حواء المنصوري: إنجازي الطبي بدأ بتساؤل.. وتحقق بالمثابرة
بذهن حاضر، وذكاء متوقد، وإرادة حديدية، ومثابرة استثنائية، وتصميمٍ غير متناهٍ، سطرت سعادة الدكتورة حواء سعيد الضحاك المنصوري، الطبيبة والمخترعة وعضو المجلس الوطني الاتحادي، مسيرة حافلة بالابتكار والعطاء، والإنجازات التي لا تتوقف عند حد. بدأتها بنيلها براءة اختراع عالمية عن جهاز طبي خاص بعمليات القلب، ابتكرته عندما كانت متدربة في كلية الطب بواشنطن؛ لتحصد جائزة «الأوائل في الإمارات»؛ تقديراً لها على إنجازها العلمي، وتميزها من قِبل وطنها الحبيب الإمارات، وقيادتها الرشيدة. وتوالت نجاحات الطبيبة اللامعة، واستشارية الغدد الصماء والسكر، وعضو المجلس الوطني الاتحادي عن إمارة أبوظبي، التي نستضيفها في حوار خاص، ونفتخر بها مزينةً غلاف عدد شهر المرأة الإماراتية السبّاقة والمتألقة في شتى الميادين:
• اخترعت جهازاً طبياً خاصاً بعمليات القسطرة، ما الذي حفزك على هذا الإنجاز؟
- في مرحلة الزمالة للطب الباطني، وكمتدربة؛ كنت مسؤولة عن عنبر العناية المركزة بالكامل، والفريق المصاحب الذي تكون من طلبة كلية الطب والمتدربين. كان من المفترض أن نجري عملية قسطرة لأحد المرضى، والتي يتم خلالها توصيل جهاز لقياس الضغط عن طريق الأوعية الدموية؛ لأنه في الحالات الحرجة هناك حاجة ماسة لقياس الضغط بمنتهى الدقة، والذي لا تسمح به طرق القياس المتعارف عليها لدى معظم الناس.
كنت أعلّم المتدربين عملية القسطرة، وكانوا يفشلون في كل مرة يحاولون إدخال الجهاز، والسببان الرئيسيان لهذا الفشل، هما: أن عملية إدخال الجهاز كانت تحتاج إلى استخدام كلتا اليدين، مما يزيد من صعوبة العملية تقنياً، والسبب الآخر هو أن الجهاز بمجرد دخوله الوريد يصبح غير مرئي للأمواج الصوتية؛ فيصبح من الصعب تحديد موضعه في الجسم. وتكرار عملية القسطرة قد يؤدي إلى التهابات ونزيف وألم المريض. وفي أسوأ الحالات قد يؤدي إلى مضاعفات شديدة تصل إلى البتر. وللتوضيح عملية القسطرة لا تستخدم فقط للقلب، بل لإدخال أي مواد إلى جسم الإنسان، وإخراج الدم من الجسم عن طريق الشرايين أو الأوردة. وخلال هذا الموقف قلت لنفسي: لماذا لا نضع عجلة بسيطة جداً، تدفع السلك المعدني إلى الأمام وبذلك نسهل عملية القسطرة دون الحاجة إلى استخدام اليدين أثناء العملية، وتنجح من أول محاولة بكفاءة أعلى؟ وأيضاً تساءلت: لماذا لا يمكن رؤية السلك المعدني تحت الأمواج الصوتية؛ لتفادي أي مشكلة؟.. حملت هذين التساؤلين والجهاز، وذهبت إلى مبنى كلية الهندسة المجاور، ودخلت المختبر، وسألت أحد الطلبة، الذي انضم - في ما بعد - إلى الشركة التي أسستها: هل نستطيع تغيير هذا الجهاز؟ ووصفت له ما يدور في ذهني؛ فترجم ذلك على حاسوبه إلى الطباعة ثلاثية الأبعاد. ومن هنا، بدأت المسيرة التي كان سببها الأول التساؤل.
تقدير الإنجاز
• حصلتِ على جائزة «الأوائل في الإمارات»، فما الذي أضافته هذه الجائزة إلى مسيرتك؟
- الجائزة تتويج لجهود الفائزين بها، وهي ميدالية مقدمة من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، ضمن الحفل السنوي الذي يقام لتسليط الضوء على إنجازات أوائل الإمارات، وإبراز كل من رفع علم الدولة في التخصصات المختلفة. وشكلت هذه الجائزة تشجيعاً كبيراً من قبل قيادتنا الرشيدة، وشعوراً لا يوصف؛ تقديراً لإنجاز بدأ بتساؤل. تمثل هذه الجائزة لي أهمية المثابرة في الحياة، فالجميع لديهم أفكار أو طرق مختلفة، لكن من سيثابر سيكمل الطريق، ويستمر بالمحاولة لتغيير واقعه إلى الأفضل.
