يقولون‭ ‬إنني‭ ‬أتكلم‭ ‬أثناء‭ ‬نومي‭!‬

لا‭ ‬يعلمون‭ ‬أنني‭ ‬لا‭ ‬أنام‭.. ‬أجل‭.. ‬لا‭ ‬أظنني‭ ‬أنام‭.. ‬أنا‭ ‬فقط‭ ‬أنتقل‭ ‬من‭ ‬واقع‭ ‬مزدحم‭ ‬بك‭ ‬إلى‭ ‬حلم‭ ‬هو‭ ‬بك‭ ‬أكثر‭ ‬ازدحاماً‭!‬

يتعجبون‭ ‬ابتسامة‭ ‬أستيقظ‭ ‬بها‭.. ‬ابتسامة‭ ‬تعانق‭ ‬دمعة‭.. ‬وكلتاهما‭ ‬تحمل‭ ‬اسمك‭! ‬

لكنهم‭ ‬يتعجبون‭ ‬أكثر‭ ‬عندما‭ ‬يرون‭ ‬شرودي‭ ‬الصباحي‭ ‬أمام‭ ‬فرن‭ ‬الموقد‭ ‬حيث‭ ‬‮«‬قالب‭ ‬الكيك‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬أراقبه‭ ‬يرتفع‭.. ‬يرتفع‭.. ‬حتى‭ ‬يكاد‭ ‬يقارب‭ ‬الشكل‭ ‬المثالي،‭ ‬ثم‭ ‬يهبط‭ ‬فجأة‭ ‬تاركاً‭ ‬تجويفاً‭ ‬مخيفاً‭ ‬في‭ ‬منتصفه‭!‬

هذا‭ ‬المشهد‭ ‬الكارثي،‭ ‬الذي‭ ‬كنتَ‭ ‬أنت‭ ‬كفيلاً‭ ‬بتحويله‭ ‬إلى‭ ‬موجة‭ ‬من‭ ‬المرح،‭ ‬وأنت‭ ‬تهتف‭ ‬بعبث‭: ‬‮«‬الحل‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬التدوير‮»‬‭.. ‬مهارتك‭ ‬الخبيرة‭ ‬تسعفك‭ ‬لتقطعه‭ ‬قطعاً‭ ‬صغيرة‭ ‬تسقيها‭ ‬بشراب‭ ‬ما،‭ ‬ثم‭ ‬تمنحه‭ ‬زينة‭ ‬خادعة،‭ ‬وتمنحه‭ ‬اسماً‭ ‬غير‭ ‬اسمه‭ ‬فتحلَّ‭ ‬المشكلة‭!‬

ربما‭ ‬تكون،‭ ‬حقاً،‭ ‬قد‭ ‬رحلت‭ ‬تاركاً‭ ‬ندبتك‭ ‬على‭ ‬جبيني،‭ ‬لكنني‭ ‬لازلت‭ ‬أحفظ‭ ‬نصيحتك،‭ ‬فأحاول‭ ‬إصلاح‭ ‬ما‭ ‬أفسدتَه‭ ‬أنت‭ ‬بـ«إعادة‭ ‬تدوير‮»‬‭! ‬

ضحكتي‭ ‬مثلاً‭!.. ‬هذه‭ ‬الطفولية‭ ‬العالية‭ ‬التي‭ ‬أفسدتها‭ ‬طعنات‭ ‬الغدر‭ ‬تارة،‭ ‬وضربات‭ ‬الخذلان‭ ‬أخرى‭.. ‬الآن‭ ‬أعدت‭ ‬تدويرها‭ ‬لأجيد‭ ‬ترويض‭ ‬صوتها،‭ ‬فأحيلها‭ ‬ابتسامةً‭ ‬متزنة‭ ‬تعرف‭ ‬كيف‭ ‬تتحايل‭ ‬على‭ ‬يبس‭ ‬الشفاه‭! ‬

دموعي‭ ‬مثلاً‭!.. ‬هذه‭ ‬التي‭ ‬قديماً‭ ‬طالما‭ ‬مارست‭ ‬عادتها‭ ‬في‭ ‬الهطول‭ ‬كغيث‭ ‬مالح‭ ‬لا‭ ‬يسقي‭ ‬غرساً،‭ ‬ولا‭ ‬ينبت‭ ‬زرعاً‭.. ‬الآن‭ ‬أعدت‭ ‬تدويره‭ ‬ليسكن‭ ‬في‭ ‬حدقتيّ‭ ‬شاهداً‭ ‬أخرس‭ ‬على‭ ‬وجع‭.. ‬وحارساً‭ ‬أميناً‭ ‬لا‭ ‬يخون‭.. ‬فقط‭ ‬يلكزني‭ ‬رمحه‭ ‬بخفة؛‭ ‬كلما‭ ‬تماديت‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬أعيد‭ ‬الخطأ‭. ‬

اشتياقي‭ ‬مثلاً‭!.. ‬هذا‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يدفعني‭ ‬قسراً‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬لفتح‭ ‬الباب‭ ‬المغلق‭ ‬بيننا‭.. ‬لصعود‭ ‬السلم‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬تنتهي‭ ‬درجاته‭ ‬أبداً‭ ‬مهما‭ ‬تلاحقت‭ ‬أنفاسي‭.. ‬الآن‭ ‬أعيد‭ ‬تدويره،‭ ‬فأحيله‭ ‬‮«‬قفلاً‮»‬‭ ‬كبيراً،‭ ‬يرقد‭ ‬صارماً‭ ‬على‭ ‬نفس‭ ‬الباب‭ ‬بيننا،‭ ‬بينما‭ ‬أعطي‭ ‬ظهري‭ ‬للسلم‭ ‬الذي‭ ‬ما‭ ‬عاد‭ ‬يعنيني‭ ‬طول‭ ‬درجاته‭! ‬

قلبي‭ ‬مثلاً‭!.. ‬آه‭!.. ‬بقي‭ ‬هذا‭ ‬العنيد‭ ‬المراوغ‭ ‬الذي‭ ‬يتهرب‭ ‬من‭ ‬إعادة‭ ‬التدوير‭..! ‬يختبئ‭ ‬مني‭ ‬فيك‭.. ‬ويهرب‭ ‬مني‭ ‬إليك‭.. ‬أبني‭ ‬أسواراً‭ ‬يهدمها‭..‬‭ ‬أشهر‭ ‬أسلحتي‭ ‬فيخفضها‭.. ‬فمتى‭ ‬يكبر‭ ‬الطفل‭ ‬المكابر‭ ‬ليدرك‭ ‬أن‭ ‬خسارة‭ ‬العمر‭ ‬ليس‭ ‬بعدها‭ ‬خسارة؟‭!.. ‬وأن‭ ‬الحقائب‭ ‬التي‭ ‬يمني‭ ‬نفسه‭ ‬بفتحها‭ ‬فارغة؟‭! ‬

متى‭ ‬يدرك‭ ‬الفارق‭ ‬بين‭ ‬‮«‬الحارس‮»‬‭ ‬و«السجان‮»‬،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تخنقه‭ ‬رائحة‭ ‬الجدران؟‭!‬

متى‭ ‬يستجيب‭ ‬لدعوتي‭ ‬بـ«إعادة‭ ‬تدوير»؛‭ ‬فتستحيل‭ ‬خفقاته‭ ‬‮«‬ممحاة‮»‬‭ ‬تطمس‭ ‬نقوش‭ ‬جدراننا‭ ‬القديمة،‭ ‬أو‭ ‬‮«‬فرشاة‮»‬‭ ‬ترسم‭ ‬أخرى‭ ‬جديدة؟‭!‬