وظائف تختفي وتتوارى بعيداً عن الأنظار، وأخرى يزداد الطلب عليها حالياً ومستقبلاً، وتبقى كلمة السر هي «الرقمنة». فالتحول الرقمي - الذي يشهده العالم بصورة متسارعة - أحدث تغييراً لافتاً في سوق التوظيف، وأظهر العديد من القطاعات والتخصصات التي لم تكن موجودة حتى عهد قريب، وفتح - بدَوْره - آفاقاً واعدة في عالم الأعمال وأسواق العمل. وهذه المعطيات تشكل ضغوطاً على الكثير من أولياء الأمور عند اختيار التخصص الجامعي المناسب لأبنائهم، خاصة جيل الألفية «جيل Z» (أي المولودون بعد عام 2000)، بحيث يضمن لهم وظيفة، تقيهم شبح البطالة. وفي ظل ضبابية سوق العمل عالمياً، يحدد علي مطر، رئيس «لينكد إن» في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والأسواق الأوروبية الناشئة، خارطة طريق لوظائف المستقبل، في الحوار التالي:
• ما توجهات أسواق العمل العالمية حالياً، خاصة بعد جائحة «كوفيد - 19»؟
ـ بدأت معظم الشركات عمليات التحوّل الرقمي قبل أزمة «كوفيد - 19» وتأثيراتها، إلا أن «الجائحة» سرعت هذه العمليات، وجعلت التحول الرقمي أولوية استراتيجية. وأصبحت المؤسسات اليوم - أكثر من أي وقت مضى - تعتمد أكثر على تقنيات الذكاء الاصطناعي، والتعلم الآلي؛ لإنجاز المزيد من عملياتها. ومع تغير ملامح سوق العمل، بات من المؤكد أن التكنولوجيا ستُحدث تحولات نوعية في توجهات الاستثمار برأس المال البشري، وطبيعة المهارات والكفاءات المطلوبة التي يحتاجها السوق في السنوات القليلة القادمة.
• ما المهن التي يقبل عليها الشباب في الآونة الأخيرة؟ ولماذا؟
ـ حسب أحدث بيانات «لينكد إن» للوظائف الأسرع نمواً في المنطقة، فإن 6 من الوظائف الـ10 الأسرع نمواً في الإمارات والسعودية قائمة على المهارات الرقمية. ونتوقع أن تشهد الوظائف، التي تعتمد على التكنولوجيا في دولة الإمارات، تزايداً أكبر في الطلب، خلال السنوات المقبلة، ما يحفز الشباب على تنمية وتطوير مهاراتهم الرقمية؛ لمواكبة سوق العمل.
رواتب.. وترقيات
• هل هناك فرق في الامتيازات الوظيفية بين الرجل والمرأة؟
ـ تشير بيانات آخر دراسة، أجرتها «لينكد إن» حول «فجوة الشعور بالاستحقاق» بين الرجال والنساء عالمياً، إلى أن النساء يشعرن بأنهن لا يحصلن على زيادة في الرواتب أو الترقيات بالقدر نفسه الذي يشعر به الرجال. وأن النساء تأثر عملهن بشكل كبير وقت تفشي «كورونا»، حيث وجدت الدراسة أن وظائف النساء أكثر عرضة للتأثر بالصدمات الاقتصادية، واضطراب الأعمال من وظائف الرجال.
• ما الوظائف الأكثر طلباً في الإمارات والسعودية؟
ـ في الإمارات، تصدرت خمس وظائف قائمة الوظائف الأسرع نمواً، وهي: (منسق المحتوى، ومطور الواجهات الخلفية، وعالِم البيانات، ومسؤول تطوير الأعمال، ومنسق التجارة الإلكترونية)، بينما احتوت قائمة أسرع 5 وظائف نمواً في السعودية على: (أخصائي أمن سيبراني، وأخصائي قانوني، وأخصائي عمليات الموارد البشرية، وأخصائي استقطاب المواهب، ومصمم تجارب المستخدمين).
• ما أهم المهارات الأكثر طلباً في المنطقة؟
ـ تعد تخصصات البيانات الضخمة، وأمن الشبكات، والتعلم الآلي، من أسرع المهارات نمواً وطلباً في منطقة الشرق الأوسط، حيث لاتزال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي على رأس الخطط الاستراتيجية لدول المنطقة.
