يعود شهر رمضان المبارك، وتعود معه الأسئلة التي يفرض وجودها الامتناع عن الطعام والشراب لساعات طويلة، تبدأ من الفجر وحتى غروب الشمس، وتتمحور هذه الأسئلة حول من ليس له الحقّ بالصوم: المرأة الحامل؟ مرضى السكري؟ مرضى ضغط الدم؟ وغالباً ما تأتي الإجابة من خبراتٍ سابقة ومن معلومات شعبية، راكمها الناس عبر السنين، بغض النظر عن المعلومات العلمية الجديدة التي تقول لهذا: صمّ، ولذاك: لا تصم، ولتلك: احترسي. شهر رمضان هو أجمل شهور السنة تلتقي فيه العائلات روحياً وإجتماعياً وأخلاقياً، لكن كيف يمكن أن يجتمعوا حول المائدة الرمضانية بعد ساعات صيام طويلة ويكسبوا، مع التقوى وفضائل الشهر، الصحّة؟
المرأة الحامل
يُحبذ الأطباء دائماً عدم صيام النساء الحوامل، فالبروفسور سامي عازار، الإختصاصي في الغدد الصماء والسكري في الجامعة الأميركية في بيروت يتمنى على النساء الحوامل «أن لا يفعلنّ ذلك مع يقينه أن كثيرات لن يستجبنّ». لكن، ما هي المخاطر التي قد تواجهها المرأة الحامل إذا صامت من الفجر الى الغروب؟ لا بُدّ أن تراجع المرأة طبيبها قبل بدء الصيام، والتحدث معه بإسهاب عن وزنها ونمط حياتها وعدد أسابيع الحمل، والتأكد ما إذا كانت معرضة لمضاعفات ما. كلّ هذه المعلومات قد تساعد على معرفة كيفية تعاملها مع الصيام، وما إذا كانت ستحتاج الى دعم ما إضافي. يفترض بالتالي بالمرأة الحامل أن تختار طعامها في هذه الفترة بعناية شديدة والحرص على أن يكون غنيا بالفيتامينات والمعادن خصوصا مادتي الحديد والكالسيوم. ولتأخذ قسطاً وافراً من النوم خلال النهار. ولتحترس كثيراً من علامات الجفاف مثل البول الداكن اللون والدوار والصداع. ولتتذكر وجوب تناول مكملات حمض الفوليك وفيتامين (د).
مرضى السكري
ماذا عن مرضى السكري والتوصيات السنوية المتكررة بوجوب عدم صيامهم؟ يجيب عازار: «هناك تعقيدات جمة في حال قرر المصاب بالسكري الصيام، خصوصاً إذا سبق وعانى من نقص كبير في سكر الدم خلال الأشهر الثلاثة التي سبقت الصوم. أو كان مريض سكري من النوع الأول ويتداوى بالأنسولين. ومريض السكري يفترض أن يقيس نسبة السكر في دمه مرات عدة في اليوم خلال هذا الشهر الفضيل، خصوصاً إذا شعر بأعراض نقص السكر في الدم. وفي هذه الحالة عليه أن يتوقف فوراً عن الصيام».
ماذا عن المصابين بالسكري من النوع الثاني، الذين يأخذون أدوية أو يسيطرون على مستوى السكر في الدم من خلال حمية غذائية؟، يجيب عازار: «يفترض أن ينتبه هؤلاء كثيراً إلى طعامهم، وأن يتجنبوا تناول كميات من الطعام دفعة واحدة، وعليهم توزيع المأكولات على وجبات ثلاث، عند الإفطار وبعده ببضع ساعات وعند السحور. أما مرضى السكري الذين اعتادوا ممارسة الرياضة فليفعلوا ذلك بعد الإفطار لا قبله».
يقول المثل (عرفت شيئاً وغابت عنك أشياء). ولولا ذلك لما شهدنا كل هذه الأعداد من مرضى السكري ومن مضاعفات مرض السكري. لذا، لا تستهن أبدا بصحتك في هذا الشهر الكريم بل إحرص على الحصول على إدارة جيدة للسكري في رمضان. ولتحرص على الإعتدال بمعنى أن لا تتناول كميات زائدة من الطعام على معدة خاوية. وافطر فوراً إذا انخفض معدل السكر في الدم إلى أقل من 70 ملغرام، وتناول جرعة أنسولين إذا ارتفعت النسبة الى أكثر من 250 ملغرام. وفي الأرقام والنسب أكثر من 50% من مرضى السكري من النوع الأول، وأكثر من 80% من مرضى السكري من النوع الثاني يصومون، حتى ولو كان الرأي الشرعي والفقهي يعفي المسلم المريض من أداء فريضة الصيام.
