آن الصافي: بالكلمة ترتقي الحضارات
لا يهدأ قلق الإبداع والاكتشاف لدى الكاتبة والروائية السودانية آن عادل حاج الصافي، إذ تطرق بقلمها أبواب الممكن والمستحيل، لتعبر عن مشروعها الثقافي هاوية وباحثة ومتأملة في الماضي والحاضر ومدارات الآتي، هكذا تنحت رواياتها المستهدفة للوعي والمتعة في صخر الواقع، لتنتج من الخيال وعياً يؤرخ لنضج رؤيتها، وبلغتها الرفيعة أبدعت كوناً فسيحاً لقارئها يستنطق من خلاله جماليات عالمها الحر، الملوّن بالعلم والأدب والمنحاز للحب والحياة. في حوارها مع «زهرة الخليج» تروي سيرتها.
• كيف تقدمين نفسك للقارئ؟
- امرأة سودانية مقيمة في أبوظبي. كاتبة هوايتها الأولى القراءة. حبي للفيزياء جعلني أتخصص في هندسة الكهرباء والإلكترونيات. كان للتنوع الثقافي في السودان الذي تشربت بسماته، ونشأتي في مدن حاضنة للثقافات المتنوعة في دولة الإمارات وتنقلي بين كندا والسودان والإمارات، وسيلتي لأحيا المعنى الحقيقي لكونية الإنسان، ومن ثم التفكر في معنى الهوية وجماليات ما يقدمه التنوع الثقافي ودور العلم في حياة الإنسان ومسار المجتمعات. شغفي بالأدب والثقافة والفنون جعلني أضع رؤاي عبر الحرف في أعمال إبداعية وفكرية ثقافية. أجتهد فيما أقدم، أؤمن بأن الحرف مسؤولية من يكتبه وأن بالكلمة ترتقي حضارات وكذلك تهدم حضارات. يبقى دائماً باب المحاولات في التعبير عما يدور في الخلد من أفكار، وما يشغل من قضايا متعة خاصة سواء بالقراءة أو الكتابة.
• هل تمكن قلمك من الحفاظ على هويته وهو يواجه أسئلة الحداثة؟
- يشغلني الإنسان وقضاياه، فجميعنا سواء، هكذا فهمي للحياة. أنتمي إلى جيل واكب نقلات فارقة في صناعة واستخدام التقنيات الحديثة، من الهاتف المنزلي التقليدي إلى توافر المحمول والحاسوب الشخصي والشبكة العنكبوتية، وقدوم جيل الهواتف والحواسيب الذكية حتى مرحلة الـ5G. ونحن الآن مع سكان الكوكب في مواجهة جائحة «كوفيد 19». لذا حين أتناول أي قضية، أضع نصب عيني دوماً جماليات ثقافاتنا، والتي لربما تسهم في المحافظة على أنسنة المجتمعات وسلوكيات الفرد، بشكل يضمن مواصلة وجود الحياة على هذا الكوكب وبأقل ضرر ممكن.
• كيف استطاعت رواياتك أن تؤسس لمنظور جمالي متفرد؟
- نحن في مرحلة تتطلب إعادة تعريف معنى كلمة ثقافة، فهي ربما تتعلق بكل شيء في كيان الإنسان. لذا من الصعب الجزم بأنه يوجد شخصان يحملان ذات سمات الثقافة بشكل متطابق. فيمكن معاينة نموذج توأمين نشآ في ذات البيئة، ولكن أحدهما تخصص في علم الاجتماع والآخر في الجغرافيا أو الرياضيات، أو أحدهم عمل سائق حافلة والآخر طبيباً، هنا سنجد فرقاً في الثقافة. وهذه الدقائق مهمة لتشريح قضايانا ومحاولة فهمها، علنا بالكتابة نصل إلى الخارطة الذهنية التي تربط عقل الكاتب مع المجتمع وشخوص نصه، في محاولة لطرح أسئلة ما أمكن، لفهم الماضي وما قدمه من أثر في الحاضر، ومن هنا نعي ما علينا الآن لنقدمه لأجيالنا وحيال أجيال الغد. وعادة ما تدور قضايا وأفكار رواياتي حول أشياء من هذا القبيل مع الاهتمام بقضايا البيئة، وإظهار قيمة التنوع الثقافي وما يقدمه من قوة للمجتمعات، إذا ما نظر إليه بموضوعية. كذلك أجد من المهم دمج العلم في الأدب وتوضيح دور التقنيات الحديثة جداً، وما أحدثته من أثر في الإنسان والمجتمع ومسار الحياة، وما يترتب على ذلك كله في الحاضر والمستقبل.
ثقافة التسامح
• هل هناك أي خصوصية محلية حرصت على أن تلوني بها رواياتك في إطار التعريف بالمختلف؟
- أحرص على الاحتفاء بالقيم الإنسانية السامية، وتوضيح ما تسهم به من تهيئة ثقافة التسامح ونبذ التطرف، والحث على البحث والتعمق في الدراسة العلمية والقراءة، هكذا فعل سكان الكوكب في إقليمنا عبر الحضارات السابقة وعبر الموروثات التي بها من جماليات تستحق الاحتفاء بها دوماً.
• ما البصمة التي حرصت على إضافتها للأدب الروائي العربي؟
- أعمل على مشروع الكتابة للمستقبل، وأحرص على الابتكار وليس التكرار، فهناك دوماً مساحة لذلك وبشكل تلقائي. نحن ننتمي إلى ثقافات أصيلة تنعمت أجيال متوالية بجمالياتها، فلنكن سفراء نروج لها عبرالإبداع، فهناك من يستلهم منها، فلم نستوردها كغريبة قادمة من الخارج ونبهر بها ما دام من الممكن أن يحدث العكس؟.
• من خلال مشروعك الكتابة للمستقبل، كيف يمكن أن ينشأ حوار بين القديم والجديد؟
- من المهم دراسة وفهم ما نحن عليه، وهذا لن يتأتى ما لم نقرأ ونشرح ما حفل به الماضي. من هنا يمكننا أن نتحقق من مواطن القوة والضعف وما لنا وعلينا، حيال تصحيح مسار اليوم، بهدف تهيئة أرضية صلبة لأجيال الغد، وكذلك أن نلحق ما فاتنا لننعم بالأمن والسلام، ونكون بحق أمة قارئة تطلب العلم وتعمل به، ما دام في ذلك خير الإنسان ونهضة المجتمع.
إقرأ أيضاً: منجم ملح عمره 20 قرناً أصبح منتزهاً.. ما قصته؟