إقرأ أيضاً: سامي الرميان: أحكي القصة بالصورة
ترك الوظيفة
• من وجهة نظرك.. هل الموظفون على ثقة ببقائهم في وظائفهم؟
ـ أظهرت الدراسة الجديدة، التي أجريناها في «لينكد إن»، أن 9 من كل 10 مهنيين في الإمارات والسعودية يشعرون بالثقة بالبقاء في وظائفهم الحالية، ما يشجعهم على استكشاف فرص جديدة. وقد أبدى 78% من الموظفين في الإمارات والسعودية انفتاحهم على فرص جديدة؛ لتغيير وظائفهم خلال العام الجاري، وهذا لا يعني بالضرورة أن وظائفهم الحالية لا ترضيهم، بل يشير إلى ثقتهم بقدراتهم، وبآفاق سوق العمل، وتطلعهم نحو فرص أفضل.
• ما الأسباب التي تجعل الموظف يفكر في ترك وظيفته؟
ـ تعد الرواتب وفرص تطوير المهارات، من العوامل الرئيسية لتغيير الوظيفة، حيث ذكر 48% من المشاركين في الدراسة السابقة أن زيادة الدخل سبب أساسي للتفكير في وظيفة جديدة، وأشار 50% إلى أن زيادة الراتب ستقنعهم بالبقاء في مكان عملهم الحالي. كما أظهرت الدراسة أن 45% من المهنيين سيغيرون وظائفهم؛ إذا وجدوا فرصة لتطوير أو اكتساب مهارات جديدة.
• ما أهمية إعادة تقييم الشركات لنهجها في التوظيف؟ وكيف سيكون ذلك؟
ـ مع التحولات الجذرية، التي يشهدها العالم نتيجة «الجائحة»، تجد الشركات ضرورة ملحة لإعادة تقييم نهجها، وتحديث طرق التفكير في ممارسات التوظيف التي تعتمدها؛ إذا أرادت التكيف، ومواكبة سوق العمل المتغير. ونرى أن المرشحين للوظائف قد أصبحوا أكثر انتقاءً للشركات التي يودون التقدم إليها، آخذين بعين الاعتبار عوامل عدة، مثل: المرونة، والرواتب، وثقافة الشركة، وهذا يشير إلى ضرورة تحديث الشركات لعمليات التوظيف، والثقافة المؤسسية، ونماذج العمل الجديدة.
التخصص المناسب
• ما نصيحتك للشباب الجامعي عند اختيار التخصص المناسب لسوق العمل؟
ـ أنصح الشباب بتتبع اتجاهات التوظيف، والاطلاع المستمر على توجهات سوق العمل. فالبيانات المتوفرة على شبكات التوظيف، مثل شبكة «لينكد إن»، ومنها قوائمنا للوظائف الأسرع نمواً مثلاً، تمنح الشباب فكرة عن التخصصات والمهارات الصاعدة، التي ستشهد معدلات عالية من التوظيف، خلال السنوات المقبلة. وأوصي، أيضاً، بتوسيع شبكة العلاقات المهنية على «لينكد إن»، وتفعيل خاصية الحصول على تنبيهات حول إعلانات الوظائف الجديدة في المنظمات والشركات التي يحلمون بها، وأنواع الوظائف التي يريدونها. ومن المهم إنشاء ملف تعريف احترافي ومحدّث على الشبكة، مع الحرص على إبراز المهارات ذات الصلة، والتأكد من تفعيل خاصّية «منفتح على فرص العمل»، وكذلك استخدام منصة «لينكد إن» للبحث عن أصحاب العمل، ممن لديهم إعلان «أنا أوظف»، أو «نحن نوظف» في ملفهم الشخصي. كما أنصح، أيضاً، بتعزيز المحتوى، وإكمال جميع أجزاء الصفحة الشخصية، ووضع صورة شخصية مناسبة.
مكتسبات جــديدة
رغم أن 65% من النساء المشاركات في الاستبيان، اتفقن على وجود حالات تشعر فيها المرأة بأنها تحصل على امتيازات أقل من الرجل في أماكن العمل، خاصة في قطاعات، مثل: الإعلام، والتواصل، والتسويق (77%)، فإن المرأة في المنطقة، كما في النموذج الريادي لدولة الإمارات، تواصل تحقيق مكتسبات جديدة في سوق العمل، بفعل سياسات تمكينها ضمن الرؤى الاستراتيجية لدول المنطقة، والسعي المتواصل لتحقيق التوازن بين الجنسين في مختلف المجالات.