ضغط الدم
يجب على مرضى الضغط إستشارة الطبيب قبل بداية الصوم. وسؤاله إذا كان ممكناً إجراء بعض التعديلات على نوعية أدوية الضغط. الدكتور أنطوان سركيس الإختصاصي في أمراض القلب والشرايين، يقول: «من يعانون من إرتفاع ضغط الدم الخفيف يمكنهم الصيام بأمان». ويشرح: «تحدث في هذا الشهر تغيرات كبيرة في النوم والأكل وفي مختلف أنماط الحياة، فيتأثر ضغط الدم. فالإفراط بتناول أطعمة وموالح ومخللات ودهون وسكريات بعد ساعات طويلة من الصيام، قد يكون أحد الأسباب الخفية أو لنقل الملتبسة التي تؤدي إلى إرتفاع ضغط الدم. وهناك أسباب أخرى تبدأ ملتبسة بينها تناول أحد العقاقير، لا سيما حبوب منع الحمل وبعض أنواع المسكنات وأدوية علاج نزلات البرد، التي تُعد طبياً سبباً أساسياً في إرتفاع ضغط الدم. وتؤدي أحياناً بعض الأمراض إلى حدوث إرتفاع في ضغط الدم، مثل: أمراض الكلى والغدة الدرقية ووجود خلل في الأوعية الدموية والتوتر الدائم، الذي يتسبب في جعل الدم يسخن والضغط يرتفع».
وهنا، في مسألة ضغط الدم بالتحديد، من المهم شرب كثير من السوائل عند الإفطار لتجنب العطش والجفاف، وتناول الفاكهة والخضار كونهما مصدرين أساسيين للبوتاسيوم الذي يساعد على التحكم في ارتفاع ضغط الدم. ويُنصح أيضاً بتجنب المنشطات، مثل القهوة والمشروبات الغازية، التي تحتوي على الكافيين. ويفضل تناول السمك المشوي مرتين اسبوعياً على الأقل، كونه يحتوي على دهون صحية (أوميغا 3) تساعد على تنظيم ضغط الدم وحماية القلب والأوعية الدموية.
نصيحة
تنصح كارلا حبيب، الإختصاصية في التغذية السريرية، المصابين بالسكري بعدم الصوم، لكن ماذا لو أصروا؟ تجيب: «عليهم في هذه الحالة أن يتناولوا وجبتين: الإفطار والسحور ولا ينبغي التخلي عن وجبة الفجر أبداً، كما يفترض أن يزيدوا إلى لائحة وجباتهم، واحدة خفيفة بين الساعة العاشرة والحادية عشرة، كما يفترض تأخير وجبة السحور قدر المستطاع. ويفترض أيضاً بالصائمين المصابين بالسكري، أن يتناولوا عند السحور سكريات معقدة مثل: الخبز بالقمح الكامل، وإذا رغبوا بتناول ملعقة صغيرة من المربى فليضيفوا إليها قطعة صغيرة من الجبن، كي لا يهضم الجسم ذلك بسرعة. وينصح أيضاً بتناول الفاكهة الغنية بالألياف: ثلاث حبات من المشمش المجفف مثلاً بدل قمر الدين، أما إذا كانوا يعانون من نقص السكر في الدم، فيمكنهم شرب كوب من العصير قبل الافطار، وقليل من حبات التمر لن يضرّ».
هذا ليس كل شيء، تضيف كارلا: «على مريض السكري أن يعطي الأولوية للحساء بالخضار وللسلطات، وأن يتناول كميات محدودة جداً من المقالي والحلويات، وعليه أن يشرب كميات كبيرة من المياه في كل حال».
سؤال وجواب
• متى يمنع كلياً على مريض السكري من النوع الأول الصيام؟
- هذا المريض يتناول بين ثلاث وأربع جرعات أنسولين في اليوم الواحد. وهو المريض الذي يعاني من حالات إغماء وسبات بسبب ارتفاع السكر أو انخفاضه. ويطلق على هذه الحالة علمياً، تسمية السبات الحمضي الكيتوني. ويندرج ضمن هذا النوع أيضاً، المريض الذي يعاني من هبوط في مستوى السكر في الدم. وينصح هؤلاء دائماً بعدم الصيام، أو أقله مراجعة الاختصاصي قبل بدء الصيام، لإتخاذ الإجراءات المطلوبة، خصوصاً إذا كان مثل هؤلاء يعيشون بمفردهم ولا يجدون من يساعدهم في حال تعرضوا إلى عارض في الكلى أو القلب أو جلطة.
•كيف ندرك أن هبوطاً في معدل السكر قد حصل؟
- ثمة علامات تؤشر إلى هذه الحالة أبرزها: رجفة، تعرق، نبضات قلب سريعة، قلة تركيز، جوع شديد وعصبية. ويُنصح هنا بوضع حبة سكر في الفم وتناول كوب عصير طازج.
• هل من توصيات محددة لمرضى السكري في شهر الصيام؟
-عليه أن يتبع التوصيات التالية: وجوب تناول السحور في وقت قريب من الإمساك. لا ضير في تبديل كمية الطعام تكيفاً مع الأدوية. التقليل من النشاط البدني خلال النهار وتكثيفه بعد الإفطار، واختيار الرياضات الخفيفة مثل المشي. مراقبة معدل السكر في الجسم ذاتياً بعد السحور وساعة بعد الافطار.
• ما دور صيام رمضان في تنظيف الجسم؟
- له تأثير إيجابي جسدي ونفسي وروحي. جسدياً الصيام هو مزيل مثالي للسموم، ومعزز طبيعي للمناعة ولقدرة الخلايا اللمفاوية على صدّ الهجوم البكتيري. كما أن الصيام ينقي الدم ويزيل السموم من الكبد وينظف الكلى. روحياً، يساعد الصيام على التحكم بالمشاعر المدمرة مثل الشهوة والغضب والبخل والكراهية والحسد والأنانية، كما يساعد في ضبط النفس والصبر والمثابرة والتركيز.