هي فتاة سعودية جميلة، حصلت على بكالوريوس العلوم في إدارة الأعمال، زارت أكثر من 30 دولة واكتسبت، في عمر مبكر جداً، فهماً عميقاً لثقافات عالمية كثيرة، مما جعلها تُفكر كثيراً: ماذا سأعمل؟ أيّ مهنة تجعلني أستيقظ باكراً مندفعة لبداية يوم جديد لا يُشبه ما سبقه؟.. بحثت كثيراً، تقصّت كثيراً، وأخيراً قررت: «سأتابع شغفي». السفر شغفها والتكنولوجيا عالمها والريادة هدفها.. و»سولانا» حكايتها.
هي واحدة من بنات الجيل الجديد اللاتي قررن أن يتحركن في كل الاتجاهات وحفر الجبل بأظافرهنّ في سبيل تحقيق أحلامهن. حلمت بأشياء لم تكن أبداً وتساءلت: لمَ لا أحاول؟ وراحت تبحث عن فكرة جديدة، عن مفهوم جديد، وبما أنها تعشق السفر واكتشاف ثقافات العالم قررت أن تؤسس لعملٍ فيه سفر. والسفر يحتاج الى حذاء مريح. فليكن إذاً المفهوم الذي ستترجمه في عملها «ثقافة وراحة». ذهبت إلى لبنان وإندونيسيا وأوروبا. وفي كل مكان حلّت فيه وغاصت في تفاصيله وثقافته، أيقنت أكثر أن الابتكار سهل إذا ترافق مع شغف وأن الناس يتشابهون في أشياء كثيرة ولديهم عناصر مشتركة جميلة جداً.
هذه كانت بدايات الفتاة السعودية ياسمين إدريس قبل ثلاثة أعوام. فماذا عن المبادرة التي أطلقتها؟ وماذا عن اختراعها الذي سمته «سولانا»؟.. تجيب قائلة: «المرحلة الجامعية صعبة جداً على جميع الشبان والشابات. واتخاذ القرار المناسب لا يكون غالباً سهلاً. وطالما لازمني صوت في أعماقي: ياسمين العمل الذي ستختارينه اليوم سيُقرر كل مستقبلك. وأين ستعيشين؟ ومن ستقابلين؟ ومع من ستتعاونين؟ وحينها قررت أن أتبع شغفي. وشغفي السفر والتعرف على ثقافات جديدة والتعرف على الناس في مناطق مختلفة. ولاحظتُ أنني قادرة على أن أذهب إلى بلاد بعيدة كثيراً وأجد بيني وبينها قواسم مشتركة كثيرة. وتساءلت: لماذا لا يكون الالتقاء بين الثقافات المختلفة مفهوم الشركة الناشئة التي أنوي تأسيسها. وهذا ما كان».
أحذية مريحة
ثلاثة أعوام ونيف تبلورت خلالها أفكار الصبيّة كثيراً. وها هي، منذ نوفمبر الماضي تنطلق فعلياً بعدما باتت تعرف أفضل ماذا تريد. ففي البداية كانت تتعرف على دول وتستعين بمصممين من تلك الدول وبفنانين يصممون أحذية مريحة من وحي ثقافات الدول، أما اليوم فقد أصبحت هي من تصمم. أصبحت الصبيّة أكثر شجاعة على ترجمة مفهوم الشركة الناشئة التي أوجدتها بنفسها. وإذا كانت الأحذية التي صنعتها من وحي اكتشاف لبنان تُظهر الأبجدية الفينيقية وهياكل بعلبك، وإن كانت الأحذية التي صممتها من وحي الثقافة الإندونيسية تُظهر الطبيعة والألوان والجزر هناك. وباتت تعكس في رسوماتها أشجار النخيل والبراكين والمياه الزرقاء الكريستالية وجبل «برومو».
