من حيث ذلك السؤال الذي بات يطفح في الوسط الأدبي: هل تكرّس الجوائز اليوم مدن الخليج قطباً في عالم الأدب والثقافة العربيّة من بعد أن كانت الأقطاب الأزليّة هي القاهرة وبيروت وبغداد والشام؟ وهل ما زلنا أمام حقل أدبيّ مقسوم إلى دول محور ودول أطراف؟
حتى الآن وبعد أن تخطت الرواية الخليجية عتبات وأشواطاً كثيرة، نرى أنها لم تأخذ حقها كفاية في التفكيك والقراءة الجوهرية ونيل الجوائز لكي يتم الجزم بنظرية الأقطاب والمراكز.
كذلك كانت الجزيرة العربية في عصر من العصور التاريخية والأركلوجية مركزاً ثقافياً تاريخياً شبه أزليّ، سواء بمواكبة زمنية لعصور التمدن والحضارة الثقافية في مصر والشام والعراق منذ مرحلة النبوة، وما قبلها من احتكار شعري في سماء القصيدة العربية المتمثلة في سوق عكاظ وحركة الحجيج والقوافل التجارية المحمّلة بالأخبار والحكايات والأساطير، أو عبر تلك الأبعاد الأكثر نأياً عن الذاكرة المتداولة في الكُتب، الأكثر تهميشاً وتجاهلاً، هي أبعاد قد تصل إلى زمن الأنهار الجارية في صحراء الربع الخالي أو الجزيرة العربية بشكل عام، ووفق أزمنة حجرية استوعبت حقول التفاعل الإنسانيّ الأول مع الطبيعة وأهوالها، مع أساطير الآلهة الأولى، مع النقش الحجري ومدونات جذوع الأشجار واللحاء والبرديات والعظام، أنظمة بيئية مناخية مغايرة تماماً لما هو سائد الآن، كانت فيها الجزيرة العربية مركزاً وقُطباً للملاحم ولهجرات بشرية كثيرة، ووفق نظريات أركلوجية كانت من أهمها الهجرة العظمى من أفريقيا في الزمن الحجري وجفاف القارة السوداء، ثم تلتها هجرات أزمنة الطوفان العظيم المنصوص في مختلف التراتيل المُقدسة لشعوب العالم، ثم قبائل يمانية إلى قلب الجزيرة بعد انكسار سدّ مأرب، وغيرها الكثير. لعل ما نحتاج إليه الآن هو إعادة النظر في مسألة المركزية، باعتبارها فكرة مشوّشة وعنصرية وتعوزها الثقافة العميقة والسبر في التاريخ البشري والأنثربولوجي، ظلّت مكرسة من عقول قلقة على الدوام على زوال مركزيتها، عقول تمتهن السخرية والأنا والتهميش المتقصّد أكثر من مزاولة البحث والتقصي في تاريخ الإنسان القديم، بينما الأرض كلها مراكز (زمنية) يتوزع بين مروجها وسهولها وجبالها وصدوعها وفيافيها أثر المثقف الأول، الإنسان القديم الذي فكّر وتدبّر وتخاطب مع الطبيعة.
اقرأ أيضاً: د. نرمين نحمدالله تكتب: رجل تقليدي!
الثقافة إذاً من وجهة نظري أشبه بحركة تيارات هوائية حرّة، ولكل زمن قُطب فكري ومركز ثقافي يشع لسنوات ثم يخبو في ظل وجود قُطب منافس آخر وموازٍ له في القوة والهيمنة المادية والمعنوية.