دينا ختعن: الشجر والزهر والبحر أصدقائي
نشأت الفنانة التشكيلية المصرية دينا ختعن في بيئة فنية حيث كان جدها فناناً تشكيلياً ونحاتاً، مما شجعها على شق طريقها الفني بدعم عائلي. تأثرت تجربتها الفنية بثلاث مدن عاشت فيها، فجمعت ذكرياتها وتجاربها وخبرتها إلى دبي حيث تقيم حالياً. في حوارها مع «زهرة الخليج» تروي دينا سيرتها الفنية وسر اندماجها في المشهد التشكيلي الإماراتي، وتعبر عن رؤيتها تجاه أسلوبها الفني.
* إلى أي مدى تأثرت بالبيئة الفنية التي نشأت فيها في تحديد ميولك فنياً؟
- الفن إما مكتسب من البيئة المحيطة، أو مولود بالفطرة. وفني يكاد يكون نتاج اندماج بين النوعين، فجدي الفنان والنحات محمود الصفتي عاش في عصر يفتقر لأي نوع من أنواع السوشيال ميديا ولصحوة الإنترنت برمته، فكانت مصادر إلهامه كغيره من فناني عصره هي البحوث والكتب الفنية، وبالتالي هو من رسخ فيّ أول بذرة فنية فعلمني اختيار وتكوين الألوان والخط، وأطلعني على شخصيات خيالية وحقيقية من الحضارة اليابانية والآسيوية. كنت أتمنى أن يطيل الله عمره، ولكنه يعيش للآن في كل لوحه من لوحاتي. من بعده تأثرت بأمي الرقيقة التي تحب الموسيقى والباليه والديكور، فأكملت المسيرة معي وكانت بالطبع عنصراً أساسياً لتكويني الفني والحسي. كما أسهمت نشأتي في مدينة الإسكندرية المعروفة بطابعها وعاداتها وفلكلورها في ترسيخ مفهومي الفني، فهي المعروفة بأجوائها وفنانيها الكبار.
تأثير البحر
* ما الذي تركته مدينة الإسكندرية على إبداعك؟
- الإسكندرية ثرية بتاريخها الحضاري ومناخها الثقافي المتعدد، الذي أثر في تبلور التركيب الأنثروبولوجي للشخصية الإسكندرية. لا أستطيع نكران سحر أمواجها التي وضعت بصمة حبي للبحر والرمال وتركيبها الجيوغرافي، والذي هو جزء لا يتجزأ من لوحاتي المستوحاة من البحر وتأثيره، لدرجة أني كلما حاولت الابتعاد عن أعمال البحر الفنية وجدت نفسي أعود لها من دون إرادة وبحب.
* ما المرحلة التي كونت بها شخصيتك الإنسانية والفنية؟
- عشت في كيب تاون عاصمة جنوب أفريقيا 14 عاماً، درست فيها الديكور والتصميم الداخلي المعاصر. تأثرت بطبيعتها الساحرة، فضلاً عن ثقافة المقيمين فيها، والذين يجمعون بين الثقافات الأفريقية القبلية والثقافات الأوروبية المعاصرة، وكان نتاج هذا الخليط الثقافي الإنساني انبعاثاً متفجراً من الثقافات الفنية المتضاربة، التي كونت بذاتها اتجاهاً جديداً من الفن المعاصر المستوحى من القبلية. هناك صار الشجر والزهر والبحر والطين أصدقائي، والمحيط والرمال ملاذي.
• كيف تصفين المشهد التشكيلي في الإمارات؟
- ثري للغاية مثل واحة عميقة غنية بإبداعات ثقافية عديدة، وتعجبني الحركة الاستثمارية الفنية في الإمارات، التي تحتضن مختلف جنسيات العالم في مشهد يعكس قيمة التسامح، تجتمع تحت لغة مشتركة هي الفن. كما تستوقفني دائماً أعمال بعض الفنانين الأجانب، الذين تظهر على أعمالهم ملامح عربية، نتاج تأثرهم بالمناخ العربي وأصالته.
* ماذا أتاح لك تواجدك في دبي؟
- أتاح لي الانتقال لدبي فرصاً عدة للتعرف إلى فنانين وشخصيات من جميع المجالات والثقافات. دبي فتحت لي أبواباً كثيرة لعرض أعمالي في معارضها الفنية وفعالياتها الثقافية وفي وسائل الإعلام المختلفة، هنا بدأت في بناية سيرتي الاحترافية بالتعامل مع قطاع الفنادق، والتصميم في مشاريع تجمع ما بين الديكور والفن بشكل مميز، وهو الطابع الذي يميز فني في هذه المرحلة الزمنية من مسيرتي الفنية.
احترافية الفنان
• ما الذي جذبك إلى الفن التشكيلي؟ وأين ترين نفسك فيه؟
- جذبني الفن السائل التجريدي، لاعتماده على حركة الألوان السائلة، عبر التفاعلات الكيميائية للكثافات المختلفة لخليط المواد الفعالة والألوان والحرارة والنار. أعتبر الفن السائل بأنواعه مثل الحياة، فعادة ما نتمنى أن تسير أمور حياتنا في اتجاه محدد، ولكن في معظم الوقت تأخذ الحياة مجرى مختلفاً، وما علينا حينها سوى التعامل معها بشكل إيجابي، حتى نتمكن من التحكم في اتجاهها وليس العكس. أرى الفن السائل ممتعاً وأشبه بمحاولة مطاردة لتهذيب سيلان الألوان من دون تقحيم اتجاهاتها الطبيعية، ففي هذا النوع من الفن يريد الفنان فقط أن يعدل اتجاه حركتها والتعامل معها بشكل غير مفتعل، وكلما زادت احترافية الفنان، قوي زمام تحكمه في قيادة سفينته الفنية (اللوحة)، والتحكم في سيلان موادها السائلة عبر طرق ديناميكية ومبتكرة.
• كيف ترين علاقة المتلقي بالفن التشكيلي؟
- لغة العين وانعكاس العقل الواعي واللا واعي لكل شخص، تجعله يتلقى الفن التشكيلي بشكل متفاوت عن قرينه. لكن حالياً في ظل سطوة السوشيال ميديا التي تعتمد على الجذب المرئي للمتلقي، صار الناس يألفون اللوحات وألوانها، فتتعود أعينهم على تذوق الجمال وتمييز الألوان.