في أولى جلسات المجلس الرمضاني لنادي دبي للصحافة، التي عقدت تحت عنوان "الدراما العربية بين التلفزيون والمنصات الرقمية"، أكد المشاركون أن اختلاف جوهر الدراما والتلفزيونات العربية وأدوات العرض لم يأتِ من فراغ، بل جاء كنتيجة طبيعية لاختلاف أذواق المشاهد العربي، وأن المنصات العالمية الكبرى أصبحت تستقطب محبي الدراما والتشويق والجمهور العربي بشكل أسرع مما مضى، وأشاروا إلى أن المتابع العربي لم يعد يرتبط بفكرة الجلوس أمام شاشة التلفزيون لمتابعة الأعمال المفضلة لديه، لافتين إلى أنه على الرغم من أن منصات الإنتاج والعرض الدرامي الرقمية تحقق نجاحاً وانتشاراً عربياً، فإن التلفزيون يبقى المصدر الأول والأساسي للترفيه ومتابعة الدراما في العالم العربي، وأنه نجح في تنويع مصادره ومحتواه بما يتناسب مع مختلف منصات العرض.
واستضاف المجلس، الذي عقد مساء يوم الإثنين 26 أبريل في مقر نادي دبي للصحافة، نخبة من المعنيين بهذا المجال ضمّت: علي جابر، مدير عام قنوات "إم بي سي"، والفنان والمنتج أحمد الجسمي، والفنانة ميساء مغربي، والفنان عابد فهد، وعيسى كايد، مدير مشاريع الدراما في مؤسسة أبوظبي للإعلام، والفنانة أسيل عمران، والفنانة ديمة بياعة، وجميل ضاهر، الناقد الفني والسينمائي في قنوات "إم بي سي"، وأدارت الجلسة الإعلامية ندى الشيباني، بحضور مديرة نادي دبي للصحافة ميثاء بوحميد، وعدد من الشخصيات الفنية والثقافية في دولة الإمارات، وممثلي وسائل الإعلام المحلية والعربية، في حين راعى النادي تطبيق كل الإجراءات الاحترازية والتدابير الوقائية التي تضمن لجميع المشاركين سلامتهم، اتباعاً للإرشادات المعمول بها والمعايير المُعتمدة من الجهات الصحية في الدولة.
وبهذه المناسبة، وجهت ميثاء بوحميد، مديرة نادي دبي للصحافة، الشكر لجميع المشاركين، ولما قدموه من أفكار مهمة حول واقع البث التلفزيوني والإنتاج الدرامي وعلاقته بالمنصات الرقمية تأثيراً وتأثراً، من خلال تجارب وخبرات نخبة من المعنيين بهذا المجال، مشيرة إلى أن المجلس الرمضاني لنادي دبي للصحافة يشكل إضافة فكرية ومعرفية، عبر نقاشات تتعرض لموضوعات تلامس المجتمعات العربية.
وأضافت بوحميد: "سيستمر النادي، من خلال مجلسه الرمضاني خلال الأيام المقبلة، في تهيئة المناخ لحوار إيجابي وشفاف يجمع أهل الإبداع والإعلام والثقافة لمناقشة قضايا وموضوعات تشغل المواطن الإماراتي والعربي بصورة عامة"، مؤكدة "حرص النادي على توطيد الروابط والعلاقات وإثراء الأفكار، من خلال استضافة شخصيات مؤثرة، وبمشاركة نخبة من الإعلاميين والمبدعين".
مشروع تجاري
وخلال مشاركته في الجلسة، قال مدير عام قنوات "إم بي سي" إن المنصات الرقمية أصبحت واقعاً لا مفر منه، ما دفع حكومات للدخول على خط دعم المنصات الرقمية، سواء الموجودة حالياً أو الاستثمار في ابتكار منصات جديدة، مشيراً إلى أن اختلاف الإنتاج العربي والمحتوى المعروض ما بين التلفزيون والمنصات الرقمية مسألة يتحكم فيها العنصر المادي أولاً وأخيراً، لأن المنصات الرقمية بالنهاية هي مشروع تجاري وتبحث عن الربح وليس فقط كم ونوع الإنتاج.
