ليس من المستغرب - شئنا أم أبينا - أننا جميعاً، وبشكل طوعي، نرزح تحت طائلة برنامج متكرر، يسيّر أيامنا ولحظات حياتنا، حتى إننا - في أغلب الأحيان - نتحول قسراً إلى ما يشبه الآلة، التي تتحرك وفق وتيرة معينة لا تتغير.
وإذا ما أردنا حصر التأثير النفسي - تحديداً - لهذا الروتين في جوانب حياتنا، فسنجد أن معظمنا يعيش حياته بوتيرة مضجرة ومملة، يتبرم المرء منها طوال الوقت، دون أن يجد سبيلاً لتغييرها؛ لكن الله سبحانه وتعالى - وبالإضافة إلى كل ما يتفضل به علينا من نعم لا تُعدُّ ولا تُحصى - يجزل لنا العطاء، بأن يضع لنا برنامجاً سنوياً، يضمن لنا كسر دائرة الملل التي تصيب حياتنا؛ وذلك بتحديد شهر رمضان الكريم، وتمييزه عن بقية الشهور.
يكاد لا يختلف اثنان على خصوصية هذا الشهر الكريم بكل مظاهره، ونحن في حمَّى حياتنا الاستهلاكية نظل نترقب هذا الشهر بفارغ الصبر، وعادةً نبدأ في التهيئة لأيامه منذ بداية شهر شعبان.
لكن المفارقة أن كثيرين منا يتهيؤون لهذا الشهر الفضيل بمظاهر استهلاكية، دون أن يلتفتوا إلى التهيئة الروحانية والنفسية المطلوبة!
حينما نتوقف أمام قول نبينا الكريم، صلى الله عليه وسلم، وهو يزفُّ إلينا هذه البشرى الإلهية: «أتاكم رمضان، شهر مبارك فرض الله عزَّ وجلَّ عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغلُّ فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرِمَ خيرَها فقد حُرِمَ».
فنحن أمام مبدأ راسخ، سنَّه الرسول، صلى الله عليه وسلم، بأن يكون هذا الشهر الكريم شهر كرامات ورحمات، لا يجدر بالإنسان أن يضيعها من بين يديه، وأمام فرص على الإنسان استثمارها؛ ليعيد إلى روحه الشغف بالحياة، ويصحح أخطاءه، ويكسر روتين حياته الذي استنزفه طوال عام كامل.
في عالم الغرب، توفر بعض المراكز العلاجية للمترفين الانقطاع عن حياتهم العادية، وإعادة شحن أيامهم وطاقاتهم بتمارين جسدية وتأملية؛ بغية التسامي بأرواحهم، ومعالجتها من كل ما يعلق بها من أوجاع وهموم طوال العام. لكن ديننا الإسلامي يعطينا كل ذلك ونحن في بيوتنا، دون أن نتكبد المال الذي قد يرهقنا.. فهل نحن على استعداد لتلقي هذه الهبة الإلهية؟