• تطمحين إلى لعب دور فعال في تطوير القطاع الصحي.. من أين ستبدئين؟
- لقد بدأنا بالفعل، وكمرحلة أولى بدأت بتطوير نفسي بالبحث والدراسة والاجتهاد. وما أود أن أوصله للجميع، هو أن كل فرد في المجتمع له دور أساسي في تطوير منظومة القطاع الصحي ككل. من المريض الذي يزور مراكز الصحة، ويشارك برأيه وتجربته لدعم التطوير، إلى المتطوع الذي يعطي من وقته الخاص للمساهمة في تعزيز دور الأفراد بالقطاع الصحي، إلى العاملين في القطاع الصحي من أطباء وممرضين وإداريين، جميعنا نساهم في التنمية، ولا يمكن أبداً أن نقول إن هناك أدواراً أهم من أخرى، كلمة السر هنا هي العمل الجماعي.
• كونك عضواً في المجلس الاتحادي.. ما القضية الأخيرة التي طرحتها في «المجلس»؟
- آخر مشروع قانون ناقشته إحدى اللجان، التي أنا عضو بها، كان مشروع قانون الوكالات التجارية. مع العلم بأن مشاريع القوانين تأتي بصيغتها شبه النهائية من الحكومة؛ لكي يبدي المجلس الوطني، وجميع أعضائه، الرأي فيها بعد الدراسة والمناقشة.
• تتحلين بصفتين، هما: التصميم والإرادة.. ممن اكتسبتهما؟
- أعتقد أن كل صفة إيجابية، يتمتع بها أيٌّ منا هي نتاج عوامل عدة: أولها أنها هبة من الله سبحانه وتعالى، ثم تزدهر هذه الصفة بالرعاية الأسرية المناسبة والتشجيع الأسري، بالإضافة إلى دعم المجتمع. أنا أؤمن بأن التصميم والإرادة صفتان جينيتان، امتاز بهما شعب دولة الإمارات، وتوارثهما عبر الأجيال.
تخطي الصعاب
• كيف تتخطين الصعاب والتحديات؟
- أولاً بالتوكل على الله دائماً وأبداً، وأن نكون على يقين بأننا من نعطي التحدي حجمه، وحجم تأثيره فينا. وكمجتمع، لدينا القدرة على أن نقول: هل ما نواجهه اليوم بنفس صعوبة ما واجهه أجدادنا، الذين واجهوا أصعب ظروف الحياة؛ ليخرجوا منها أقوى؟.. التحدي الحقيقي يكمن في داخلنا، كيف سنواجهه، وكيف سنتعامل معه. وفي الإمارات، أنعم الله علينا بمثال حي نراه أمامنا كل يوم، متمثل في دولة أصبحت في خمسين عاماً رمزاً للنجاح في العالم أجمع.
• حققت الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة الإماراتية نجاحاً مبهراً.. هل تعتقدين أن المرأة بحاجة إلى مبادرات مماثلة؟
- لطالما كانت رؤية قيادة الإمارات الرشيدة بتوفير الفرص، وتمكين المواطن ككل، سواء كان رجلاً أو امرأة. إن نجاح التجربة الإماراتية من ركائزه توفير الفرص للجميع، رجلاً كان أو امرأة، وتوفير بيئة تمكين للطرفين، بيئة قائمة على المساواة والأمن والاستقرار، يزدهر بها كل أفراد النجاح. بالإضافة إلى كل ذلك، الدولة دعمت جهود المرأة الإماراتية في كل المجالات، سواء في البقاء بالمنزل لتربية الأجيال القادمة، أو العمل يداً بيد مع الرجل في مجالات العمل المختلفة بالدولة. هذا الدعم أعطى المرأة المجال لتزدهر في أي مجال اختارته بنفسها دون صناعة قالب نجاح تجبر على اتباعه. النجاح هو ما تنجحين في تحقيقه، بغض النظر عن القالب أو المسمى.
• كيف ترين ما حققته المرأة الإماراتية من إنجازات، خلال الخمسين عاماً الماضية؟
- إن ما حققته المرأة والرجل والمجتمع الإماراتي، هو حصيلة تكاتف المجتمع ككل لازدهار الدولة بجهود أبنائها الأوفياء، فالأفراد هم نسيج المجتمع، ولكل فرد دوره في دعم الآخر، وأنا فخورة بهذا النسيج، الذي قدم درساً للعالم في حب الوطن.