وأضاف علي جابر: صحيح أن فيروس كورونا، وتداعياته، شكلت تحدياً للشاشة العربية من ناحية الإنتاج، لكن في الوقت نفسه كانت له تبعاته "الإيجابية" إعلامياً، من ناحية عدد ساعات المشاهدة التي ارتفعت في المنطقة بسبب ظروف الحجر الصحي في أغلب البلدان، مؤكداً أنه ثمة فوارق شديدة ما بين عمل المنصات الرقمية والقنوات التلفزيونية، فالمحتوى المعروض على التلفزيون لابد أن يُقدَّم على المنصات الرقمية ولكن العكس غير صحيح، فالقصص التي ترويها وتنتجها المنصات الرقمية تتميز بسقفٍ عالٍ من الجرأة في الطرح والتناول، كذلك يتميز المحتوى المعروض في هذه المنصات بقربه من الواقع لذلك يرغبه عدد كبير من المتابعين، لاسيما الشباب. مشيراً إلى أن نجاح المنصات الرقمية في المنطقة العربية مرتبط بكم الأعمال الحصرية التي تنتجها، ولا يمكن للمشاهد أن يتابع مثل هذه الإنتاجات على منصات أخرى، ولهذا الهدف يدفع المشاهد العربي مقابل ما يشاهده.
المشاهد العربي
بدوره، أكد عيسى كايد، مدير مشاريع الدراما في مؤسسة أبوظبي للإعلام، أنه من الخطأ أن ننظر إلى اختلاف الإنتاجات العربية، ومستقبل الشاشة ما بين الفضائيات والمنصات العربية، وننسى المشاهد العربي الذي تغير بدوره، بل فرض هذا الكم الكبير من التغير الذي نشاهده في مسألة المشاهدة ما بين التلفزيون والمنصات الرقمية. ورأى كايد أن تداعيات جائحة "كوفيد–19" على الإعلام والقنوات العربية كانت (محنة ومنحة) في الوقت ذاته، إذ أسهمت الجائحة في دفع صناع القرار الإعلامي نحو التغيير ووضع استراتيجيات أكثر واقعية، بناءً على التجربة التي صاحبت كورونا، لافتاً إلى أن المنصات الرقمية تتفوق على القنوات التلفزيونية في مسألة عرض المحتوى الموجه لشرائح محددة قد تناسب بيئة عربية دون غيرها، على عكس التلفزيون الذي تتسع شريحة متابعيه لتشمل كل فئات المجتمع.
وحول مسألة الرقابة على الانتاجات العربية المعروضة في التلفزيون على عكس المنصات الرقمية، التي تتيح هامشاً أكبر من الطرح كونها منصات مدفوعة، أكد الكايد أن هذه النظرة حقيقية، لكن أيضاً سقف الرقابة في القنوات العربية هبط إلى مستويات معقولة، مقارنة بالسنوات السابقة.
حالة اجتماعية
وخلال مشاركته في الجلسة الرمضانية، وصف الفنان عابد فهد التلفزيون بأنه "حالة اجتماعية"، ووسيلة عرض عائلية بالدرجة الأولى على عكس المنصات الرقمية التي تتميز بنوع من الاستقلالية، مع الاعتراف بأن الشريحة التي تفضل هذا النوع من المحتوى هي شريحة كبيرة جداً.
وقال فهد إن منظور الشاشة والمتابعة اختلف هذه الأيام، حيث لم يعد جامعاً للعائلة، كما كانت الحال قديماً، بسبب ظهور المنصات الرقمية التي بات معها كل فرد يعيش عالمه الخاص، ويطالع ما يحلو له من أعمال وبرامج يرغب فيها، متحرراً من قيود الزمان والمكان، التي ظل يفرضها التلفزيون على الجمهور لسنوات طويلة، مؤكداً أنه كفنان يهمه بالدرجة الأولى أن تحظى أعماله بالمتابعة بشكل واسع، وأن يوجد أمام مختلف فئات المتابعين سواء في التلفزيون أو المنصات الرقمية.
وأضاف أن المنطقة العربية حتى هذه اللحظة تفتقد المنصات الرقمية الخاصة، وكل ما هو متوفر الآن المنصات الرقمية التابعة لمؤسسات أو قنوات فضائية عربية، وهذه الحالة غير كافية للدخول في منافسة مع المنصات العالمية.
المحتوى المدفوع
وقالت الفنانة والمنتجة ميساء مغربي إن ثقافة الاشتراك والدفع مقابل المحتوى المعروض فكرة تلقى نجاحاً في منطقة الخليج العربي، لكن لا ننكر أن بعض البلدان العربية الأخرى لا تمتلك هذه الثقافة، بسبب وجود فوارق في طبيعة الاشتراك بهذه المنصات التي تكون في معظمها عن طريق بطاقات بنكية محددة وغير مدعومة في الكثير من الدول العربية الأخرى كوسيلة دفع، لذلك إن فكرة عرض المحتوى على المنصات الرقمية فقط وإبعاد التلفزيون كوسيلة لمشاهدة هذا المحتوى، فيها ظلم كبير للمشاهد العربي. وتابعت مغربي إن المنصات الرقمية الأجنبية أصبحت أكثر متابعة في منطقتنا العربية بسبب استهدافها للمتابع العربي، وإنتاجها أعمالاً وبرامج موجهة له خصيصاً.
