ساقت خطى الجمال الأديبة والشاعرة والمخرجة السينمائية الإماراتية، نجوم الغانم، إلى مناخات خصبة من الفنون البصرية؛ لتقطف من كل روضة زهرة؛ فتتفتح على يديها أجواء تصخب بالتميز والفرادة. آمنت بالتجريب، مستلهمة رؤية وجودية، أكدت بها ذاتها، متكئة على مملكة من الخيال صاغت مبادئها للريادة والابتكار.. في حوارنا معها، حدثتنا عن تجربتها الملونة المبدعة، ومشاركتها الأخيرة في مهرجان أبوظبي للفنون 2022:
• تجولت موهبتك عبر عوالم إبداعية عدة.. حدثينا عن ذلك!
- هذا صحيح؛ فهناك تجارب إبداعية عدة، مررت بها، مثل: التشكيل والسينما والشعر، ولكل موهبة منها مرحلة سنية، فهناك أشكال إبداعية بدأتُ في تجريبها عندما كنت في سن مبكرة، مثل الرسم، وأخرى بعد أن كنت في مرحلة «الثانوية العامة»، مثل الشعر، وأخيراً السينما، وهي خيار كان مرتبطاً، أيضاً، بالفنون الجميلة، حينما كنتُ أدرس في الجامعة بالولايات المتحدة، وحظيت بالتشجيع من أستاذ الفنون على استخدام الفيديو في أعمالي الفنية. وهكذا، بدأت التسجيل في مساقات السينما؛ لأتمكن من التعلم والتدرب - بشكل أعمق - على التصوير والإنتاج.
تجربة إبداعية
• إلى أيّ مدى كانت هذه العوالم منفتحة على بعضها، وكيف؟
- تلك المرحلة شهدت توظيف الأشكال الثلاثة في عمل واحد، حيث عملت على مشروع فني بعنوان «بين السماء والأرض.. الجسد الذي استعرته»، وكان ذلك عام 1994، وكانت الملاحظات التي تلقيتها تصب في أن فرادة العمل تنطلق من اتكائه على الشعر من جهة، وتقاطعه مع الفنون البصرية والأدائية غير النمطية من جهة ثانية. وكان على هذا العمل أن ينتظر سنوات طويلة؛ ليرى النور في الإمارات، ثم حظي باختياره ضمن الأعمال التي شاركت في جناح دولة الإمارات في بينالي البندقية عام 2017، ضمن معرض «حجَرة، ورقة، مقص.. ممارسات اللعب والأداء». أحياناً، لا نعرف كيف يمكن أن يحدث هذا الزواج بين الأشكال الفنية؛ حتى ينجح التجريب فيها. ولا شك في أن الفنون تنتمي إلى بعضها، ولكن البشر بطبيعتهم يضعون الحدود لتمييزها، ويرتاحون لتصنيفها، ووضعها في قوالب ثابتة.
إقرأ أيضاً: Reflections of Middle Eastern Majesty من The Edit by Zahra في أكبر المتاجر بالإمارات
• أي الأنساق الفنية كانت لها القدرة على التعبير عما أردت إيصاله إلى المتلقي؟
- بالنسبة لي الشعر، دائماً، يحتل ضفة، والأنساق الأخرى تحتل ضفة موازية؛ إذ لديه قدرة سحرية هائلة على أن يكون مختلفاً وموحياً وشفافاً وموجعاً ومبهجاً، بما يمتلكه من سطوة وحضور، وإمكانية النفاذ إلى المشاعر، وهو أداة تعبيرية تحتمل وتستوعب التصوير، وتكثيف الحالات النفسية، ووصفها بلغة تنتمي إلى العوالم التي يقوم الكاتب بتركيبها أو بنائها، وفق لغته وأسلوبه. والشعر يتميز بالعمق والرمزية والجمال، ولديه القدرة على إضفاء أبعاد جوهرية؛ حينما يتم مزجه مع الأشكال الفنية الأخرى. لكن عليَّ أن أعترف، أيضاً، بأن كلمة فن (Art)، هي الأوقع كعالم أنتمي إليه، وأفكر، وأحلم، من خلاله. وبهذا، فإن الشعر يأتي كإحدى الأدوات، التي يمكن توظيفها في الفن، وأيضاً هو جزء لا يتجزأ من المنظومة الشاملة للفن.
