قبل أن يكتب بيتهوفين السيمفونية التاسعة كان قد أصيب بالصمم وتلك كانت معجزته... أما المغني الأوبرالي أندريا بوتشيلي الطفل الذي ولد في قرية صغيرة بإقليم توسكانيا الإيطالي والذي كان يغني لعائلته وسرعان ما صار يغنى للعالم كله فله حكاية أخرى جعلته الأكثر مبيعاً في العالم.
لم تكن الرحلة نحو عالم الشهرة سهلة لطفل قادم من الريف وفقد نعمة البصر فلم يجد أمامه سوى الصوت بساط الريح الذي حمله نحو العالمية وجعله يقف إلى جانب بافاروتي مغني الأوبرا الأهم عالمياً ليقول للعالم من روما تبدأ الحكاية.
ولادة وصعوبات:
كان يمكن أن لا يرى النور و ألا نراه لو قررت أمه المريضة أن تجهضه، لكنها دافعت على بقاء الجنين في بطنها رغم تحذير الأطباء لها بأن ابنها سيعاني من مشكلة ما.
أبصر بوتشيلي النور في 22 سبتمبر عام 1958 فلم يولد أعمى لكن بصره كان ضعيفاً حتى فقده في الثانية عشرة من عمره أثناء لعبه كرة القدم التي جاءت كرمية حجر على عينيه.
كان والداه يعملان في الزراعة وبيع الآلات وصناعة النبيذ في قرية صغيرة تدعى لا ستيرزا وقد ساهما بتعليمه الموسيقى من دون أن يعرفا بأنه سيصبح أحد أعظم مغنيي الأوبرا في العالم .
بدأ تعلم العزف على البيانو وهو في السادسة من العمر ثم مضى إلى تعلم آلات أخرى كان يسحره صوتها كالفلوت والسكسافون.
وكان من حوله يعرفون جمال صوته لهذا كان يغني في الاجتماعات العائلية والمدرسة، حياته كانت أشبه بقصة خيالية قصة طفل كان يتوق إلى حضور القداس أيام الآحاد ليتسنى له العزف على البيانو وبالتالي السير وراء حلمه.
تواصلت رحلته في التحدي مع الموسيقى التي جعل منها نافذة نحو نور قلبه ففي عام 1970 كانت أول اختباراته الناجحة في مسابقة للغناء وكان هذا طريقاً جديداً ليتلقى بعدها دروساً في الأصوات على يد لوتشيانو بيتاريني.
حين أنهى الدراسة الثانوية ورغم شغفه بالموسيقى والغناء إلا أن والده أقنعه بدراسة القانون وهو ما حصل فعلاً، فقد درس في جامعة بيزا وكان أثناءها يغني في الملاهي الليلية ليسد نفقات تعليمه وبعد تخرجه عمل بمهنة المحاماة ورغم هذا بقيت الموسيقى هاجسه الأقوى.
وهنا يكبر السؤال: متى احترف الغناء وكيف وصل إلى العالمية؟
كان نجاحه علامةً فارقةً غيرت كل حياته وجعلته وجهاً لوجه أمام هذا الفن فقد تخطى الأربعين ولم يدق طعم الشهرة بعد.
والشهرة لواحد فقد بصره مثل بوتشيلي ليست سهلة أبداً إذ لم يكن طريقه مفروشاً بالورد، في عام 1982 سجل بوتشيلي 15 ألبوماً تضمنت موسيقى البوب والموسيقى الكلاسيكية ورغم هذا فقد تأخر في الانتشار ودخول عالم الفن من بابه الواسع.
لكن الحظ حالفه وكأنها ضربة نرد فحين سمع مغني الأوبرا بافاروتي تسجيل تجريبي له لترنيمة ميزيريه على شريط كاسيت والتي ساهم في كتابتها شجع ملحن الترنيمة بأن يغنيها بوتشيلي وبدأ النجاح في عام 1992، وفيما بعد تعانق صوت بافاروتي وبوتشيلي حين غنيا معاً ميزيريه لتصبح فيما بعد أغنية واسعة الانتشار في أوروبا والعالم.
