هناك أشياء غريبة تتسلل نحونا بخبث، تنخر أجسادنا، وحينما نكتشفها يكون قد فات الأوان. السرطان أحد تلك الأشياء التي تُضللنا؛ فتنتصر - في أحيانٍ كثيرة، في معركة غير متكافئة - علينا. لكن، ماذا لو كان هذا السرطان في المبيض؟ ماذا لو اكتشفناه في مرحلته الأولى؟ وماذا عن جديد علاجات هذا النوع من سرطانات النساء؟ النساء يعرفن كثيراً عن سرطان الثدي، لكنهنّ يجهلن الكثير عن سرطان المبيض، وهذا بيت القصيد في هذا الموضوع بالذات، فكيف يمكن التصدي لِما نجهل؟ وهل مسموحٌ في القرن الواحد والعشرين بأن تجهل (أو تتجاهل) المرأة إشارات جسدها؟.. نعم، هناك إشارات كما الومضة، خافتة، لكنها تبقى إشارات يفترض عدم تغاضي أي امرأة عنها.

يقول رئيس المجموعة اللبنانية لمعالجي الأورام السرطانية النسائية، الدكتور دافيد عطا الله، إن «أكثر من 60% من حالات سرطان المبيض تُشخّص في مراحل متقدمة، وتكون فيها الأورام قد خرجت من البطن والحوض وانتشرت. وهذا لا يجوز، لأن 90% من حالات التشخيص المبكر يُكتب لصاحباتها الشفاء، في حين أن نسبة الوفيات تكون عالية جداً عند النساء اللواتي يتأخرن في العلاج. فمن بين كل عشر نساء تُشخص حالاتهن متأخراً تموت سبع. وسرطانات الجهاز التناسلي هي القاتل الأول عند النساء». التحدي الأوّل إذاً هو اكتشاف الورم الخبيث في المبيض مبكراً.

فلنعرف أكثر عن الموضوع.. سرطان المبيض يبدأ في المبايض، لكنه قد ينتهي في أي عضو آخر، ويحتوي الجهاز التناسلي عند المرأة على مبيضين اثنين، يكون كل واحد منهما بحجم حبّة اللوز، ومهمتهما إنتاج البويضات، وهرمونَي الأستروجين والبروجيستيرون.

سؤالٌ يُطرح: لماذا يُصيب هذا النوع من السرطانات النساء، ولماذا يفترض أن نعرف أكثر عنه؟

يجب أن نقرأ بتمعن شديد، مرة ومرتين وأكثر، لأن الاكتشاف المتأخر يجعل العلاج صعباً جداً وأحياناً محالاً؛ فسرطان المبايض، كما يعود ويكرر الدكتور عطا الله، لا يؤدي إلى ظهور أعراض، وتتسبب فيه خلية تخرج عن نطاق عملها، وتبدأ في «الفبركة»، والتكاثر، وتفقد القدرة على الموت، أي تصبح خالدة، وتتسبب في احتمالات كثيرة.. أحلاها مرّ.

النوع الثامن

سرطان المبيض هو النوع الثامن من السرطانات الأكثر شيوعاً بين النساء. والسؤال: من النساء المعرضات للإصابة؟

حينما تتقدم المرأة في العمر تُصبح معرضة أكثر للإصابة. ووجود طفرات جينية متوارثة عامل آخر يعزز إمكانية الإصابة بسرطان المبيض، ومثله التاريخ العائلي، والعلاجات ببدائل الأستروجين، والميعاد المبكر والتأخر في الوصول إلى مرحلة انقطاع الطمث، ومشاكل الخصوبة التي تستدعي استخدام بعض أنواع العلاجات والسمنة الزائدة، ويشرح طبيب الأورام السرطانية النسائية: «أنه قد تمرّ أعوام كثيرة بين الإصابة واكتشاف السرطان، في هذه الفترة قد تخال المرأة عند ظهور بعض الأعراض أنها عادية، وقد تعطي نفسها مبررات كثيرة بشأنها. وفي كلِّها تستبعد الإصابة بسرطان المبيض، فالمرأة قد تشعر ببعض الآلام في البطن، وبانتفاخات، وقد تقول في سرِّها: ربما تناولت شيئاً أضرّ بي، وقد تشعر بوهن عام في جسدها، وربما بآلام أثناء العلاقة الزوجية، وهذه ليست مجرد أعراض يفترض غضّ النظر عنها».

