لم تستسلم القبطان المصرية مروة السلحدار للضغوط من حولها، وأبت أن ينتصر عليها من يحاولون، تضييق الخناق على المرأة وحصر دورها في المنزل فقط، أو من يسعون لإبعاد حواء عن مجالات بعينها بزعم أنها مقصورة على الرجال فقط. وهي واحد من النماذج النسائية المؤثرة في الوطن العربي، والتي قررت أن تتحدى نفسها قبل الجميع، وتُخاطر بالدخول في مجال النقل البحري، والذي يوجد فيه تمثيل ضعيف للغاية للإناث يكاد لا يتخطى نسبة 3% على مستوى العالم.
"السلحدار" حققت العديد من النجاحات، وما زالت، كما أنها تخوض معارك فرضها عليها مجال عملها، بجانب كونها امرأة، حتى جاء الحادث الأخير بجنوح سفينة في قناة السويس، وما تردد عن أن القبطان المصرية هي من كانت تقودها.
القبطان المصرية وهي الأولى في مصر التي تحصل على رتبة كابتن بحري، تحدثت إلى "زهرة الخليج"، عن علاقتها بالحادث الأخير في قناة السويس، وكذا مجال عملها، وتطرقت أيضاً إلى حياتها الاجتماعية وما تواجهه كامرأة، وكيف استطاعت أن تنجح في تحقيق هدفها، رغم ما تواجهه من صعوبات. 

 

 

* لماذا ارتبط حادث جنوح السفينة بقناة السويس بالقبطان مروة السلحدار؟
ـ لا أعرف السبب وراء ارتباط حادث قناة السويس باسمي، لكن قبلها كان هناك حساب خاص بي ظهر على "تويتر"، وبعدها نشر خبر احتفال أحد المواقع الإخبارية بوجود الإناث في المجال البحري، وكوني أمثل المرأة المصرية والعربية. ولم يمر على الخبر سوى يومين فقط، حتى فوجئت بتحريفه بنفس الديزاين الخاص بالموقع وكل شيء، والحديث بأنني كنت موجودة على متن السفينة الجانحة بالقناة. والحقيقة أنني ليس لي أي علاقة بالسفينة الجانحة تماماً لأنني أعمل على سفينة تدعى "عايدة 4" بالأكاديمية البحرية، منذ 8 سنوات.

* كيف كان رد فعلك على الواقعة؟
ـ التعليقات ودعم الناس من مصر والوطن العربي لي، وفي مجال النقل البحري تحديداً على مستوى العالم، وشعورهم بأنني شعرت بـ"التنمر"، جعلني أرى أن الأمور لا تزال بخير، وأن المجتمع متقبل وجود الأنثى في مجال جرت العادة على أنه للذكور فقط. 

* هل وقع عليكِ تنمر كونك تعملين قبطاناً بحرياً؟
ـ في البداية، الهجوم والسخرية مني، جعلني أشعر بالتنمر، لكن دائماً ومنذ دخولي المجال، أنظر أمامي للشيء الذي يجعلني أحب ما أفعله للنجاح فيه، وليس أن أكرهه، وأبحث دائماً عن الكلام الذي يشجعني بعيداً عن أي أمر آخر.

* ماذا عن تواصل جهات رسمية معك بعد حادث السفينة؟
ـ الأكاديمية البحرية تواصلت معي، وكان عندهم خلفية بالخبر، ودعموني، وكذلك حصلت على دعم آخر من رابطة المرأة العربية التي أنا عضوة بها، والتي ترأسها المهندسة حصة المالك، مستشارة وزير الطاقة والبنية التحتية لشؤون النقل البحري بدولة الإمارات العربية المتحدة.

أحب المغامرة

* لماذا اخترت دخول المجال البحري دون غيره؟
لم أتخيل العمل في هذا المجال كل هذه السنوات، لكن أحببته وأحببت الدراسة فيه، رغم صعوبتها، في ظل التطوير الذي يحدث باستمرار، والتحول للتكنولوجيا في عمل السفن بشكل سريع. وكل هذا جعلني أحب المجال أكثر، لأني أحب المغامرة، وحياتي كلها مغامرات، وأمارس هوايات الغطس، وركوب الخيل، والباراشوت، ووجود أخي في حياتي منحني قوة ودافعاً أكبر.

