تأكل بدل الوجبات الثلاث ست وجبات أو سبعاً وربما أكثر، وتظل مستعدة لمشاركة الآخرين في أي وجبة طعام، وكلما انتهت من طبقٍ تسارع للتأكد من وزنها، تحملق في الميزان، تنزل عنه ثم تصعد ثم تنزل، تخلع حذاءها، ثم تصعد، وحين تتأكد أن هذا هو الوزن الصحيح تكتئب، لكنها لا تلبث أن تعود وتستل من الخزانة علبة المربى وتتناول ملعقتي مربى المشمش. فماذا يحصل معها؟ لماذا تعيش لتأكل بدل أن تأكل لتعيش؟ لماذا تفكر في الطعام ليل نهار؟ لماذا تشعر، حين تتوتر أو تحزن، بحاجة ماسة إلى النشويات؟ هل مشكلتها أنها تحب الطعام أم مشكلتها مع الطعام نفسية عصبية مرضية؟
ثمة علاقة جوهرية أساسية بين الطعام والنفس، فبعضنا يأكل أكثر كلما حزن أكثر، أو يمتنع كلياً عن الطعام إذا شعر بخوف، أو تتضاعف شهيته إذا جلس وحيداً قلقاً. ليست هناك قاعدة واحدة وحيدة، لكن كل القواعد تشي بأن اضطرابات الطعام قد تحدث مع اضطرابات نفسية أخرى، مثل الذعر والقلق واضطراب الوسواس القهري. وقد تلعب الوراثة دوراً هنا.
فلنعد إلى الوراء كثيراً، إلى حين كنا أطفالاً، إلى حيث يعيدنا الطب النفسي حين يحلل اضطرابات الطعام، ففي هذه المرحلة يضع الطفل كل شيء في فمه، مثل الألعاب والثياب واليد أو حتى القدم. في هذا العمر يكتشف الطفل العالم ويرضع العاطفة، لذا يجب أن تحرص الأم على الرضاعة الطبيعية، التي يكتسب فيها طفلها المناعة والعاطفة. ويُقال في الطب النفسي إن (الشراهة دليل نقص عاطفي وحاجة داخلية إلى الحنان، يستعيض عنها الشخص المصاب بالإكثار من الطعام).
لا أحد في منأى عن الإفراط في تناول الطعام، في مرحلة ما من حياته، لكن ليُعتبر ذلك مرضياً، يجب أن تتكرر مثل هذه التصرفات مرتين على الأقل في الأسبوع، لمدة ثلاثة أشهر متتالية. وهناك حالتان مختلفتان يمرّ بهما مريض الشره النفسي، واحدة يبدأ فيها في تناول المسهلات وأدوية التنحيف والتقيؤ المتعمد، وحالة ثانية تفتقر لهذه الأعراض.
النساء في الصدارة
90% ممن يواجهن الشره المرضي للطعام، هنّ من النساء.. هؤلاء يعانين فعلاً وبعمق، فهنّ يعرفن أن عليهن التوقف عن الطعام لكنهن يتابعن، ينهضن عن طاولة الطعام ثم يعدن. يضعن الطبق جانباً ثم يأتين بطبق جديد. يلتهمن الطعام بلا ضوابط وهن على دراية تامة بما ستؤدي إليه هذه الشراهة. وكم من هؤلاء النساء سألن أنفسهن، بهمسٍ: (لا، لا يمكننا أن نصدق أننا أكلنا كل ذلك).
أسباب متنوعة
الثابت أن لا سبب واحداً وحيداً لاضطراب الشره على الطعام، لكن ما أُثبت هو أن عوامل الخطر المؤكدة للإفراط في تناول الطعام تتضمن عوامل نفسية وسمات شخصية بينها: (النظرة السلبية للذات، أي عدم احترام الذات). و(الميل إلى المنافسة الشديدة ووضع معايير عالية غير واقعية. فالنساء اللواتي يطمحن إلى الكمال، تؤثر أحياناً اندفاعاتهن نحو الإفراط في تناول الطعام). و(اتباع نظام غذائي صارم غير مرن، يؤدي إلى ما يُشبه الانفجار في أعماق المرأة ويدفعها إلى تدميره والإفراط في الطعام. ألم يقل سابقاً إن الحرمان يولد الانفجار). لكن.. لماذا النساء معرضات أكثر من الرجال للإفراط المرضي في شره الطعام؟ أحد أبرز الأسباب المحتملة، هو أن النساء أكثر عرضة من الرجال لتبني ممارسات غذائية غير مرنة، والانخراط في سلوكيات مختلفة ومتطرفة، للتحكم في الوزن بينها استخدام الملينات.
