هي سيرة المجد والرقي عندما يقترنا في فضاء الزمان والمكان، ليتخلق منهما دولة عظيمة منحها مؤسسوها الجهد والمعرفة، إنه تاريخ نهضة المملكة العربية السعودية الذي يتلألأ في سماء العزة، ليصنع حاضراً مشرقاً ومستقبلاً مزدهراً، يُضاف إلى البناء الذي أرساه ملوكها منذ التأسيس، لتصل إلى أن تكون بؤرة الاهتمام والإعجاز الحضاري، وفق رؤية تمتد حتى العام 2030، على أرض المملكة التي تحتفي «زهرة الخليج» بيومها الوطني التسعين، إذ تحتفل المملكة في الثالث والعشرين من شهر سبتمبر من كل عام، باليوم الوطني السعودي، وتعود مناسبة هذا اليوم إلى تاريخ توحيد المملكة العربية السعودية من قبل المؤسس الملك عبد العزيز آل سعود.
تقع المملكة السعودية على امتداد مساحة جغرافية واسعة تبلغ 2,149,690 كم مربعاً، أكسبتها أهمية اقتصادية وجيوبوليتيكية حساسىة، أهلتها للعب أدوار مؤثرة في نطاق إستراتيجية العلاقات الدولية، فضلاً عن موقعها الروحي في قلوب أكثر من ربع سكان العالم من المسلمين، كونها مهد الرسالة المحمدية وموطن الحرمين الشريفين، عدا عن كون المملكة تحوز مصادر غنية للقوة الناعمة، مما خلق لها حضوراً وجدانياً غاية في التأثير من النواحي الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
ماض عريق
إذا يممنا وجهنا شطر بداية التاريخ، لنستجلي بدايات تكوّن المملكة العربية السعودية، سنجد حدثاً تأسيسياً. ففي أواسط القرن الخامس عشر الميلادي هاجر الجد الأكبر لأسرة آل سعود مانع بن ربيعة المريدي من جوار القطيف إلى نجد، حيث استقر وقام بتأسيس مدينة الدرعية. وكانت بداية السعودية بتأسيس الدولة السعودية الأولى (إمارة الدرعية) على يد الإمام محمد بن سعود سنة 1157هـ/ 1744م، والتي انتهت سنة 1233هـ/ 1818م، ثم تبعتها الدولة السعودية الثانية (إمارة نجد) وكانت قد بدأت بعد الدولة الأولى إلى أن انتهت سنة 1308هـ/1891م. ولاحقًا جرت محاولات لتأسيس دولة سعودية ثالثة، فتم ذلك على يد عبد العزيز آل سعود سنة 1319هـ/ 1902م، فأصبحت لاحقاً (سلطنة نجد) ثم بعد ذلك (مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها)، إلى أن أصبحت تحت مسمى المملكة العربية السعودية بعد توحيد جميع أراضيها في كيان واحد، وكان ذلك في جمادى الأولى1351هـ/ والذي يوافق 23 سبتمبر 1932م، إذ بدأت عملية التحديث على الجوانب الإدارية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية.
نمو اقتصادي
أخذت قصة اكتشاف النفط في المملكة منحنى تاريخي ضخم، حيث تحولت المملكة من منطقة يتركز اقتصادها حول تربية المواشي والزراعة والتجارة والصناعات البسيطة، وكان موردها الأساسي يعتمد على الحج والعمرة، إلى دولة تعتمد على 90% من إيراداتها من عوائد النفط، وكانت بداية تاريخ النفط في المملكة، عندما بدأ عبد العزيز آل سعود التفكير في الحاجة إلى تطوير دخل المملكة ليساهم ذلك في نهضة الدولة الفتية، فقد شهدت المملكة اكتشاف البترول وتطور صناعته، ليلعب دوراً مفصلياً في نهضة المملكة عبر الحقب المتتالية التي توالى على البلاد من ملوك السعودية الذين بذلوا الجهد، لتكون المملكة العربية السعودية على ما هي عليه الآن من تطور ورفعة.
تطور وتنمية
على خطى التحضر والنماء، انطلقت مسيرة المملكة وفي كل عهد ملك جديد تزداد تطوراً، وإذا تعمقنا في نهضة المملكة العربية السعودية، نجد أن وراءها ازدهار اقتصادي تمرحل على امتداد مرحلتين، الأولى: عنوانها التخطيط التنموي من 1970- 2014، أما الثانية فهي مرحلة رؤية المملكة 2016 - 2030، وقسمت مرحلة التخطيط التنموي إلى ثلاثة أطوار، فالأول: هو طور الازدهار: 1970- 1981، ثم طور الركود: 1982 – 2002، ثم طور الانتعاش: 2003 – 2014، وشكل عام 2015 علامة فارقة في تاريخ الاقتصاد السعودي مع تولي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود مقاليد الحكم.