آمن لاحقاً بأن الموسيقى تجعلنا أكثر إبصاراً وخيالاً وأن علينا أن نتتبع الصوت لنُحمل على أجنحة الخيال، ومنذ عام 1999 بات النجم الأهم عالمياً لما يتميز به في الجمع بين الأوبرا والبوب والغناء الرومانسي بجمال لا مثيل له.
ولا يزال إلى اليوم الصوت الهادر بالحب والإحساس وأحد أكثر المغنين شهرة في العالم.
أغرم بالغناء وكان لكل أغنية عنده حكاية ومكانة وفي رحلته المدهشة غنى دويتو مع أهم نجوم العالم ونجوم البوب وأبدع في مشهدية التناغم الصوتي ومنهم سيلين ديون وتوني بينيت وأريانا غراندي وجنيفر لوبيز.
ووقف مع بافاروتي وبلاسيدو دومينغو وخوسيه كاريراس وحول الغناء إلى وطن وحب وكون مفتوح على الإنسانية.
أغرم بأغنية Vivo التي تعكس قصة حبه مع زوجته فيرونيكا وغني برفقة ابنه ماتيو تلك الأغنية الساحرة Fall on Me التي قدمها كمن يأخذ ابنه إلى المجد.
ولأنه مغنٍ متفرد فقد دخل موسوعة غينيس للأرقام القياسية بعد إصدار ألبومه الكلاسيكي Sacred Arias فقد احتل في وقت واحد المراكز الثلاثة الأولى على قوائم الألبومات الكلاسيكية للولايات المتحدة.
و رغم كل هذه النجومية لا يزال بوتشيلي يشعر بالخوف قبل أي عرض لأن المسرح بالنسبة له حالة من العري الكامل إذ يعتبر الصوت أداةً حميمةً جداً لهذا يغني على المسرح بصدق لا مثيل له.
وفي أوج فترة تفشي وباء كورونا ساهم بوتشيلي في أبريل الماضي في رفع معنويات الإيطاليين عبر غنائه وحيداً أمام كاتدرائية دوومو الشهيرة.
الزواج والأسرة:
تزوج بوتشيلي للمرة الأولى من إنريكا سينزاتي عام 1992 وأنجب آموس وماتيو وانفصلا عام 2002 وبقيا صديقين
زواجه الثاني من فيرونيكا بيرتي كان في مارس 2014 بعد 12 سنة حب ضمن حفل اسطوري أقيم في ليفورنو بإيطاليا
كان في عمر الـ 55 عاماً أما عروسه وهي مديرة أعماله فكانت في الثلاثين من عمرها وأثمر هذا الزواج بنتاً اسمها فرجينا.
ولأنه يشعر بالحب والأبوة فقد كان يغني لها منذ كانت في رحم والدتها.
بوتشيلي المبدع دائماً أقام العديد من الحفلات حول العالم وهو ما أهله للحصول على أهم الجوائز وأصدر العديد من الألبومات منها Tosca و Love، من أشهر أغانيه "توسكا" و"أعيش من أجلها" Vivo Per Lei التي أداها بخمس لغات.
قدم بوتيشلي عدة حفلات في الدول عربية وغنى في الإمارات أكثر من مرة في أبوظبي ودبي مقدماً روائع الأوبرا وأهم أغانيه المشهورة، كما غنى في المملكة العربية السعودية وأطل باللباس الوطني ضمن فعاليات "شتاء طنطورة" وأبهر الجمهور بأروع أغنياته.
ورغم أنه وقف على أهم مسارح العالم إلا أنه يكره السفر ولا يصدق متى يعود إلى وطنه إيطاليا وبيته وأسرته.
جوائز:
مُنح وسام الشرف الأعلى وهو أكبر استحقاق تمنحه الجمهورية الإيطالية.
شارك في مسابقة احتفال سانريمو عام 1994 وفاز بأرفع الألقاب عن قائمة الكلاسيكين الجدد.
في عام 1998 أُعلن بوتشيلـّي واحداً من أجمل 50 شخصاً في مجلة بيبول.