تسود العالم، خلال الساعات القليلة المتبقية على وصول «مسبار الأمل» إلى مدار كوكب المريخ، حالة من الترقب الحذر، في انتظار الأخبار المفرحة التي ينتظر أن تُعلن عن دخول المسبار مداره حول «الكوكب الأحمر» بنجاح، بعدما سافر في الفضاء العميق بمتوسط سرعة يبلغ 121 ألف كيلومتر في الساعة، طوال نحو سبعة أشهر، منذ انطلاقه من قاعدة تاناغاشيما الفضائية في اليابان في 20 يوليو الماضي، قاطعاً نحو 493 مليون كيلومتر، في أول مهمة عربية لاستكشاف كوكب المريخ، والتي تقودها دولة الإمارات، حيث من المقرر أن يدخل المسبار مدار الالتقاط حول كوكب المريخ، عند الساعة 7:42 مساءً بتوقيت الإمارات من مساء غد الثلاثاء، تتويجاً لجهود 7 سنوات من التحضيرات والاستعدادات التي أنجزها (مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ) وتمهيداً للمرحلة الأخيرة من رحلته وهي المرحلة العلمية.
مشاعر مختلطة
وقالت المهندسة عائشة شرفي، المسؤولة عن نظام الدفع في «مسبار الأمل» في تصريحات خاصة بـ«زهرة الخليج»، إن العالم يمر بمشاعر مختلطة من الفرح والترقب والانتظار بفارغ الصبر حتى يصل المسبار إلى مداره حول المريخ، مضيفة: «لا سيما ونحن الآن نمر بأصعب مراحل مهمة المسبار، عقب الإنجاز الناجح لمرحلة الملاحة في الفضاء، وهي دخوله إلى مداره العلمي المحدد حول المريخ، وتستمر 27 دقيقة، وتعد الأخطر، لأنها تتضمن عملية الخفض المفاجئ لسرعة المسبار من 121 ألف كلم / ساعة، إلى 18 ألفاً، ذاتياً، دون القدرة على التواصل الفوري مع محطة التحكم الأرضية بالمسبار، في (مركز محمد بن راشد للفضاء).
تحدٍّ ومرحلة صعبة
تؤكد المهندسة عائشة أن مشروع بناء «مسبار الأمل» في 7 سنوات، يعتبر إنجازاً منقطع النظير، لاسيما وهناك الكثير من الدول التي تعد من الدول المتقدمة في استكشاف الفضاء، استغرقت سنوات طويلة لإنجاز مشروعات استكشاف مماثلة في الفضاء، وتضيف: «كل من عمل على المسبار، يعيش حالة فخر وترقب للاستمتاع بفرحة إنجاز مشروع ضخم كـ(مسبار الأمل)، حتى لو لم يدخل في مداره، إذ إننا نتوقع أن يدخل المسبار إلى مداره بنسبة 50% بسبب التحدي الذي يقابله، وهو أن المسبار المنطلق في الفضاء بسرعة 121 ألف كيلومتر في الساعة، عليه أن يقوم ذاتياً بإبطاء سرعته إلى 18 ألف كيلومتر في الساعة فقط، وذلك خلال 27 دقيقة تعرف باسم «الـ27 دقيقة العمياء»، باستخدام محركات الدفع العكسي الستة (دلتا في) المزود بها المسبار. وفي حال وجود أي أعطال فنية في أكثر من اثنين من محركات الدفع العكسية التي يستخدمها المسبار في عملية إبطاء سرعته، سيسبب ذلك أن يتوه المسبار في الفضاء العميق أو يتحطم وفي كلتا الحالتين لا يمكن استرجاعه».