• من أي نافذة تطل تجربتك الإبداعية الجمالية؟
- أنتمي إلى اللغة العربية، ومنجزها، وهويتي الثقافية مرتبطة بها. على الصعيد الفكري والفني، أجد نفسي أنتمي إلى ما بعد الحداثة فنياً وشعرياً وفلسفياً.، وكانت تشغلني كثيراً أسئلة الحداثة الأوروبية، ومحاولات تفكيك الخطاب التقليدي، وتأثير ذلك فينا كشعوب شرق أوسطية عموماً، وفي ثقافتنا من ناحية ثانية. تعلمت من الأسئلة الحداثية، التي جاءت كنتاج لمعاناة البشرية، بسبب الحروب، والتطرف الديني والسياسي، والشتات.
انحيازات وجدانية
• من أين تنبع أسئلتك الوجودية؟
- كانت الفلسفة، ومازالت، مصدر التساؤلات عندي، والرغبة في الاكتشاف على الصعيد المعرفي والجمالي، وأدين في هذا الأمر للفيلسوف الفرنسي، غاستون باشلار، ومنهجه «الظاهراتي»، الذي جعلني أقرأ الشعر بشكل مختلف. وتغيرت نظرتي إلى مكامن الجمال في الأعمال الفنية، بسبب أطروحاته، ثم قادتني قراءته إلى فلاسفة آخرين، وبحث آخر في التحليل النفسي، ونظرية المعرفة على وجه الخصوص. لكن الإبداع مستوى آخر، وتحدياته من نوع مختلف؛ فالثقافة النظرية تجعلنا أكثر وعياً بالأشكال والأنساق والتجارب الفنية المختلفة، وخلفياتها، وخصوصياتها. أما الإبداع، فيحتاج إلى إلهام، والإلهام يأتي من خلال المرور بتجارب استثنائية، حسب ما أعتقد.
إقرأ أيضاً: رولا شعبان: الإنسان والحيوان «صحة واحدة»!
• بين شعرية اللغة وشعرية الصورة.. حدثينا عن انحيازات وجدانك؟
- أنحاز إلى الشعرية المُتضمَنة في كل شكل إبداعي، أجد الراحة والانسجام الكاملين في تعاطيه، فهي المقياس الجمالي الذي أسعى لأن أضاهيه بمحاولاتي في كل ما أنتجه. حينما أذهب إلى السينما أكون قادمة من الشعر، والعكس صحيح. وحينما أقف خلف الكاميرا، أتساءل: ماذا يوجد هناك في ما يتم تصويره، يُحرّض على التساؤل عن الجماليات المختبئة خلف هذه الصورة أو تلك؟
• هل استطعت، من خلال تجربتك الفنية، أن تعبري عن هموم النساء وطموحاتهن؟
- أحياناً أشعر بالارتباك؛ حينما يُوجّه إليّ هذا السؤال؛ إنها مسؤولية كبيرة أن تري نفسكِ في محل الناشط؛ للتعبير على هموم النساء كافة. أحاول أن أتناول حكايات النساء من منطلق إنساني ووجداني، وبشكل يليق بهن، وبشخصياتهن، وعطائهن، وأتمنى أن أكون قد وفقت في هذه المهمة.
«عبور» في مهرجان أبوظبي 2022
عن طبيعة البصمة الإبداعية، التي تسعى نجوم الغانم إلى وضعها من خلال مشاركتها في مهرجان أبوظبي 2022، عبر «عبور»، قالت: «كنتُ أتطلع إلى عودة (عبور) إلى الإمارات، وأن يشاهده الجمهور في البيئة التي أنتمي إليها كإنسانة، والتي ينتمي إليها العمل كمكان تم تصوير الجزء الأكبر منه فيها. إنه عمل فني يجمع الأنساق التي نتحدث عنها من شعر وسينما وأداء حي وفنون بصرية تشكيلية وموسيقى، ومشاعر لا يمكن وصفها بالكلمات، لكن يمكنك أن تشعر بها؛ حينما تدخل تجربة مشاهدة العمل. أتمنى أن يقيم العمل حواراً مع الزائر، وممتنة لـ(أبوظبي آرت)، ومجموعة أبوظبي للثقافة والفنون، والجناح الوطني لدولة الإمارات في البندقية، ومؤسسة الشيخة سلامة بنت حمدان آل نهيان، على تعاونها المشترك؛ لتخصيص مساحة له، ضمن هذه الاحتفالية الفنية الكبيرة».