«التبرع» عندما تبدأ الحياة من جديد
كثيرون يعانون أمراضاً لا يوجد لها علاج شافٍ ونهائي على أرفف الصيدليات، وتكمن وصفتهم الطبية في سحر كلمة «تبرع»، فأمراض مثل تليف الكبد أو الفشل الكلوي أو الرئوي يظل أصحابها مدينين لأشخاص يمنحون الآخرين جزءاً من جسدهم ويمنحون معها السعادة والأمل في العيش من دون آلام.. هؤلاء المتبرعون لا ينقذون المريض من براثن ومعاناة المرض فحسب، بل إنهم يسهمون في منح المريض حياة جديدة ضاربين أعلى وأنبل مثال على العطاء والتضحية، الأمر الذي يعكس ما يتمتعون به من إحساس بالمسؤولية وحب الخير والرغبة في منح السعادة للغير. «زهرة الخليج» التقت متبرعين أكدوا بعطائهم النبيل أن الدنيا ما زالت بخير ما دام هناك من يضحي من أجل الآخرين.
حياة جديدة
عبد الخالق يسلم من اليمن موظف في أحد القطاعات الحكومية بأبوظبي يقول: كانت أختي تعاني آلاماً بسبب الكلى منذ سنوات وفي الأشهر الأخيرة ازدادت آلامها وأصيبت بفشل كلوي، وطلب منها الطبيب إجراء عملية لزراعة الكلى، ولم نبحث لها عن متبرع إذ أجريت على الفور، أنا وإخوتي، الفحوص والتحاليل المطلوبة لمعرفة أي واحد منا تتطابق أنسجة كليته معها، من أجل إنقاذها من الموت.
ويضيف: التحاليل الخاصة بي أظهرت أني تطابقت معها، وبالفعل توجهنا إلى أحد المستشفيات الحكومية في أبوظبي وتمت العملية بنجاح منذ حوالي شهرين تقريباً، وقد أكد لي الطبيب أنني أستطيع أن أعيش بكلية واحدة.
وعن مشاعره تجاه ما قدم لأخته يقول: أشعر بسعادة غامرة وأنا أتبرع لإنقاذ حياة إنسان وأساعده على البقاء على قيد الحياة بفضل الله، لاسيما وقد سألوني في المستشفى قبل إجراء العملية ماذا ستفعل إذا لم تنجح الزراعة ورفض جسم أختك الكلية وقتها سوف تكون خسرت كليتك من دون داعٍ، فجاوبت الطبيب على الفور في هذه الحالة أتمنى أن يتم استخدام كليتي لإنقاذ حياة أي مريض آخر يعاني فشلاً كلوياً وهو بحاجة لها، وفي كل الأحوال الأمر بيد رب العالمين، والإنسان لن يعيش مرتين وما كتبه الله لنا سوف نراه، لكنني سأكون أسعد إنسان على وجه الأرض إذا تمت العملية بنجاح فأنا لا أحتمل الحياة من دون أختي الغالية.
صلة القرابة
قصة إنسانية أخرى للإماراتي الشاب محمد العامري رجل الدفاع المدني من أبوظبي الذي رفض أن يترك عمه الذي يعتبره في مقام والده يتألم بسبب الفشل الكبدي الحاد الذي كاد يفتك بحياته. ويقول: لم أتردد لحظة عندما اقترب عمي من الموت بسبب مرضه إذ نشأت في عائلة تعرف المعنى الحقيقي لصلة القرابة والتراحم والتبرع للمحتاج بالمال فما بالنا بمريض يحتاج إلى من ينقذ حياته من موت محقق خاصة أن هذا المريض أعتبره والدي الثاني وهو الذي رباني بعد وفاة والدي.
ويقول العامري: تأثرت كثيراً عندما كنت أشاهد معاناة عمي وهو يتألم من المرض فضلاً عن انتفاخ بطنه ونزول وزنه بالإضافة إلى التقلصات التي كانت تؤلمه وتؤلمني أيضاً لشعوري بأنني لا أستطيع أن أخفف عنه تلك المعاناة عندما كنت أرافقه إلى طبيب الكبد المعالج، ساءت حالة عمي النفسية يوماً تلو الآخر إلى أن صرح الطبيب بأنها النهاية وأنه لا جدوى من العلاج الآن والحل الوحيد هو إجراء عملية زراعة كبد.
ويتابع: كانت كلمات الطبيب بشرى خير بالنسبة لي ولأبنائه الذين سارعوا جميعاً لعمل التحاليل والفحوصات كي نرى من ستتطابق أنسجته مع أنسجة كبد عمي وكنت أول من أجرى التحاليل فأنا أعتبر نفسي واحداً من أبنائه ودعوت الله أن يقع الاختيار عليّ وبالفعل وبفضل الله ومساعدة دولتنا الحبيبة سافرنا إلى سنغافورة وتم إجراء العملية على نفقة الدولة بنجاح وتبرعت لعمي بـ45% من كبدي وقد شفانا الله وعافانا أنا وعمي وتزوجت من 3 نساء وأتمتع بالصحة.
تنبض بالحياة
بدوره لم يتوقع محمد زيد الشوابكة من الأردن أن هناك من سيضحي من أجل إنقاذ حياته بعد ما أصيب بمرض مناعي في الكبد سبب انسداد القنوات الصفراوية مما تطلب ضرورة إجراء عملية زراعة كبد وإلا فقد حياته. ويشرح حالته قائلاً: يئسنا من وجود متبرع بعدما قرر الطبيب أن العلاج الوحيد لحالتي هو الزراعة ولا بد من وجود متبرع تتطابق أنسجته معي، والقانون الأردني لا يسمح بالتبرع بالأعضاء إلا من خلال الأقارب من الدرجة الأولى فقط.
ويستكمل: سلمت أمري لله بعد رحلة استغرقت حوالي 3 سنوات ونحن نبحث عن شخص من العائلة تتطابق أنسجته معي من دون جدوى. وذات يوم بعد أن بدأت أفقد الأمل فوجئت بأختي الأكبر وقد قامت بمراسلة طبيب شهير وسردت له قصتي وأخذت منه موعداً وأجرت كل التحاليل والفحوصات المطلوبة، وبعد ذلك قرر الطبيب تطابقها معي وبالفعل قمنا بإجراء الجراحة على الرغم من أنني في البداية رفضت فكرة تبرعها من أجلي، لأنني كنت أخشى أن يحدث لها مكروه بسببي وعندها لن أسامح نفسي أبداً لكنها أصرت وبالفعل تبرعت لي بحوالي 60% من كبدها وكنت معها قبل العملية لفترة في المستشفى وكنت أشعر بالامتنان الشديد نحوها لاسيما وكلمات الشكر في هذه المواقف لن تكفي أبداً ولن توفيها حقها والآن ولله الحمد أنا وأختي بخير وتعافينا ولن أنسى أبداً ما حييت ما قدمته لي وهي قطعة منها تنبض بالحياة في داخلي.