طريق الريادة
• ما التحديات التي تواجه المرأة الإماراتية في طريقها نحو التمكين والريادة؟
- نحن وصلنا للتمكين فعلياً، بل وأصبحنا رائدات، وأنا لا أرى أن التحديات التي تواجهها المرأة تختلف - بالضرورة - عن التحديات التي يواجهها الرجل، أو أي فرد، في سبيل تحقيق أحلامه وأهدافه؛ فالإصرار والعزيمة والمثابرة هي سلاح أي شخص رجلاً كان أو امرأة؛ للوصول إلى الهدف.
• ما نصائحك للمرأة الإماراتية؛ لمزيد من التمكين؟
- فكرة تمكين المرأة ليست وليدة العصر الحديث، بل هي موروث ثقافي في مجتمعنا من قديم الأزل؛ فدور جداتنا كان دائماً رائداً في بناء الإمارات؛ إذ كانت المرأة دائماً شريكة للرجل في رحلاته وأسفاره بحثاً عن الرزق، متمثلاً في المياه وقتها، وحتى يومنا هذا.
• شكلت نموذجاً يحتذى لفتيات وطالبات الإمارات.. ما نصيحتك للفتاة الإماراتية؟
- أنا لم أؤدِّ إلا الواجب، ونصيحتي الأساسية للفتاة الإماراتية، هي: كوني على طبيعتك، كوني طيبة، تمسكي - بكل فخر - بعاداتنا وتقاليدنا، واعلمي أنها كوّنتنا وهي جزء منا، وكوني على ثقة أن لا شيء مستحيلاً، وجميع الطرق مفتوحة لتحقيق أحلامك. نحن محظوظات بقيادتنا الرشيدة، وبوجودنا على أرض هذه الدولة، وبأننا جزء من نسيجها وتاريخها ومستقبلها.
• في رأيك.. من المرأة المثالية؟
- ربما يجب أن نبدأ بأن نقول: ما المقصود بالمثالية هنا؟ هذا التعريف يختلف من شخص إلى آخر؛ بناء على المعطيات والمواقف؛ فلنقل مثلاً إن هناك امرأة تبذل قصارى جهدها؛ لتقدم للمجتمع أبناء صالحين وفاعلين، عن طريق تقديم كل الحب والدعم والاهتمام إلى أولادها؛ فهي هنا أم مثالية، تقدم أطفالها ليصبحوا أفراداً فاعلين في المجتمع، وهكذا. المثالية هي بذل كل الطاقة لأداء دورنا في المجتمع على أكمل وجه، دون تقصير أو ملل. وللتوضيح المرأة المثالية هنا ليس معناها الكاملة؛ فالكمال لله سبحانه وتعالى، وإنما هي المرأة التي تجتهد وتكافح وتعمل لتحسين بيئتها ونفسها، التي تخطئ وتتعلم، تسقط وتنهض.. المرأة المثالية هي أنت.
• ما حلمك الذي لم يتحقق بَعْدُ؟
- الحقيقة التي وصلت إليها فاقت كل أحلامي، فالحلم لا يوصلني إلى الحقيقة. الحقيقة أجمل وأحلى من أي حلم حلمته في حياتي، وهذا أولاً بمشيئة الله سبحانه وتعالى، ثم بفضل القيادة الرشيدة، وأهلي، وبلادي. ولا توجد كلمات كافية تعبر عن امتناني. الاجتهاد طبعاً مهم؛ فالاجتهاد هو من الأساسيات لتحقيق الأهداف. في كل عمل أقدمه، أطمح أن يقال حواء المنصوري كانت إضافة نافعة لنا.
• من تعايدين من النساء بمناسبة يوم المرأة الإماراتية؟
- أعايد سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك (أم الإمارات)، الله يطول بعمرها. ونجدد وعدنا على مضاعفة جهودنا للعمل بما فيه خير للدولة. أعايد دولتنا قيادة وشعباً. كما أود أن أعايد المرأة الإماراتية، في الماضي والحاضر، فهي تمثل جوهر وقلب المجتمع الإماراتي بعاداته وتقاليده وقيمه السامية. ولا أنسى أن أحيي كل امرأة عملت بجد؛ لزرع العادات والتقاليد والفخر بماضي هذا المجتمع، والتفاؤل بمستقبل مشرق يبنى بأبنائنا، والأجيال القادمة. وأحيي كل رجل؛ لدعمه أخته المرأة الإماراتية، ونؤكد أننا سنقف دائماً مع إخواننا، جنباً إلى جنب، في مسيرة بلادنا الحبيبة.