نظام الدفع
تشرح المهندسة عائشة بالتفصيل عن نظام الدفع الخاص بـ«مسبار الأمل»، بالقول: «هو النظام الخاص بالمسبار، الذي يزوده بالوقود والقوة اللازمة للتحكم في سرعته واتجاهه في رحلته نحو المريخ، كما نستخدم نظام الدفع لنتمكن من تعديل مسار المسبار، وأيضاً على متن المسبار توجد ثلاث أدوات علمية، كاميرا رقمية، مقياس طيفي للأشعة تحت الحمراء نستطيع من خلالها دراسة الحرارة والغبار فوق سطح المريخ في الغلاف الجوي السفلي وعلى السطح، فضلاً عن مقياس طيفي للأشعة فوق البنفسجية، لقياس نسبة هروب الأكسجين والهيدروجين من الغلاف الجوي العلوي. وفريق المسبار يستطيع التحكم فيه، من خلال هذه الأدوات الثلاث، عند وصوله إلى كوكب المريخ ويكون الوصول في مدار الالتقاط، ومن ثم تكون المرحلة التالية التي ينتقل فيها المسبار إلى المدار العلمي، باستخدام نظام الدفع، الذي يزود المسبار بالوقود وبقوة الدفع حتى نتحكم في مداره بعد شهرين من وصول المسبار الى مداره، سننتقل للمدار العلمي الذي يزود المجتمع العلمي بالبيانات
وإثراء المعرفة البشرية بالفضاء ومدار المريخ، وتخريج جيل شغوف بالعلم ودراسة الغلاف الجوي، ومعرفة أسباب عدم وجود حياة على (الكوكب الأحمر)، ونستطيع أيضاً من تلك الدراسات حماية الغلاف الجوي الأرضي».
نشر ثقافة الأمل
توضح المهندسة عائشة أن دولة الإمارات هي فائزة بكل الأحوال، سواء دخل «مسبار الأمل» مساره حول المريخ، أو حتى إن لم يستطع ذلك، موضحة: «الفائدة المرجوة من إطلاق المسبار، تنضوي على نشر ثقافة الأمل واللامستحيل بين أبناء وبنات دولة الإمارات، فضلاً عن إلهام جيل جديد من العلماء والمهندسين والمبرمجين، ويرسخ اهتمام شباب الدولة والعالم العربي لدراسة العلوم والرياضيات وتكنولوجيا الفضاء والذكاء الاصطناعي، والابتكار والأبحاث العلمية والفضائية. وإذا ما نجح المسبار في دخول مداره، سيعمل ذلك على خدمة البشرية بشكل عام والمجتمع العلمي بشكل خاص، ويضع المعلومات التي يجمعها في متناول أكثر من 200 مؤسسة علمية ومركز أبحاث حول العالم».
وعن حلمها في المستقبل القريب، تقول المهندسة عائشة إن حلمها هو وصول المسبار إلى مداره، وهو الأمر الذي يعد حلماً عربياً وإنجازاً تاريخياً يترقبه العالم. وتحلم المهندسة عائشة كذلك بأن تنافس الإمارات دول العالم الكبرى في كافة المجالات التي يعتبر الفضاء أحدها، مؤكدة أنها لم تكن لتستطيع أن تكون في تلك المكانة وتشارك في هذا المشروع الضخم، لولا دعم القيادة الإماراتية الرشيدة للمرأة الإماراتية لتحلق بأحلامها أبعد من الفضاء.
تمكين المرأة
تلفت المهندسة عائشة النظر إلى فريق العمل، الذي يضم حوالي 200 مهندس ومهندسة، يفخر بدعم دولة الإمارات التي تبذل قصارى جهدها من أجل رفعة شأن شبابها في كافة المجالات، مضيفة: «جاء اهتمام القيادة الرشيدة بالمرأة وتمكينها على رأس أولوياتها، الأمر الذي ضاعف المسؤولية على المرأة الإماراتية وأصبحت تفكر باستمرار في كيفية رد الجميل لوطنها الغالي، لاسيما ونحن شعب الإمارات لا حدود لطموحاتنا وآمالنا ولا نرضى عن رقم 1 بديلاً على مستوى العالم وعلى جميع الأصعدة».