الصمت عن الشراهة
هناك استراتيجيات قد تفيد في الحد من الشراهة، تتضمن بعض التقنيات بينها: المراقبة الذاتية للسلوك الشخصي، وهنا يُنصح بحمل ورقة وقلم وتسجيل كل ما تأكلون يومياً، مع الحالة النفسية المترافقة، وذلك على مدى أسبوع كامل، لأن هذه المعلومات ستساعد على فهم العوامل التي تحرك سلوك الإفراط في الطعام، مما يسمح للشخص بالتدخل للحدّ من تفاقمها. ويُنصح بالتخطيط لتناول ما لا يقل عن ثلاث وجبات يومياً، مع وجبات خفيفة تساعد على التحكم في أوقات وكميات الطعام. مارسوا اليوغا. اقرؤوا أكثر. مارسوا رياضة المشي. أاخرجوا إلى الطبيعة، وتذكروا دائماً أنكم لستم وحدكم من تعانون، فهناك على سبيل المثال لا الحصر أكثر من ستة ملايين امرأة أميركية يعانين الإفراط في تناول الطعام. ويرجح أن تكون هناك أرقام جد عالية في عالمنا العربي، غير أن الخجل والذنب ومشاعر الكراهية الذاتية التي يمكن أن تترافق مع الإفراط في تناول الطعام، تجعل الأشخاص، لا سيما النساء، يمتنعون عن التحدث عن سلوكهم. وكأنهم بصمتهم يمحون جريمتهم.
علاج نفسي
هذا الاضطراب سهل العلاج، إذا اعترفتم أولاً بوجوده. ولعل العلاج السلوكي المعرفي هو الأكثر فعالية، كونه يعالج مخاوف صورة الجسم وسلوكيات الحمية. كما يجب التمييز بين الشهية والشراهة. ثمة فارق كبير بين الحالتين. والعلامات الفارقة واضحة جداً، فالشهية دليل عافية صحية ونفسية وعائلية، أما الشراهة فمرض يشمل علاجه تناول بعض أنواع الأدوية النفسية التي توازن بين المزاج والمشاعر والعواطف. ثمة أطباء نفس يصفون في مثل هذه الحالات مضادات الاكتئاب.
هناك شرط آخر للشفاء، يتمثل في الامتناع عن تناول الأدوية التي تعمل على فقدان الشهية أو تؤثر في الجهاز الهضمي، لأن المشكلة ليست في جهاز هضمي مضطرب، بل هي مشكلة نفسية أخذت مظهراً من المظاهر الصحية.
علاجٌ آخر لا بُدّ منه، يتمثل في إعادة الثقة بالنفس للمريض، خارج إطار المعايير المجتمعية التي أثرت فيه. وقد أظهرت الأبحاث أن 70% من المرضى يتعافون من الشره على الطعام بعد وقت قصير من تلقي العلاج النفسي.
أمرٌ آخر يفترض ألا ينساه من يعانون أو من يميلون للسقوط في هذه المعاناة، يتمثل في أن الشخص المريض بشره الطعام يميل غالباً إلى الكمال وإلى إبهار الآخرين بإنجازاته، وهذا الميل يدفعه أحياناً إلى إيذاء نفسه، إذا ساءت أموره وفشل في ذلك. حينها يبدأ بإيذاء نفسه كعقاب لعدم الوفاء بالتوقعات التي تمناها فيدخل في دائرة تناول الطعام بنهم وشراهة، محاولاً الهروب من مشاعر الفشل أو الحزن.
اقرأ أيضاً: إذا كان زوجك يقوم بهذه الأمور فأنت الأكثر حظاً بين النساء!