* ماذا عن دعم الأسرة؟
ـ على مستوى أسرتي هم داعمون لي جداً، ويجعلونني لا أشعر باليأس، ويعطونني قوة، وأي شيء وصلت إليه في حياتي، اكتسبته من أهلي، وهم أكثر تشجيعاً لي أن أكون موجودة في هذا المجال، وصامدة حتى الآن.

* حدثينا عن وضع المرأة في المجال؟
ـ نسبة الإناث في المجال البحري من 2 إلى 3% على مستوى العالم، وأنا أول مصرية تحصل على درجة كابتن، لكن عربياً لم يتأكد بشكل رسمي، رغم أن هناك ما نُشر يُشير إلى ذلك. وهناك إناث تخرجن بعدي من الأكاديمية، وهناك من هن في الدراسة حالياً، والأعداد في زيادة من المصريات، لكن ليس بالحجم الكبير؛ نظراً لعدم الإحساس بوجود مكان للعمل بعد التخرج، مما يجعل هناك بعض القلق من السيدات في دخول المجال. دولة الإمارات فُتح بها فرع للأكاديمية البحرية حالياً، وأول دفعة كانت نسبة 40% منها إناثاً، وهذا معناه أن المرأة أصبح لها تمكين في المجال البحري بالدول العربية، وهذا شيء يسعدني جدا.

 

* هل ستقدمين على نفس الخطوة إذا ما عاد بكِ الزمان؟
ـ بالتأكيد أنا أحب المجال، وجاءت فترة خلال الدراسة كنت أريد تركه، لكن والدتي دعمتني لأكمل، وقد كنت في البداية "نقل دولي" قبل دخول الملاحة.

* ما أكثر الصعوبات التي تواجهينها؟
الصعوبة الأكبر هى أنني لا أشعر بالوقت، وكل شيء أشعر بأنه يمر بسرعة، وأول صعوبة كانت أن أجد فرصة عمل، لأني تخرجت "ضابط ثاني بحري"، وأريد الحصول على ترقيات، وهذا يتطلب مدة خدمة في البحر. وهذا يعني أن أكون في حاجة إلى 18 شهراً عملاً على المركب، حتى أحصل على درجة كابتن، وأنا بالفعل حصلت عليها، وفي انتظار تسلم الشهادة فقط الشهر المقبل. ولولا دعم الأكاديمية ما وجدت تلك الفرصة، والفتيات الموجودات في الدراسة حالياً وضعهن أفضل وأمامهن فرص، لكنها ليست كبيرة تجعلهن يشعرن بالاطمئنان.

رتبة كابتن

* ما الموقف الأصعب الذي تعرضت له في البحر؟
ـ أصعب شيء هو المرض وأنا في العمل على متن السفينة، وشعوري أنني في حالة إعياء شديدة وفي حاجة إلى أهلي ووالدتي بالتحديد، لكن المواقف الأخرى كنت أشعر بأنها خبرة، ولا بُد أن أمر بها.

ماذا عن الجانب الاجتماعي والارتباط في ظل وجودك في هذا المجال؟
الحقيقة أنه عندما يكون هناك هدف نسعى للوصول إليه، يتم وضع الخطط الممكنة للوصول، وفي عملي هناك أشياء يجب أن أتنازل عنها لفترة معينة؛ لأنني كنت أشعر بأنني قد أنجح في كل هذه الأشياء ومرتبطة في الوقت ذاته. وأنا دائماً أحب أن أعطي كل شيء حقه، وفي فترة كبيرة ضحيت بأشياء أحبها ولكن في نفس الوقت كنت أكسب أشياء أخرى، وخطتي كانت الحصول على رتبة كابتن، وبعدها أشعر بالنضج والقدرة على الموازنة بين حياتي العملية والاجتماعية.

