الثقافة العربية تزخر بالشخصيات الشعبية والأسطورية التي ظلت وما زالت مدفونة وسط تلال من غبار التجاهل والصناعة الرديئة التي تعودنا عليها طوال تاريخنا.. لم تستخدم الشخصيات الشعبية العربية كعنترة بن شداد أو أبو زيد الهلالي أو الزناتي خليفة أو علي الزيبق أو حكاية العقيلي أو بابا درياه والكثير من الشخصيات، ولا ننسى أن تراثنا يزخر بأهم كتاب للحكايات والشخصيات الشعبية والأبطال واستخدم الغرب الكتاب في توليد الكثير من مخيلاتهم لبناء شخصيات أسطورية شعبية يسهل تسويق ثقافتهم من خلالها، إنه كتاب ألف ليلة وليلة، فماذا صنعنا نحن تجاه شخصياتنا؟
دعوني أتساءل، وأتوجه بهذا السؤال بشكل خاص لليافعين والشباب، ماذا تعرفون عن العقيلي وماذا تعرفون عن باتمان؟ أريدكم أن تقارنوا بين معلوماتكم عن كلتا الشخصيتين وأيهما تمتلكان تصوراً أكبر عن تفاصيله؟ أثق بأن باتمان سيكسب الجولة عند الأغلب منكم.
الشخصية الشعبية يتم توظيفها في الأعمال الإبداعية لتمثل مدخلاً لنموذج من القيم نسعى إلى تشكيل شخصيات أطفالنا عليها وتظل السينما هي البوابة الكبرى لعقول وقلوب الأطفال، فالسينما تخاطب الإنسان من خلال معظم حواسه فيمكنها السيطرة على العقل والنفاذ إليه بكل قوة.. ونحن امتلكنا التراث والشخصيات التراثية العتيقة والتي تمثل نماذج من الممكن أن تؤثر في الثقافات الأخرى وليس فقط في ثقافتنا، ولكننا لم نجد تسويقها سينمائياً وإبداعياً حتى لمجتمعنا في حين أن السينما الغربية والأميركية على وجه التحديد استطاعت أن تصنع شخصياتها الشعبية صناعة وتخلقها بلا تراث حقيقي واستطاعت أن تغزو بها كل الثقافات لأنها وظفتها سينمائياً بصورة باهرة تسيطر على الحواس فيسهل أن تعيد تشكيل العقل.
ونحن أطفال تربينا على حكايات تراثنا القديم على بابا دراياه وأم الدويس وقصص البحارة والغواصين والسيرة الهلالية حكاية العقيلي، ولكن اليوم سؤالي لكم على ماذا تربى أولادكم في البيوت على سينما بات مان وسبايدر مان وسندريلا والجميلة والوحش وسنووايت وغيرهم من الشخصيات الشعبية الغربية.
هذا ليس رفضاً للثقافات الأخرى لكننا نحن نحتاج إلى ترسيخ ثقافتنا وتراثنا من خلال الشخصيات الشعبية التي نمتلك منها رصيداً عظيماً غير مستغل بصورة قوية ثم ندمج الثقافات الأخرى في منظومتنا المعرفية حتى لا تختفي هويتنا وثقافتنا.
نحتاج لمشروع قومي متكامل لإعادة الحياة إلى تراثنا وتاريخنا وشخصياتنا الشعبية أدعو لمشروع تمثل الصورة والسينما جواده للانطلاق في فضاء البناء الثقافي والقيمي للأجيال القادمة.