يتنافس مصممو المجوهرات والاكسسوارات على ابتكار أقراط لتزيين الأذن، لكن الأمر ليس بالجديد أو صيحة فنية أو عصرية، إنما عبارة عن ممارسة قديمة جداً تعود لما يقارب الـ5 آلاف عام.
في عام 1991، اكتشف زوجان ألمانيان بالصدفة جثة رجل محفوظة في الجليد، في منطقة تعرف باسم جبال ألب أوتزتال، المومياء والتي أطلق عليها اسم أوتزي عاشت في أواخر الألفية الرابعة قبل الميلاد، وقد اكتشف علماء الآثار وجود 61 وشماً بدائياً من الخطوط والصلبان المنقوشة على القفص الصدري والعمود الفقري القطني والمعصم والركبتين والساقين والكاحلين. كذلك وجد العلماء أن شحمة أذن مومياء أوتزي مثقوبة وممتدة إلى 11 ملم. لكن مومياء أوتزي لم تكن الدليل الوحيد على أن ممارسة ثقب الأذن كانت شائعة في العصور القديمة، ففي العديد من الأعمال الفنية والمنحوتات والكتب والمراجع، وثق مدنيون قدامى من جميع أنحاء العالم، هذه الممارسة باعتبارها علامة على الثروة وأهمية الطبقة الاجتماعية.
وفي مدينة بيربوليس الفارسية القديمة، تظهر المنحوتات جنوداً زينت آذانهم بأقراط، وفي مصر القديمة، تم اكتشاف مقابر تحتوي على مومياوات مثقوبة الآذان، حتى مومياء الملك توت عنخ آمون، كانت تحمل علامة ثقب الأذن، فضلاً عن العثور على أقراط أذن في قبره.
أهمية ثقافية
كان ثقب الأذن له أهمية ثقافية وروحية لدى القبائل القديمة في جميع أنحاء العالم، وكانت ممارسة هذا الأمر ترتبط باعتقادات عدة منها السحر والشعوذة. فقد ساد الاعتقاد في بعض المجتمعات القديمة، أن الأرواح الشريرة تتملك البشر من خلال الأذنين، لهذا كان يتم ثقب شحمة الأذن حتى تخرج هذه الأرواح من خلالها، بينما اعتقد البعض الآخر أن المعادن تبقي الأرواح الشريرة بعيدة، لهذا كانت توضع فيها الأقراط. ولدى بعض القبائل الأخرى كان ثقب الأذن يعتبر رمزاً لمكانة الشخص وأهميته، في حين كان يقام احتفال خاص لثقب أذني الطفل الذي يقترب من سن البلوغ في مجتمعات أخرى.
في أفريقيا مثلاً، تعيش قبيلة تعرف باسم سامبورو، في هذا المجتمع يجبر المقاتلون على تخريم آذانهم ووضع أقراط مصنوعة من العاج دليلاً على شجاعتهم وبسالتهم. وفي بورنيو يقوم كل من الأب والأم بثقب شحمة أذن طفلهما لإظهار أنه يعتمد عليهما.
وفي أوروبا في القرن السادس عشر، كان من المعروف أن الرجال الذين يعملون في بلاط الملك يثقبون آذانهم، كما كان البحارة مشهورين بوضع حلقة واحدة في أذن واحدة، للدلالة على أنهم أبحروا لمسافات بعيدة، ولضمان بيع القرط من قبل من يجد جثتهم في حال وفاتهم في البحر، بهدف توفير دفن ملائم لهم.
لا ثقوب
ومع مرور الوقت وتحديداً في القرن الثامن عشر، ظهرت أقراط الأذن المشبكية التي يمكن وضعها من دون الحاجة إلى ثقب الأذن، وذلك نتيجة رفض بعض النساء الخضوع لهذه الممارسة دليل استقلالية وتمرد على الواقع، وبقي ثقب الأذن رائجاً بين الأفراد من الطبقة الفقيرة حتى الخمسينات من القرن الماضي. وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، راجت من جديد صيحة ثقب الأذن بين النساء، تعويضاً عن سنوات الحرمان من العناية بالذات بسبب الحرب.
ثلج وإبرة
في تلك الفترة لم تكن متاجر ثقب الأذن منتشرة كما هي اليوم، فكانت الشابات يتولين بأنفسهن ثقب آذان بعضهن البعض في حفلات خاصة، حيث يستخدمن مكعبات الثلج لتخدير شحمة الأذن ثم ثقبها بواسطة إبرة الخياطة. استمرت هذه الحالة سائدة إلى أن اصبح لزاماً ثقب الأذن في المستشفيات أو لدى متخصصين لتفادي الإصابة بالالتهابات.
هكذا بدأت متاجر ثقب الأذن تكتسب شعبية في فترة الثمانينات من القرن الماضي، وبحلول التسعينات قل عدد الأشخاص الذين يتحفظون على هذه الممارسة، وبتنا اليوم نرى في كل بلد، النساء يثقبن آذانهن ويضعن أقراط الأذن بغرض الزينة.
تخريم بالكامل
مع الوقت تطورت عملية ثقب الأذن، فبالإضافة إلى ثقب شحمة الأذن، ظهرت ستايلات أخرى من الثقوب وبتنا نرى: ثقب الدايث (الغضروف الوسطي)، وثقب المحارة، والثقب الصناعي (يتم عادة على الجزأين من أعلى الأذن لإدخال المعدن فيه)، وغيرها، إذ بات بالإمكان مشاهدة فتيات لديهن أكثر من 10 ثقوب مختلفة في الأذن الواحدة. وأسهم المشاهير ومصممو الاكسسوارات في رواج موضة البيرسينغ، من خلال ابتكار تصاميم مختلفة للأقراط من السلاسل، والدلايات، والإطارات المعدنية، وحتى الأقراط الصغيرة بأشكال متنوعة وبألوان مختلفة. كذلك أسهمت السوشيال ميديا في عصرنا الحالي في الترويج أكثر لتزيين الأذن بأقراط متعددة، مع انتشار صور المشاهير والمؤثرين الذين يضعون أقراط أذن عدة، مثلما فعلت بيونسيه، وغيرها. أما من ليس لديها الجرأة لخوض مغامرة ثقب الأذن في أكثر من مكان، فبإمكانها استخدام الأقراط الممغنطة التي تمنحها إطلالة البيرسينغ متعدد الأقراط، من دون أن ترغم على ثقب أذنها.
اقرأ أيضاً: رشا عامر: أنقل قصة التسامح من الإمارات إلى العالم