فلنفترض أن المرأة التي أمامنا تتحلى بكامل الوعي، ومتنبهة لأيّ عارض قد يلمّ بجسدِها. لكن، ما نصيحة الطبيب لها؟ ما الخطوات الأولى التي يفترض القيام بها إذا شعرت المرأة بخللٍ صحيّ ما؟ يجيب الدكتور عطا الله: «فلنبدأ بالفحص السريري، وإجراء اختبارات معينة على الحوض، وقد نكتشف ورماً فيه، وربما وجود انسداد ما، ما يدفعنا إلى مزيد من الفحوص، والصورة الصوتية مطلوبة، وقد نكتشف - من خلالها - ما إذا كان هناك كيس أو مياه في البطن، وحينما نشك أكثر؛ نطلب إجراء تصوير مقطعي للبطن، وأيضاً صورة الرنين المغناطيسي (MRI)، لتحديد طبيعة الورم».

وماذا عن اختبار الدم؟ يجيب عطا الله: «نجري قياس اختبار الدم (CA 125)، لمراقبة السرطان وتشخيصه مبكراً، لكنه يظل دليلاً غير نهائي».

والعلاج قد يكون جراحياً، أو كيماوياً، أو كلا العلاجين معاً. أما حجر العلاج الأساسي، فيكون من خلال العمل الجراحي، ويتضمن إزالة الكتلة والرحم والمبيض، ثم إعطاء العلاج الكيماوي.

 

إصلاح الجينات

ولعلّ المشكلة التي يتوقف عندها الدكتور عطا الله هي أن كثيراً من المستشفيات التي يُجرى فيها هذا النوع من العلاجات، غير مؤهلة، ويستطرد بالقول: «العلاج دقيق جداً، ويفترض أن تتم إزالة كل بقايا ورواسب السرطان إلى حدود الصفر، وأي ميليمتر يبقى يؤثر سلباً. أما العلاج الكيماوي فيستحسن أن يكون أربع جلسات، وليس خمساً أو ثلاثاً، وهدفه إيقاف الخلايا التي تتكاثر». وفي هذا الإطار، يتحدث الدكتور عطا الله عن «علاجات جديدة مستهدفة، نبحث من خلالها عن علاجات موجهة، أشبه بمفاتيح علاجية». ويضيف: «هناك تكامل بين العلاجين الجراحي والكيماوي، وهناك سيناريوهان: الأول: نقوم بالعمل الجراحي، يليه العلاج الكيماوي. وفي الثاني، في الحالات التي يكون فيها الخبيث قد انتشر، نبدأ بالعلاج الكيماوي من أجل تقليص الورم، ثم الجراحة. وعلى كل حال، يفترض أن تعرف المرأة أنه لا توجد سيدة في الكون مثل سواها. وتقييم الطبيب يفترض أن يكون بحسب كل سيدة على حدة. وما يهم اليوم أكثر من كل يوم، هو أن تعرف المرأة بوجود مستجدات كثيرة في هذا الموضوع، سواء لجهة دقة التشخيص أو العلاج. وهناك علاجات جديدة لها علاقة بالتأثير الجيني في الخلية، وكيفية إصلاح الجينات التي تؤدي إلى بروز السرطان. رجاءً، انتبهن إلى ما تتخيلن أنه مجرد «نفخة في البطن»، أو عسر هضم، أو «سترس» في المعدة، أو «ليفة» أو مصران غليظ، أو تعب وسيمرّ.. فالأمر قد يكون إشارة إلى ما هو أبعد من ذلك، وكلما اكتشفتن ما بكنّ مبكراً، كلما كُتب لكنّ الشفاء.

 

كارولين: «افعلنَ مثلي»

«اختبرتُ سرطان المبيض ونجوت. نحن ثلاث شقيقات، وشقيقتي الكبرى توفيت بسببه؛ لذا حرصتُ - دائماً - على القيام بالفحوص النسائية السنوية. وإثر زيارتي الدورية، عام 2016، اكتشفتُ وجود كيس على المبيض؛ فأجريتُ فحص الدم وشخّص الطبيب إصابتي بسرطان المبيض في مرحلته الأولى، وأخذتُ البروتوكول الطبي. وقال لي الطبيب فرحاً: أتيت في الوقت المناسب. فخضعتُ للعلاج الكيماوي، وها أنا اليوم بصحة جيدة. التزمتُ بالفحوص الروتينية، وهذا ما ساعدني على الاكتشاف المبكر. افعلن مثلي، ولا تخفن من اكتشاف المرض أو أي مرض مبكراً، فأنا لو لم ألتزم بالفحوص الروتينية لما كنتُ اليوم حيّة. وقد اكتشفت شقيقتي الخبيث نفسه في مرحلته الثالثة، أي متأخرة، فتوفيت. أرجوكنّ خلصن حياتكنّ، وراقبن أنفسكن، راقبن أي تطور يطرأ على الجسم، خصوصاً إذا كنتنّ تتحدرن من عائلات سبق وعانت فيها الأم أو الجدة أو العمة أو الخالة سرطان المبيض.

