من الكتب التي استمتعت بقراءتها مؤخراً كتاب (قلق السعي إلى المكانة) للكاتب السويسري آلان دو بوتون.
قد يوحي عنوان الكتاب لقارئه بأنه أحد كتب التنمية البشرية التي ستدل القارئ على أفضل وأسرع الطرق لتحقيق مكانة ما في مجتمعه، ولكن الواقع أن الكتاب ما هو إلا استعراض تاريخي يصحبنا فيه الكاتب عبر حقب زمنية بعيدة؛ يتناول فيها كل المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي كان لها تأثير مباشر في تغير مفهوم المكانة الاجتماعية .
سنجد أن مصطلح «المكانة» لم يكن يوماً مصطلحاً ثابتاً، بل كان يتغير بحسب المجتمع الذي يوجد فيه، فعلى سبيل المثال ومنذ 400 سنة قبل الميلاد اعتبر المجتمع الإسبرطي القديم أن أفراده ذوي الشراسة والعضلات الضخمة والمقاتلين هم الأعلى مكانة ومنزلة، وأتت بعد ذلك مجتمعات أخرى كانت تولي المكانة للأفراد الأكثر تديناً، وأخرى أعطت الأهمية لكل من يملك مالاً وفيراً وأراضي شاسعة، وفي بعض المجتمعات حظي أصحاب العلم والمعرفة بمكانة لائقة!.
في وقتنا الحالي أصبح نيل مكانة عالية أو شرف رفيع أحد أهم الأهداف التي يسعى معظم الناس لتحصيلها وبات السعي لتحصيل مكانة ما؛ هاجساً مقلقاً للبعض لدرجة قد تدفعه لبذل الغالي والنفيس من أجل ذلك؛ وقد يدفع ذلك البعض لأن يريق ماء وجهه في سبيل إحراز «شهرة» يعتقد، بسذاجة منه، أنها تحقق له مكانة مرموقة بين الناس، وما نراه من فيديوهات ساذجة ومهينة على مواقع التواصل الاجتماعي إلا مثال على ذلك!.
طموح الإنسان لتحقيق شهرة ما، أو مكانة متميزة أمر مشروع أياً كان غايته، ولكنه لابد وأن يتحصل عبر طرق مشروعة، لا طرق ملتوية ومهينة تثير من حوله الشبهات.
ولعل أكبر خطأ يرتكبه الإنسان في حق نفسه حين يرى حضوره ومكانته استناداً لما يراه الآخرون فيه، مثل هذا الإنسان يفتقر إلى الثقة أولاً، ويظل طوال حياته رهينة لانطباعات الآخرين. ولنا أن نستهجن في هذا الصدد الأناس الذين تخلوا عن مبادئهم وأخلاقهم وجعلوا من أنفسهم أضحوكة فقط من أجل أن ينالوا «مكانة» وهمية يتباهون بها بين الآخرين.