* حال تخييرك بين العمل والارتباط.. ما قرارك؟
ـ صعب الإجابة، لأنني لست في هذا الموقف، ولا أعلم هل أستطيع التضحية أم لا، لكن عملي بعد "الكابتن" يمنحني الفرصة للعمل بعيداً عن البحر، فلو أردت ذلك سأحاول أن أكون في مكان أحبه ولن أبتعد عن المجال تماماً. ولا يمكن القبول بفكرة ترك العمل تماماً، ولا أحب الارتباط بشخص يكون تفكيره بهذا الشكل؛ لأني أحب أن يكون شريك الحياة متفاهماً، ولا يكون هناك فرض للرأي لأي منّا على الآخر، وفي النهاية سنجد حلاً مريحاً لنا.

بحكم مجال عملك.. مَن المتهم في حادث السفينة الجانحة بقناة السويس؟
أي ممر ملاحي وارد أن يحدث فيه مثل هذه الحادثة، وقد يكون سوء الأحوال الجوية قد أدى لذلك أو حدث عطل بالسفينة، وهذا سيثبته التحقيق من خلال لجنة مختصة بهذا الأمر.

ما آلية التعامل مع الحادث؟
لو أن مركباً آخر كان نوع التعامل سيختلف، وتفريغ الحمولة بسهولة وترك المركب للتعويم والحركة، لكن هذه السفينة من بين الأكبر على مستوى العالم، وهناك 3 طرق يمكن التعامل بها؛ إما بالقطر أو التعويم بالتزامن مع المد في منتصف الشهر، كما يحدث حالياً، لكن السيناريو الثالث وهو تخفيف الحمولة صعب ويحتاج معدات معينة، ووقتاً أطول، ومخاطرة على السفينة نفسها.

هل هناك مسؤولية على مرشد القناة في الحادث؟
لا.. الكابتن هو الذي يتحمل المسؤولية كاملة؛ لأن المرشد يكون ناصحاً فقط، وهذا وفقاً للقانون الدولي، سواء في قناة السويس أو أي ممر ملاحي أو ميناء على مستوى العالم. وهذه السفينة بالتحديد عبرت من قبل القناة ولم يحدث أي شيء، ومن المستحيل عبور أي سفينة وعمقها لا يسمح؛ لأنها ستكون خسارة للمالك، وإدارة القناة نفسها لن تسمح، وهناك ضوابط وإجراءات صارمة لمنح التصريح بالعبور.

 

* ما النصيحة التي توجهينها للمرأة؟
أقول لها إنها قادرة على تحقيق ما تريده طالما تحارب من أجله، وترى نفسها فيه، بشرط عدم التنازل.

وماذا عن أمنياتك وما تسعين إليه في المستقبل؟
أمنيتي توفير فرص عمل للإناث في مجال النقل البحري بشكل أكبر، وهذا سيأتي بالتضامن بين المنظمة البحرية الدولية والمسؤولين عن اتخاذ القرارات في قطاع النقل البحري بمصر. وأسعى للعمل بشكل فعلي برتبة كابتن، وأنقل الخبرة الموجودة لديّ للفتيات في المجال، ووارد جداً أن أتجه للتدريس في تخصصي بالأكاديمية، وأنا حالياً على رتبة ضابط أول بحري.

هل هناك نشاط على مستوى العمل الحقوقي الخاص بالمرأة؟
أنا عضوة بالفعل في رابطة المرأة العربية للعاملين في مجال النقل البحري، وهذه تمثل الإناث في هذا القطاع بالوطن العربي كله، ونحاول إيجاد وعي في هذا الأمر. 

أخيراً ما التكريمات التي حصلت عليها؟
كُرمت في 2017 عام المرأة المصرية ضمن أكثر 10 نماذج مؤثرة، كما كُرمت من الرئيس عبدالفتاح السيسي على الدور الذي أقدمه في المجال البحري. وحصلت على العديد من التكريمات الأخرى، من وزارة الثقافة المصرية، والأكاديمية البحرية، ومن جامعة الدول العربية، والجمعية الأفريقية، كما أنني كنت من أكثر 20 امرأة مؤثرة في الوطن العربي.