(تكلم كي أراك)، حكمة قديمة للفيلسوف اليوناني سقراط، تلخص أهمية الكلام، فإذا كان الكلام مهماً بين الناس لتحقيق التعارف والتعاون والتكامل، فإنه أكثر أهمية بين الزوجين للتواصل الإنساني فيما بينهما، إذ يسهم الصمت في إرباك الحياة الزوجية، وإثارة الشكوك فيها، فقد تعتقد الزوجة أن نتيجة ذلك الصمت انشغال زوجها بامرأة أخرى، وأيضاً قد يبادلها الزوج نفس الشك، وقد يظن كلا الطرفين أن الآخر يتخذ موقفاً خاصاً تجاهه، فيدَّعي الإرهاق والتعب ليتهرب من الحوار وجلسات النقاش، وهكذا تسهم الشكوك في شرخ جدار الحياة الزوجية وتقويض أعمدتها.
مودة ورحمة
تشير الدكتورة ياسمين الخالدي، وهي مستشارة تربوية وأسرية خاصة، إلى ضرورة مواجهة حالة الصمت من قبل أحد الزوجين، وتمزيقه بالكلام من أجل بقاء كيان الأسرة، موضحة: «الكلام عنصر من أهم عناصر التفاهم بين الزوجين والأولاد، فالحياة الزوجية لا بد أن تقوم على المودة والرحمة، ولا سبيل إلى ذلك إلا بالاتصال بين الزوجين سواء على المستوى المادي أو المعنوي، وذلك من أهم الواجبات الملقاة على عاتق كل منهما».
أسباب الصمت
هناك عدة أسباب تؤدي إلى الصمت الزوجي، بحسب الدكتورة ياسمين، مثل عدم الصراحة والوضوح بين الطرفين، وقد يرجع بعضها إلى الرتابة في العلاقة الزوجية، أو كثرة المشكلات بين الزوجين سواء بسبب الأبناء أو بسبب الأمور المادية، وتضيف: «الصمت قد يسببه عدم وجود مشاعر الحب بين الطرفين واختلاف الميول والهوايات والاهتمامات وطريقة التفكير، إضافة إلى عدم وعي الطرفين بأهمية الحوار الذي يعتبر عصب الحياة الزوجية، وقد يظن البعض أن الحوار يحمل معنى الضعف بالافتقار إلى رأي الآخر، أو أنه البوح بمكنون النفس الذي لا ينبغي أن يباح به، وهذا كله ظن خاطئ واعتقاد غير صحيح، فضلاً عن ضرورة أن يعلم الزوجان أن الحوار ليس بالضرورة أن يسوده دوماً الهدوء والسلاسة، فلا بد من إدراك أن الحوار يحتمل الشد والجذب، ويحتمل اختلاف وجهات النظر للوصول إلى الهدف المنشود».
رد الفعل السلبي
تلفت الدكتورة ياسمين النظر إلى أن الخوف من تكرار الفشل أو رد الفعل السلبي من أحد الطرفين، قد يكون سبباً مهماً في الصمت، فقد تخشى الزوجة أو تتحرج من محاورة زوجها، إذ ربما يصدُّها أو يهمل طلبها، أو يستخف بها كما فعل في مرة سابقة، وقد ييأس الزوج من زوجة لا تُصغي ولا تجيد إلا الثرثرة، أو لا تفهم ولا تتفاعل مع ما يطرحه، وهو ما يجعله يُؤثر السلامة، ويرى أن الصمت هو الحل». وتضيف: «قد يكون الصمت بسبب إرهاق العمل والقلق الخارجي، وليس بسبب خلافات أو عدم توافق فكري بين الزوجين، فعمل المرأة خارج المنزل وعمل الزوج أيضاً، وعودتهما للمنزل والتعب يثقل كاهليهما، من أهم أسباب انعدام الحوار بين الزوجين، إضافة إلى وجود التلفاز فضلاً عن مواقع التواصل الاجتماعي والشبكة العنكبوتية الذي تقطع سبل التواصل بين الجميع».
الفعل أبلغ من القول
قد يكون الاعتقاد الخاطئ بأن الأفعال تُغني عن الأقوال، لدى بعض الأزواج من أسباب الصمت، فهناك من يرى أن في الفعل ألف دليل على الحب، وأنه أبلغ من الكلام، وتلك هي نصف الحقيقة، لأن الله خلق للإنسان لساناً فعلمه الكلام، وصار فعل الكلام سبيلاً وعلامة على التواصل، في حين أن عدمه دليلٌ على الانقطاع. وتضيف الدكتورة ياسمين: «أهم ما نحتاج إليه كي ندفع حالة الصمت إلى حالة الحوار، هو أن يكون تحليلنا لوظائف الصمت دقيقاً، فمن الممكن أن يكون الصمت للاسترخاء، فالصمت حالة تؤدي إلى الهدوء والصفاء، وتؤهل الإنسان العامل والباحث عن مستوى أفضل في حياته المهنية، لتجديد قواه وتوفير جهوده الذهنية لما يحتاج إليه عمله. وقد يكون الصمت تعبيراً عن الخوف أو الضعف، وقد يكون نوعاً من العصيان، وفي أوقات معينة يكون الصمت علامة الرضا، و في أوقات أخرى يكون دلالة على عدمه».
التخلص من المشكلة
وتلخص الدكتورة ياسمين المشكلة، مقترحة حلولاً لها بالقول: «للتخلص من الطلاق الصامت، يجب أن يراعي كلا الزوجين حقوق الطرف الآخر، لأن المشكلة تبدأ عندما يتجاهل أحد الطرفين حقوق الآخر، فضلاً عن ضرورة توفير مِساحة زمنية يومية للحوار والنقاش، وتبادل الرأي سواء فيما بينهما أو بين الأولاد، والكلام هو أول درجة في سلَّم الوصال، ومن المهم جداً التغلب على الخلافات الزوجية في أقصر وقت ممكن عن طريق الحوار المرن، لا سيما أن الزوجة تستطيع أن تتغلب على صمت زوجها، إذا ما تعلمت كيف تشاركه ميوله وهواياته، وتجاذب أطراف الحديث الشيق معه، من دون أن تتنازل عن هواياتها واهتماماتها الخاصة أيضاً، وعلى الزوجة أيضاً أن تتغافل عن الكثير من المشكلات اليومية البسيطة التي تعترضها، من خلال تفهمها للأمور واستيعابها لحجم الضغط الذي يتعرض له زوجها خارج البيت، وهي بذلك تحمي منزلها من الانهيار».
إقرأ أيضاً: ماذا تعرف عن كهف الجن في سلطنة عُمان