تحدد علاقة الآباء بأبنائهم سلوكياتهم في الحياة، كما يساعد التأثير الإيجابي للآباء الأبناء على التخطيط لنموهم النفسي والاجتماعي والمعرفي والبيولوجي، فالعادات والتقاليد والموروث الثقافي والبيئة والتنشئة، التي ترعرع الوالدان فيها تلعب دوراً كبيراً ومؤثراً واعتبارياً في تربية الأبناء ولها الأثر الكبير أيضاً في بناء شخصياتهم وتوجهاتهم المستقبلية، لكن الدكتورة ياسمين الخالدي، خبيرة التنمية البشرية والعلاقات الأسرية، تلفت النظر إلى جانب آخر في علاقة الآباء بأبنائهم، إذ يلجأ بعض الآباء إلى معاملة الأبناء بالحزم والشدة والتسلط والهيمنة، مما ينتج عن تسلط الوالدين أثناء تنشئة الأبناء ردود فعل غير سوية تؤثر في مستقبلهم.
اضطرابات نفسية
تقول الخالدي: «طريقة تعاطي الآباء مع أبنائهم وتربيتهم، لها دور مهم في بناء حياتهم وتكوين شخصياتهم المستقبلية، والآباء الذين يحاولون التحكم في حياة أبنائهم وفرض سيطرتهم الكاملة عليهم، يمكن أن يسببوا لهم معاناة نفسية كبيرة في مراحل لاحقه من حياتهم، لا سيما أن المبالغة مثلاً في عدم السماح للطفل باتخاذ قراراته بنفسة وانتهاك حريته، إضافة إلى عدم تشجيعه وتحفيزه على التفكير المستقل في شؤونه، سيؤدي إلى حدوث ضرر وشرخ كبير في صحته النفسية على المدى البعيد».
استبيان النشأة
وتلفت الخالدي إلى أن نتائج سيطرة الآباء وتحكمهم في حياة أبنائهم بشكل كبير قد تؤدي إلى حدوث مشكلات نفسية تصيبهم، ومنها الشعور المستمر بعدم الرضا عن الذات، بينما الأبناء الذين عاشوا في جو يسوده الدفء الأُسري والتفاهم والاحترام والاحتواء بين الوالدين والأبناء، وقيام الوالدين بتشجيعهم على اتخاذ قراراتهم بأنفسهم، وتوجيههم وإرشادهم مع ترك مساحة لهم لحرية الاختيار واتخاذ القرارات، اتسمت حياتهم بالرضا وقبول الذات، وأصبحوا أسوياء نفسياً».
الانعزال عن المحيطين
وحول أسباب شعور بعض الأبناء بالانطواء والانعزال عن المحيطين، توضح الخالدي أن ذلك يعود لوجود قصور واضح في تربية الابن منذ الطفولة، لا سيما وقد زرع الوالدان في نفس ذلك الابن المنعزل الخوف والرعب، في مرحلة الطفولة المبكرة من خلال المبالغة في استخدام العنف وأساليب الترهيب والوعيد، اعتقاداً منهما أن ذلك سيساعد على بناء طفل منضبط السلوك، لكن ما يحدث بهذه الطريقة هو العكس، ويؤدي إلى إنتاج طفل مضطرب نفسياً، فضلاً عن الفجوة الكبيرة التي يحدثها ذلك الأسلوب في التعامل مع الطفل بينه وبين والديه، عندما يكبر ويصبح شخصاً بالغاً.
تربية صحيحة
توضح الخالدي أن الطرق الصحيحة للتربية، والتي ينبغي على الوالدين مراعاتها خلال مشوار التنشئة، تعتمد على منح الطفل مساحة من الحرية وفتح مجال النقاش معه، لكي يعبر عما في داخله، واحترام آراء الابن مهما صغرت سنه، فقد يعتقد البعض أن الطفل دائماً مخطئ، وأن الأكبر سناً دائماً على صواب، وتضيف: «لا بد أن يعلم الوالدان أن الطفل إذا نشأ في بيئة من التحكم والتسلط وفرض الرأي من الأكبر سناً، سينتج عن ذلك أبناء تتسم شخصياتهم بالعناد، وقد يقوم الابن بتنفيذ ما يريد من دون أن يخبر والديه خوفاً من التسلط والعقاب. وبدلاً من أن يسمع الطفل للآخرين خارج المنزل، مثل أصدقاء السوء ويستقي المعلومات من مواقع التواصل الاجتماعي والشبكة العنكبوتية، علينا حماية أبنائنا، بأن نكون الأذن المصغية لهم، ونحن من نرشدهم ونكون لهم خير صديق وعون، أيضاً من خلال غرس القيم والأخلاق الحميدة في نفوسهم، ومتابعة سلوكياتهم بطريقة غير مباشرة، ومساعدتهم في اختيار أصدقاء أسوياء، وضرورة شغلهم بممارسة رياضة أو هواية يحبونها ومشاركتهم في تلك الهواية قدر المستطاع».
نصائح وإرشادات
عدم تسلط الوالدين لا يعني التقصير في حق الأبناء وفي تربيتهم بحسب الخالدي، التي تؤكد أن أكثر ما يحتاجه الأبناء من الوالدين، هو الاهتمام والحب والرعاية وتوجيه النصائح والإرشادات، مغلفة بالحب والحنان، وليس التسلط والهيمنة التي تؤدي إلى المزيد من العناد والاضطرابات النفسية للأبناء، لا سيما أن غياب الرقابة غير المباشرة عن الأبناء قد تنتج عنه آثار سلبية غير محمودة العواقب مثل: انحراف المراهقين في المجتمع نتيجه غياب الرقابة الأُسرية، وذلك لأن الأسرة تلعب الدور الرئيسي في عملية الضبط الاجتماعي في مختلف المجتمعات، في ضوء المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المتسارعة، فضلاً عن إدمان المراهقين على التدخين أو المخدرات، ومرافقة أصدقاء السوء الذين يسببون انحراف الأبناء وأن يضلوا طريقهم بسبب غياب القدوة متمثلة في الوالدين، والحصول عليها من أشخاص ليسوا أهلاً لها، وتخلص الخالدي إلى أن رقابة الوالدين غير المباشرة لأبنائهما، من الأمور الضرورية جداً خلال مشوار التنشئة لكن بحدود.
اقرأ أيضاً: سارة الحربلي: أعمالي.. معنى ورسالة