلة
في هذا الأسلوب من التربية المعتدلة، يبذل الآباء الكثير من الجهد، لإنشاء علاقة إيجابية مع طفلهم والحفاظ عليها، فهم يشرحون الأسباب الكامنة وراء القواعد الخاصة، ويفرضون القواعد مع بعض أساليب التأديب، ويأخذون مشاعر طفلهم بعين الاعتبار.
والآباء الموثوقون لديهم قواعد، ويستخدمون العواقب، لكنهم أيضًا يأخذون آراء أطفالهم بعين الاعتبار، ويهتمون بمشاعر أطفالهم، بينما يوضحون أيضًا أن البالغين هم المسؤولون في النهاية، كما يستثمر الآباء الموثوقون الوقت والطاقة في منع المشكلات السلوكية قبل أن تبدأ. وأنهم يستخدمون استراتيجيات التأديب الإيجابي، لتعزيز السلوك الإيجابي، مثل: أنظمة الثناء، والمكافآت.
والأطفال، الذين ينشؤون تحت نظام التربية المعتدلة، هم أكثر عرضة؛ ليصبحوا بالغين مسؤولين، ويشعرون بالراحة في التعبير عن آرائهم. كما يميل الأطفال، الذين تتم تربيتهم بهذه الطريقة، إلى أن يكونوا سعداء وناجحين. ومن المرجح، أيضاً، أن يكونوا جيدين في اتخاذ القرارات، وتقييم مخاطر السلامة بأنفسهم.
تربية الأطفال المتساهلة
التساهل في تربية الأطفال، هو السماح لهم بفعل ما يحلو لهم، مع تقديم حدٍّ أدنى من التوجيه. ويتميز الأهل، الذين يتخذون هذا النهج التربوي في تنشئة أطفالهم، بأنهم أقرب إلى الأصدقاء لأطفالهم منهم للأهل. ويتميز الأهل الذين يطبقون هذا النمط التربوي بما يلي:
- انعدام القوانين والأنظمة، وعدم المبالاة بتعديل سلوك أطفالهم، أو تقويمهم. ويميلون لترك أطفالهم ليحلوا مشاكلهم بأنفسهم.
- عند وجود قوانين وأنظمة، لا يلتزم الأهل والأطفال بها لفترة طويلة.
- هناك درجة عالية من الحوار، والتواصل بين هؤلاء الأهل وأطفالهم، لكنهم يتركون القرارات للأطفال، ولا يعطونهم أي توجيهات.
- يتميز هؤلاء الأهل بدرجة عالية من العطف والحنان على أطفالهم.
- التوقعات لدى الأهل المطبقين لهذا النهج التربوي قليلة، وتكاد تكون معدومة.
- لا يطبق هؤلاء الأهل أي عقاب على أطفالهم، ونادراً ما تكون هناك عواقب؛ إذا أساء أطفالهم التصرف.
ويكون الأطفال، الذين ينشؤون بهذه الطريقة، أكثر عرضة للإصابة بالمشاكل الصحية، مثل السمنة؛ لأن الآباء يكونون متساهلين في وقت الشاشات، وتناول المأكولات السريعة والحلويات. أيضاً، هم أكثر عرضة للإصابة بتسوس الأسنان؛ لأن الآباء المتساهلين لا يفرضون في كثير من الأحيان عادات جيدة، مثل تنظيف الطفل أسنانه.
تربية الأطفال المبتعدة
يكون الأطفال، الذين تربوا بهذه الطريقة، مضطرين للاعتماد على أنفسهم بكل شيء، وهذا ينمي لديهم شعوراً بالخوف من الاعتماد على غيرهم. ويكون الأطفال أقل عاطفة وشعوراً بالآخرين، نتيجة عدم تلقيهم ما يكفي من الحب والعطف من قبل أهلهم. ويعانون، أيضاً، اضطرابات القلق والتوتر، التي قد تصل إلى حد الاكتئاب أيضاً.
ويميل الأطفال، الذين تربوا مع أهل مبتعدين عنهم، إلى إظهار سلوك سيئ في مرحلة المراهقة، والذي قد يصل إلى حد تعاطي الكحول والمخدرات، وتكون لديهم مشاكل في المجالات الأكاديمية والعملية والعاطفية. كما أنهم يعانون تشكيل روابط إنسانية طويلة المدى مع الآخرين، لذلك مثل هؤلاء الأطفال يمرون بحالات طلاق، عندما يكبرون، أكثر من غيرهم بكثير.
وعادة يكون ابتعاد الأهل عن تربية أطفالهم سببه الانشغال بمسؤولياتهم الحياتية الأخرى، أو الخوف من خوض هذا المجال بسبب عدم استعدادهم ليكونوا أهلاً ومسؤولين عن حياة أطفالهم، وتربيتهم، وتعديل سلوكهم. أو ربما يكونون هم أنفسهم قد تربوا بهذا الشكل، وهم صغار، فلا يدركون وجود أي أسلوب تربوي آخر.
إقرأ أيضا: لماذا يحذر الأطباء من حمية الجريب فروت؟