عثر خبراء الآثار من دائرة الثقافة والسياحة- أبوظبي على مجموعة بُنى أثرية غيرت المعتقدات بشأن أقدم تاريخ معروف للإمارة ودولة الإمارات العربية المتحدة والمنطقة بأكملها. ويعود تاريخ هذه المكتشفات الجديدة إلى أكثر من 8500 عام مما يشكل دليلاً على أن هذه المنطقة أقدم بنحو 500 عام عما كان يُعتقد في السابق. 
وعُثر على تلك الاكتشافات في جزيرة غاغا غرب مدينة أبوظبي عام 2020، ومنذ ذلك الحين يجري فريق الدائرة تحليلات علمية للبُنى والمكتشفات التي وجدت فيها. وأجرى الخبراء تحليل الكربون 14 لشظايا الفحم أظهر أن عمر البُنى لا يقل عن 8500 عام- متجاوزةً بذلك الرقم القياسي السابق لأقدم بُنى معروفة تم اكتشافها في دولة الإمارات؛ في جزيرة مروح المجاورة على وجه التحديد. 

لقد كان يُعتقد سابقاً أن طول طرق التجارة البحرية حفز الناس على الاستيطان في المنطقة والتي تطورت خلال العصر الحجري الحديث، لكن الاكتشافات الأخيرة تثبت أن مستوطنات العصر الحجري الحديث كانت موجودة قبل بدء الحركة التجارية، أي أن الظروف الاقتصادية والبيئية المحلية شجعت وجود أول مستوطنة بشرية في المنطقة فيما يُعرف اليوم بدولة الإمارات العربية المتحدة. والجزر التي ظُن سابقاً أنها أرض قاحلة لا تصلح للعيش، كانت "ساحلاً خصباً". وهو دليل يغير الصورة المرسومة عن جزر أبوظبي في التاريخ الثقافي للمنطقة عموماً.
وقال معالي محمد خليفة المبارك، رئيس دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي: "تكمن أهمية البحث الأثري في كونه يضع توثيقاً دقيقاً للتاريخ، فهو يساعدنا على فهم أسلافنا وتاريخ استقرارهم وبناء منازلهم قبل 8500 عام. وتعكس المكتشفات الجديدة في جزيرة غاغا خصال الابتكار والمرونة التي تحلى بها سكان هذه المنطقة منذ آلاف السنين. كما أنها تبرز أهمية التاريخ، وتُضيء على الروابط الثقافية المتينة بين الشعب الإماراتي والبحر. في حين ما زالت تحتضن أبوظبي كنوزاً كثيرة لاكتشافها". 
وقبل اكتشافات جزيرة غاغا، تم العثور على أقدم البُنى المعروفة في دولة الإمارات في جزيرة مروح قبالة ساحل أبوظبي أيضاً. وتشير المكتشفات الجديدة في غاغا، إلى جانب مكتشفات مروح، أن جزر أبوظبي كانت نقطة محورية للابتكار والاستيطان البشري خلال العصر الحجري الحديث- العصر الذي شهد تغييرات جوهرية في معظم أنحاء العالم. 
الجدير بالذكر أن البُنى المُكتشفة هي عبارة عن غرف دائرية بسيطة بجدران مصنوعة من الحجر وبارتفاع واحد يصل إلى المتر تقريباً. كانت هذه الغرف على الأرجح منازل لمجتمع صغير استوطن في الجزيرة بشكلٍ دائم على مدار العام. وتم العثور على مئات القطع الأثرية داخل الغرف، بما في ذلك رؤوس سهام حجرية دقيقة الصنع ربما تم استخدامها للصيد. كما تؤكد اكتشافات اعتماد هذا المجتمع على موارد البحر الغنية. وليس معلوماً حتى الآن كم استمر وجود المستوطنة، لكنها بقيت جزءاً هاماً من المشهد الثقافي حتى بعد هجرها. وقد عُثر على شخص مدفون في أنقاض البُنى منذ ما يقارب 5 آلاف عام، وهي من المدافن القليلة التي تعود لهذه الفترة المعروفة من تاريخ جزر أبوظبي. 

وتندرج الاكتشافات الجديدة في جزيرة غاغا في إطار برنامج البحث الأثري الذي تجريه دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي على مستوى الإمارة، والذي يدعم مهمتها في صون وحماية والترويج لتاريخ أبوظبي العريق وتراثها الثقافي الفريد. وتحتضن الإمارة عدداً من أكثر المعالم الثقافية والتاريخية قيمةً وتفرداً في المنطقة والعالم. ومن الاكتشافات الأخرى في العاصمة، بقايا دير قديم في جزيرة صير بني ياس؛ بالإضافة إلى المواقع الثقافية المدرجة على قائمة منظمة اليونسكو في العين، والتي تضم سلسلة من الواحات والمعالم التاريخية والمواقع الأثرية والمناطق الطبيعية، وهي مدرجة في قائمة اليونسكو للتراث العالمي منذ العام 2011. 
وتشمل الكنوز الأثرية المُكتشفة في أبوظبي أيضاً مسارات من العصر الميوسيني (آثار أقدام لقطيع فيلة من نوع قديم منقرض) يعود تاريخها إلى 6-8 ملايين سنة؛ ونفق فلج عمره 3000 سنة في العين (يشير هذا الاكتشاف إلى أقدم استخدام واسع النطاق ومعروف لتقنية الري هذه في العالم)؛ وأدوات حجرية يعود تاريخها إلى أكثر من 300 ألف عام والتي تم العثور عليها خلال دراسات استقصائية حول جبل حفيت (تُظهر هذه الأدوات أن الإمارات كانت مساراً مهماً لانتشار البشر في جميع أصقاع الأرض)؛ بالإضافة إلى حصنٍ من العصر الحديدي ما زال ماثلاً حتى اليوم منذ 3000 عام، وتم اكتشافه أثناء عمليات التنقيب في موقع هيلي 14 الأثري في العين. كما تم العثور على سلسلة من المقابر التي تعود إلى أواخر العصر الجاهلي تتوزع على مناطق متفرقة في العين.