بدورها، لفتت الفنانة أسيل عمران إلى أن المنصات العالمية أصبحت تستقطب الجمهور العربي أسرع فأسرع، وتضع عينيها على الأجيال الأصغر سناً، وبالتالي انسحب قطاع كبير من الجمهور شيئاً فشيئاً من دوامة الجلوس أمام شاشة التلفزيون لمتابعة أعماله المفضلة، من دون فواصل إعلانية. ومع إنشاء منصات إلكترونية جديدة، أثبتت جدارتها بما تعرضه حصرياً، وأصبح قطاع الشباب لا يقتربون من القنوات الفضائية إلا في ما ندر. ودفعت عمران بأن العنصر الأهم في هذه المعادلة هم كُتّاب السيناريو والقصص الدرامية القادرون على استيعاب تفكير الشباب، ويؤمنون بضرورة التغيير في الطرح والخروج من عباءة الخطوط الحمراء غير المبررة أحياناً.
وأضافت عمران أن منصات الإنتاج والعرض مدفوعة الأجر بدأت وانتشرت عالمياً، وباتت تحقق نجاحاً كبيراً في المنطقة العربية، وهذا يجعل من سوق الإنتاج ملعباً مفتوحاً، ويؤكد فكرة أن هذه المنصات ستستحوذ على المستقبل.
مواكبة الواقع العربي
وخلال الجلسة التي عقدت في مقر نادي دبي للصحافة، قال الفنان والمنتج أحمد الجسمي إن المطلع على واقع الدراما العربية والمتابع الجيد لأحوالها وتقلباتها، يمكنه تسجيل العديد من المتغيرات التي طرأت على صناعة الدراما العربية من حيث الشكل والمضمون وآليات تسويقها وانتشارها، فهمي ليست بمعزل عن المتغيرات الهائلة التي شهدها الواقع العربي المعاصر وتأثره بمحيطه الإقليمي والدولي، والتطور المتسارع في تقنيات ومنصات التواصل الاجتماعي وآلية صناعة وانتقال الخبر وطرق استقاء المعلومة، مؤكداً أن كل هذا كان وراء ظهور الرغبة الملحة في إيجاد شكل جديد من أشكال التعبير خارج القوالب الإعلامية والفنية والدرامية المتعارف عليها.
وأضاف الجسمي: إذا كنا ندرك بالفعل أن فئة الشباب هي الشريحة الكبرى في عالمنا العربي، فإننا أمام حقيقة لا مفر منها، كون هذه الفئة من المجتمع تبحث دائماً عن التغيير والخروج عن النمط السائد وكسر الأشكال الكلاسيكية في التعبير، وتنساق وراء التيارات المتجددة في أنماط الحياة على مختلف الصعد، مؤكداً أن المنصات الرقمية أسهمت بشكل كبير في تجديد دماء الدراما والانتاجات العربية، على حد سواء.
المصدر الأساسي
بدورها، قالت الفنانة ديما بياعة إن التلفزيون بلاشك هو المصدر الأول والأساسي للترفيه في العالم العربي، وقد نجح في تنويع مصادره لإنتاج محتوى يتناسب مع مختلف فئات المجتمع، لكن في الوقت ذاته المنصات الرقمية أتاحت أمام الجمهور خيارات أوسع، في ظل توجه الكثير من هذه المنصات إلى قاعدة الإنتاج الأصلي، وهذا من شأنه أن يفتح فرصاً كبيرة أمام الشباب والمواهب العربية الجديدة للمشاركة وتقديم الأفكار التي يؤمنون بها، مشيرةً أن القول الفصل في ما يتعلق بالمقارنة بين التلفزيون والمنصات الرقمية، يرتبط بمدى "التأثير"، والقدرة على إيصال المحتوى بطريقة تفاعلية وسهلة.
إقرأ أيضاً: «قلبي اطمأن» ينثر السعادة بين مصابي «التشوهات الخلقية»
عربية وعالمية
وفي ختام الجلسة، قال جميل ضاهر، خلال مداخلته، إن المنصات الرقمية استطاعت أن تعيد صياغة طريقة المشاهدة لدى الجمهور العربي، وهو ما يفسر ارتفاع الطلب على المحتوى العربي خلال السنوات الأخيرة على هذه المنصات، مضيفاً أن المنصات الرقمية العالمية نجحت في إنتاج أعمال عربية قدمت مجتمعاتنا بطريقة جديدة، وقد يتفق أو يختلف البعض حول أثر هذه الظاهرة، لكنها في المجمل أعمال ناجحة دفعت المنتجين وكُتّاب السيناريو إلى التفكير جدياً في تغيير نظرتهم للواقع.