 

شهيرات واجهن المرض.. فانتصرن

كثيرات أصبن بسرطان المبيض، بينهنّ نساء عرفناهنّ في ألقهنّ، منهنّ من اعترفن بإصاباتهنّ، وتكلمن عن «خصوصيات» مررنَ بها، ومنهنّ من حاولن الانطواء والابتعاد عن الأضواء. فهل يخجلن من ذلك، أم أننا مازلنا بحاجة إلى مزيد من الوعي عن هذا الموضوع بالذات، خصوصاً في عالمنا العربي؟ نبحث بين الأسماء علّنا نتعلم من جرأة من نتابعهنّ في عالم الموضة والتمثيل والغناء؛ فنجد أن الأجنبيات متحررات أكثر في اعترافاتهنّ، ويحكينَ تجاربهنّ. فلنأخذ، مثلاً، المغنية الأميركية أنجيلا وينبوش، التي اكتشفت إصابتها في عمر 47 عاماً، وبدلاً من أن تنطوي على نفسها، رفعت صوتها عالياً، وطلبت إدراج أقسى اللحظات التي مرت بها في سلسلة وثائقية. فوينبوش امرأة بالفعل قوية، واعتبرت مثالاً يفترض أن تحذوه نساء الأرض اللواتي يختبرن ما عاشته، ويقررن المضي في هزيمة السرطان.

المغنية مارسيا باريت، وهي تتحدر من جامايكا، شعرت هي، أيضاً ذات يوم، بألم شديد في بطنها، اكتشفت على أثره - بعد فحوص كثيرة - إصابتها بهذا النوع من السرطانات النسائية، وقد تكلمت مراراً عن صعوبة اكتشاف سرطان المبيض، وحثت نساء الأرض على أن ينتبهن إلى أي إشارات، ولو كانت بسيطة.

الممثلة الهندية مانيشا كويرالا عانت - بدَوْرها - كثيراً، واعتبرت مثالاً للنساء اللواتي قاومن الألم، وأصررن على بث الوعي بين بنات جنسها، ومثلها لاعبة الجمباز الأميركية شانون ميلر.

من جهتها، اكتشفت الممثلة والمغنية الأميركية، فاليسيا لاكاي، إصابتها في سنّ الرابعة والثلاثين، وعُرفت بقوتها وإيجابيتها، وعُينت متحدثة باسم التحالف الوطني لسرطان المبيض، بعد ثلاثة أشهر من تشخيص مرضها، وقد كرّست نفسها لتثقيف الشابات، خصوصاً النساء ذوات البشرة الملونة، حول سرطان المبيض، فهي أميركية من أصل أفريقي.

الممثلة وعارضة الأزياء الكندية، كوبي سمولدرز، شُخصت إصابتها بعمر الخامسة والعشرين. وفي البداية، أخفت مرضها، لكنها قررت أن تواجه المرض في العلن، مؤكدة وجوب اهتمام نساء الأرض بصحتهن.

الممثلة المصرية حورية فرغلي لم تكن يوماً حياتها سهلة؛ فوالدها انفصل عن والدتها، ولها من ساعات العمر 48 ساعة. أتتصورنَ؟ حُكي كثيراً عن إصابتها بأحد السرطانين «الرحم»، أو «المبيض»، لكنها عادت، وكشفت أنها لم تُصب بالسرطان بل بأورام حميدة، استأصلتها من الرحم وحرمتها الإنجاب، وما حصل معها تكرر مع شقيقتها، أيضاً، بسبب مرض وراثي.

على كل حال.. ليس سهلاً على النساء التكلم في هذا الموضوع بالذات؛ لأن له علاقة بقدرتهنّ على الإنجاب، وليس سهلاً على أنثى في مقتبل العمر - شهيرة أو غير شهيرة - أن تقف، وتقول: أعاني سرطان المبيض!