كل إنسان في العالم له شخصية مختلفة تماماً عن الآخر، هناك شخصية اعتمادية وأخرى قيادية، شخصية مثيرة للاهتمام وأخرى خلف الأضواء وهكذا، ومن بين تلك الشخصيات التي نقابلها خلال مشوار حياتنا اليومية شخصية "أبو العريف" أي الشخصية التي تدعي المعرفة بكل شيء. فكيف يمكن التعامل مع تلك الشخصية في حال وجدت بيننا؟ عن هذا السؤال تجيب الدكتورة هبة شركس مستشارة الصحة النفسية والمدير الأكاديمي في "آرت أند ساينس انترناشيونال أكاديمي".
معرفة زائفة
تقول الدكتورة هبة إن شخصية "أبو العريف" تحرم صاحبها نفسه من المعرفة لأنه يدعيها، هو موجود بيننا، يبني علاقته الاجتماعية على دعائم معرفته الزائفة بجميع العلوم، فإذا تحدثت عن اللغة تجده سيبويه، وإذا كنت تعاني المرض تجده ابن سينا أو دكتور مجدي يعقوب شخصياً، يسارع لتشخيص مرضك ويصف لك الدواء، وإن سمحت له يمكنه أن يجري لك عملية جراحية بسيطة، أو يعالجك بالطب البديل، أما إذا تحدثت عن السفر تجده ابن بطوطة أو يحكي مغامراته كما لو كان رافق ماجلان في جولته حول العالم.
التسلية والفكاهة
تشير شركس إلى أن صاحب تلك الشخصية يطلق عليه الناس في المجالس وبين الأصدقاء لقب "أبو العريف"، وكثيراً ما يتعرض للسخرية والانتقادات من قبل المحيطين به، وهناك ربما من يترك المجلس عندما يُطلق أبو العريف العنان لخياله وينسج مغامرات وحكايات هو بطلها، أو يُبدي رأيه ويقدم نصائحه في مجالات لا يفقه فيها شيئاً. وثمة من يحوله إلى مادة للتندر والتسلية.
صفات شخصية
وتلفت شركس النظر إلى أن صاحب تلك الشخصية المدعية للمعرفة، يتميز بمهارات سرد قوية وخيال خصب، كما أنه يبادر دوماً لتقديم الرأي والمشورة من دون أن يُطلب منه ذلك. هو صاحب حضور وغالباً ما يتمتع بحس الفكاهة وخفة الظل، قد يمتلك مهارات إقناع ولديه القدرة على تغيير مسار الحديث، وتوجيه الدفة حيث يريد، لكنه يستهلك كل هذه المهارات والمواهب بشكل خاطئ عندما يتحدث فيما يجهل ويسدي النصائح من دون خبرة، ويمزج الخيال بالواقع ليفقد مصداقيته بين الناس.
دوافع شخصية مدعي المعرفة
تقول شركس إن الدافع خلف سلوكيات الشخص مدعي المعرفة هو إشباع حاجات نفسية مشروعة بطريقة غير مشروعة. احتياجات غير مشبعة لديه تُلح عليه بقوة فيستخدم مهاراته الاستثنائية لإشباعها هو يحتاج للاهتمام، وتدفعه رغبته في الظهور والحصول على الشعبية والمكانة إلى ادعاء العلم واستعراض المعرفة الزائفة. لا تخلو دوافعه من حسن النية فهو يحب أن يكون ذا أثر ويرغب في تحقيق المنفعة للغير لكنه قد يؤذي من حوله بجهله وادعائه للمعرفة. وتتابع الدكتورة مشيرة إلى أنه عند استمرار هذا النقص أو تلك الحاجة، فإن الشخص المعني يسعى من دون وعي لسد تلك الاحتياجات لأنها تُلح عليه بقوة، وفي حالة أبو العريف أو مدعي المعرفة فإنه يحاول تحقيق احتياجه للمكانة المميزة والاهتمام والشعبية بطريقة ادعاء المعرفة. هذا السلوك المتكرر يكسبه مكانة مميزة بشكل سلبي ويكسبه شعبية تجعله مادة لتسلية الآخرين وليس مصدراً للمعرفة، فمن قواعد علم النفس أن إشباع الاحتياجات بطرق خاطئة تشبه محاولة العطشان الشرب من ماء البحر فلا يرتوي ولكنه يزداد عطشاً.
النصيحة الذهبية لشخصية أبو العريف
تنصح شركس أصحاب تلك الشخصية بمحاولة السعي لاكتساب المعرفة الحقيقية من خلال المشاركة في دورات تعليمية أو حضور ندوات، وتضيف أن على أولئك الأشخاص ألا يخجلوا من أن يسألوا عن ما لم يحيطوا به خبراً. عليهم أن يتسلحوا بالعلم حتى ينسجوا بمهاراتهم الاجتماعية الاستثنائية وخبراتهم الحياتية الواقعية وعلمهم الحقيقي نسيجاً من الإلهام لمن حولهم، ويحققوا مكانة حقيقية تشبع احتياجاتهم النفسية بطرق مشروعة، وتنشر معارفهم بمهارة فيتركوا إرثاً حقيقياً خلفهم.
طريقة التعامل
تقول شركس إن كان بين أصدقائك شخص يتمتع بصفات "أبو العريف" ورغبت في مساعدته، فاصطحبه معك إلى مجالس العلم وحثه على الاستفادة منها، ولا تنسَ أن تذكر محاسنه ومهاراته الاجتماعية الرائعة، وتوجهه لاستكمال منظومته الشخصية بالخبرات الحياتية الحقيقية النابعة عن تجارب الحياة والخوض في معترك الحياة وعدم الاكتفاء بالمغامرات الخيالية، والتسلح بسلاح العلم والمعرفة والمثابرة على تحصيله، كما يمكنك أن تحفزه على كتابة القصص الخيالية بدلاً من سردها على أنها واقع.