انتشرت، في وسائل التواصل الاجتماعي، صورة لاعب أوغندي، وهو يحمل بين يديه علبة حليب، وقطعة خبز؛ مكافأةً له على حصوله على لقب «أفضل لاعب» في دوري كرة القدم.
أكثر المعلقين على الصورة جاءت تعليقاتهم مغلفة بالسخرية، وعبارات الاستهزاء؛ بسبب اللاعب الذي يبدو على محياه الفرح بهذه الجائزة المتواضعة!
وجدت نفسي أطالع تلك التعليقات بحنق؛ رغم يقيني أن هذه التعليقات الاستهزائية والمتنمرة؛ لا تصدر إلا عن شخصيات تملأها عقد نقص نفسية؛ وترى في تقليلها من شأن الآخرين إعلاء لذاتها المريضة.
لكن بدأ سيل من التساؤلات يجرفني نحو «قيمة الأشياء»، في منظور الكثير من الناس بوقتنا الحاضر، حيث تبقى قيمة الإنسان مرهونةً بقيمة ما يملكه!
من حدد قيمة الأشياء؟ وما الذي يُعلي من قيمتها أو يخفضها؟ لماذا ترتفع قيمة قطرة ماء في صحراء قاحلة، بينما لا قيمة للذهب أمام عجز طبيب عن معالجة مريض على شفا الموت؟
قطعة الخبز وعلبة الحليب، بالنسبة للاعب الأوغندي، مساويتان، بل قد تتفوقان - في قيمتهما - على جائزة بآلاف الدولارات لفائزٍ في سباق «الفورميلا»؛ لأنهما قادرتان على ملء معدته الخاوية، وإشباع روحه بقيمة الإنجاز والنجاح.
قد تكون الجائزة الغالية الثمن وبالاً على صاحبها.. هل تذكرون «ميداس»، بطل الأسطورة الإغريقية، الذي كان كل شيء يتحول إلى ذهب؛ بمجرد أن يلمسه، الذي - بهذه المَلَكة - خسر ابنته، بعد أن تحولت إلى تمثال من الذهب، بمجرد أن احتضنها!
يذكر لنا الدكتور آلان دونو، في كتابه الشهير «نظام التفاهة»، أنه أثناء الحرب العالمية الأولى، كان أكثر ما يُفرح الناس هو قسائم الخبز التي كانت توزع بدلاً من النقود! ويقول: إننا نترك تقدير الأشياء خلفنا؛ عندما نُرغم أنفسنا على استخدام النقود لقياس القيمة، فثقافة النقود تخفي الواقع خلف ستار؛ لقد جعلت من بعض الناس بخلاء وساخرين بشكل بنيوي، وجعلت آخرين متخمين باللذة وجشعين، وما الأب غراندي، في رواية الأديب بلزاك، الذي كان يتأمل جبال المال التي راكمها، فيما كان أعضاء أسرته جياعاً ومرضى، إلا مثال على ذلك.