إقرأ أيضاً: شاهداً حياً على تاريخ دولة الإمارات.. ماذا تعرف عن شجرة السرح؟
الفكرة رائعة، والشركة الناشئة التي ابتكرتها شقّت طريقها. وأحلام الصبيّة لا تزال كبيرة. لكن، لماذا اختارت أن يعكس الحذاء الثقافة والتقاليد لا حقيبة اليد أو الحزام أو تي شيرت؟ تجيب: «حصل ذلك صدفة، من خلال مشروع جامعي قمت به وتوجب اختراع فكرة تساعد على حلّ مشكلة في المجتمع. وكنت أراقب النساء في الأعراس والحفلات يمشين بصعوبة بسبب أحذيتهنّ الضيقة، لذا فكرت في حذاءٍ خفيف، يمكن طيّه ووضعه في حقيبة صغيرة جداً، يُستخدم في مثل هذه المناسبات. وشيئاً فشيئاً توغلت أكثر في عالم الأحذية وفكرت، لماذا لا يكون وراء كل حذاء رمز أو قصة أو ثقافة؟. وهكذا أصبح يحمل كل حذاء رسالة. رسالتي الحفاظ على التقاليد والثقافات والتنوع البيئي وكل المواد التي نعمل بها معاد تدويرها ولا تحتوي على مواد حيوانية، فرسالتي الدفاع عن الحيوانات».
أخطاء كبيرة
أكثر من يستطيعون التأثير في الشباب هم الشباب أنفسهم، تقول المبتكرة ياسمين إدريس: «ليت الشبان والشابات يقومون بما يحبون». وتوضح: «نحن في عالمنا العربي نعيش ضغطاً من الأهالي والأقارب والمعارف من أجل التخصص وامتهان أشياء محددة، مثل الطب والهندسة والمحاماة، بغض النظر عن شغف الشاب والشابة، لذا يفترض بأبناء جيلي أن يوجدوا لأنفسهم مكاناً جديداً يلبي طموحاتهم وشغفهم. وليتأكدوا أن هناك دائماً طريقة ما لتحقيق شغفهم، لذا أقول لهم: لا تتنازلوا ولا تتراجعوا، ولا تقبلوا بأقل من طموحاتكم، وهناك دائماً أجوبة لمصلحتكم في آخر النهار، ومن يصرّ على هدفه يحققه».
هل كان اقتحام ياسمين إدريس لعالم الريادة سهلاً؟ تجيب: «لا، لا شيء سهلاً، لذا فكرت أن أخطو على مهل وبأمان حتى لا أقوم بأخطاء كبيرة. وقمت باستخدام القوة التي في داخلي من طاقة كبيرة وأفكار كثيرة وفكرت بيني وبين نفسي في نقاط ضعفي مثل عدم الخبرة والتمويل البسيط. وعملت على السير بين النقاط من أجل أن يكون سقوطي إذا وقعت بسيطاً. لكني، في داخلي، كنت مدركة تماماً أنني سأنجح. في كل حال، لم يغب عن بالي أبداً أنه ستكون أمامي أيام صعبة وطويلة ومتعبة، عليّ أن أتعامل معها كما تتعامل الأم مع طفلها الرضيع».
ها هي ياسمين إدريس، الصبية السعودية الريادية، توصل شركتها الناشئة «سولانا» الى برّ أكثر أماناً من قبل، وأحلامها تستمر وسع الأرض، وهي مدركة جيداً أن الأعمال تتحول أكثر فأكثر إلى مبادرات أدواتها شغف وفكرة استثنائية وهاتف ذكي وحاسوب وموقع على الإنترنت وشبكات تواصل اجتماعي. وهي، من حيث تكون، في أي مكان على وجه هذه الأرض، نراها ترتدي حذاء مريحاً وتتنقل ناسجة تلك العلاقة البنيوية بين الثقافات العالمية وجامعها: الإنسان، ومن يتبع شغفه، بوعي وجهد، يصل.