نموذج رائد
منذ تولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، زمام أمر المملكة العربية السعودية، بادر إلى وضع إستراتيجية متكاملة لجعل المملكة منارة للمعرفة والثراء الروحي والمادي، فصار الشعب السعودي بجملة حركته الحياتية تحدو مسيرته كلمات الملك القائد، التي يقول فيها: (هدفي الأول أن تكون بلادنا نموذجاً ناجحاً ورائداً في العالم على كافة الأصعدة وسأعمل معكم على ذلك)، وهي عبارة عن إستراتيجية نهضوية في كل المجالات، أوضحها في إيجاز ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، في جملٍ بسيطة المبنى عميقة المعنى، إذ يقول: (أقدم لكم رؤية الحاضر للمستقبل، التي نريد أن نبدأ العمل بها اليوم للغد، بحيث تعبر عن طموحاتنا جميعاً وتعكس قدرات بلادنا).
رؤية ومراحل
جاءت مرحلة رؤية السعودية في المرتبة الثانية، حيث قسمت هذه المرحلة بدورها لثلاثة فترات، هي فترة التأسيس: 2016 -2020، ثم فترة تحقيق الأهداف وجني المكاسب: 2020 - 2025، ثم فترة تعميق الأثر: 2025 – 2030. وتستند رؤية 2030 على ثلاثة مرجعيات، هي: المجتمع الحيوي والاقتصاد المزدهر والوطن الطموح، وهذه المرجعيات تتمازج في إطار تكاملي لتحقيق أهداف الرؤية.
تصنيع واستثمار
كان لرؤية 2030 وقعها الإيجابي، حسب توجيهات خادم الحرمين الشريفين بأن تحظى الصناعة قسطاً وافراً من الاهتمام، مما أثر ذلك في النمو الكبير للقطاع الصناعي، لنجد أن عدد المصانع الداخلة في دورة الإنتاج الفعلي، قد ارتفع من 207 مصانع إلى 7630 مصنعاً في عام 2018، ويؤكد ذلك ازدياد رأسمال المستثمر في الصناعة من 4.3 بليون ريال إلى ما يقارب 1.1 تريليون ريال. وفي ميدان السياحة التي نجدها قد انتعشت وترامت إنجازاتها، كهدف أصيل من أهداف رؤية 2030، لتنطلق السياحة إلى آفاق الإنجاز والتنوير، فقد صار معدل مشاركتها في الناتج القومي المحلي أعلى من السابق بكثير، إضافة إلى التطور في مجال الترفيه الذي يقترن دوماً بمعدلات نمو السياحة، كما تم إنجاز مشروع البحر الأحمر، وهو مشروع سياحي ضخم، وحسب الخطة المرسومة في رؤية 2030 فقد أعطي الضوء الأخضر لشركة فيو الدولية لافتتاح 30 صالة سينما في السعودية، مع شروع هيئة الترفيه في إنشاء دار للأوبرا في جدة، وفي مجال الرياضة شهدت ملاعب لعبة كرة القدم أول حضور للعائلات السعودية في المدرجات، كما انطلق سباق الفورمولا إي 2018 في الرياض، إضافة لانعقاد فعالية لأبطال سباق السيارات في استاد الملك فهد الدولي بمدينة الرياض.
تعليم جامعي
وفي مجال التعليم، أوردت الإحصاءات العامة، أن نصف سكان السعودية قد نالوا تعليماً ثانوياً أو أرفع من الثانوي، كما ارتفعت نسبة الحاصلين على التعليم الجامعي إلى 28.1% من الذكور، و25.5% من النساء، هذه الطفرات في ميدان التعليم نجدها مبررة، حيث نجد أن نسبة إنفاق المملكة على التعليم يفوق المعدل العالمي البالغ 4.6% ليصل في المملكة إلى 8.8%، وهذه إحدى مميزات عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود.
اقتصاد كلي
كان لا بد للمجهودات التي بذلت في مجال الاقتصاد الكلي للمملكة، أن تنعكس على النسب الواقعية لمعدلات البطالة، حيث نجدها قد تدنت في وسط الشباب من 42.7% في سنة 2017، لتصبح 36.6% في سنة 2018، وتشير الإحصاءات إلى مفاجأة في مجال العمالة وسط الإناث، فقد ارتفعت نسبة العمالة بينهن من 19.3% في سنة 2017 إلى 20.2% سنة 2018، وهنا يطالعنا التوجه التنموي الأصيل الذي يعمل على إشراك نصف المجتمع المؤنث في العملية الاقتصادية الهائلة العاملة على تحديث كل قطاعات الدولة، والذي بلغ أوجه في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود.
تمكين المــــــرأة
حظيت المرأة السعودية باهتمام بالغ في رؤية 2030، حيث نالت حقها في إمكان قيادة السيارات، وتم إصدار رخص لقيادة الطائرات لسيدات سعوديات، ثم توفر للمرأة مجالاً واسعاً لعملها في ميادين التقنية ومحلات الصيانة. كما سمح للمرأة أن ترتاد مجال الأعمال الخاصة دون موافقة ولي الأمر، وجاء الإنجاز الأكبر مدوياً عندما أبيح للمرأة السعودية المشاركة في الانتخابات، وإمكان ترشحها لانتخابات المجالس البلدية، إضافة إلى تشجيعها على تولي المناصب العليا في الدولة.