الأميرة طرفة بنت فهد آل سعود: الفنون السعودية تبرز المشهد الثقافي العربي عالمياً
باحثة عن أبجدية جديدة ترتب بها الفضاء العام للفن والثقافة والجمال، تطوع الفنانة التشكيلية الأميرة طرفة بنت فهد آل سعود، أفكارها وريشتها وألوانها بأناقة رفيعة، لترسم الأمل وتجلياته الساحرة، تغزل بأعمالها وإنجازاتها لوحة من نسيج التواصل الإنساني وحب للحياة لا يركن للتقليدي والروتين.. وبتمرد مستوحى من الطفولة والبراءة وعمق الخبرات والعواطف، تقدح شرارة المعرفة لتضيء بها خيال الناس وتشجعهم على تجاوز حدودهم وأفكارهم الفردية، حول الواقع بسلاسة ودقة. «زهرة الخليج» ولجت إلى عوالمها، لنكتشف جوانب من تجربتها المدهشة في حياتها الخاصة ومسيرتها الإبداعية والعملية.
• كيف اكتشفت موهبتك في الرسم والتشكيل؟
- بدأ الأمر مع حبي لحصة التربية الفنية وحماسي لها، ومحاولاتي العديدة في التحدي وتحويل العمل المطلوب لشيء مختلف، مما يثير استياء المعلمة أحياناً، لكن تشجيع والدتي لي والتي لديها حس عال للجمال والتصميم، إذ كانت تخيط بنفسها فساتيني أنا وأختي، ألهمني وعزز لدي ميولي الفنية.
• من أين تستوحين رؤيتك الجمالية في كل ما تقومين به من أعمال؟
- لا أدري إن كان جمالاً، ولكنه بالتأكيد الإلهام الذي يدفعني للتعبير، قرأت مرة عبارة، تقول: (ما من ذرّةٍ في الوجود إلا ولها قلب)، فهي القصص المتعلقة بكل شيء ولها قلب، الوقت، المكان والإنسان. أشعر بقصص ما حولنا من زوايا لا نعيرها اهتمامنا، مع أنها جزءاً من مساحتنا في تلك اللحظة، ففي تلك المساحة، الحكايا الكامنة في الشعور وفهمها، المطر وأوقات الدعاء والتجلي والسكون في خضم الحركة. تشدني مقولة ولت ويتمان: (جلال العالم وجماله.. موجودان خفية في أيّ ذَرَّة في الوجود).
•ما هي أهم الأمور التي ساعدتك على اكتشاف ذاتك؟
- علاقتي بالله سبحانه هي أهم ما يجعلني أكتشف ذاتي باستمرار، فالاتصال الروحي هو أساس البصيرة، كما أهتم دائماً بالتعلم والقراءة والبحث في أمور مختلفة، أهمها مجال علم النفس وتطوير الذات والفلسفة، إضافة إلى الفن طبعاً، فهو كان وما زال وسيلة لاكتشاف النفس بشكل كبير، فمن خلال العملية الإبداعية نتعلم ما يعرف بالسلوك الإبداعي، والذي يبدأ معنا من الانتباه لكل شيء حولنا، إلى أن يخرج عملاً إبداعياً يراه الجميع. وهذه العملية وهذا السلوك يطورنا روحياً وفكرياً ومشاعرياً، ويكشف لنا الكثير عن خفايانا سواء من مواهب أو وعي جميل، من خلال الإبداع أنا أتدفق بسكون في داخلي، لتكون البصيرة من الله في اكتشاف ما وهبني إياه.
أبنائي مستشاريّ
• ماذا علمتك الأمومة كإنسانة وفنانة؟
- الأمومة من أكبر نعم الله التي وهبني إياها، وهي تجربة ابتدأت عندي في سن مبكرة (19 عاماً). وقد علمتني كإنسانة عمق المعاني، معنى الحب، المسؤولية والصبر، وحتى معنى القسوة بشكل مختلف كالقسوة بحب، فقد أقسى عليهم لأجلهم أو على نفسي لمصلحتهم، كما تعلمت معنى الانصات وحقيقة الإيثار. تعلمت أن أتعلم من حكمة أبنائي ووجهات نظرهم، وهم بالمناسبة أقرب المستشارين لي، فدائماً أحب مشورتهم ولنا حوارات عميقة عن كل شيء حولنا، ويتجلى هنا معنى جديد للصداقة. وكفنانة تعلمت منهم المغامرة سواء بالألوان، مثل عفوية رسم الأطفال خارج الحدود أو باستقبال الفرص والتجارب، وتدور بيننا نقاشات كثيرة في ما يتعلق بالتذوق البصري لما حولنا من تصاميم وفنون وعمران والفكر الفلسفي.
• إلى أي مدى تجدين تأثير أعمالك الفنية وتوجهاتك على الناس؟
- يهمني أن يصل ما أنتجه من أعمال للمتلقي بطريقة بسيطة، وتكون هذه الأعمال دعوة للتأمل وللتوقف في لحظات معينة ليتبصر في نفسه ويستشعر أكثر ما حوله، لأننا نعيش في زمن ذي وتيرة متسارعه، وقد تغيب عنا لحظات ومعاني فقط لأننا اعتدنا على هذا الإيقاع. ومن العناصر المهمة في أعمالي وجود الفراغ والطبقات والحركة، ولن تكون ملحوظة أو مفهومة إلا بالتوقف والتأمل والسكون، وأعمق تأثير عندما يثير العمل التساؤلات، وأجمله عندما يصبح العمل محوراً لقصص تدور حول الحنين والذكريات، فيشاركها الناس معي وقد تصاحبها الدموع أحيانا!
•هل وصلت بأعمالك الفنية إلى الذوق السعودي والعالمي؟
- أعتقد أن أعمالي من لوحات وفن الفيديو والتصوير الفوتوغرافي لها متذوقوها من محبي الفن المعاصر، ويتفاوت متلقيي هذا النوع من الفن، لأنه بالغالب تجريدي وغير مفهوم للوهلة الأولى، وما لاحظته أن المتذوق العالمي للفن التجريدي مألوف لديه ويجذبه أكثر، وهذا الفن بدأ متذوقوه في السعودية بالتزايد رغم أنه في الغالب كان لديهم تقبل أكثر للفن الواقعي أو البوب أرت وماله ملامح مألوفة ومفهومة، ولكن مع مرور الوقت لاحظت استقبالا أكبر للفن التجريدي التعبيري والتجريبي المعاصر.
• عملك مع مؤسسة مسك للفنون كيف كان تأثيره عليك، وماذا أضافت لك التجربة وأضفت لها؟
- أتاح لي ذلك رد الجميل للوطن والمجتمع، فالعمل بمؤسسة غير ربحية تنتج مشاريع ضخمة مهمة تلامس أفراد المجتمع بشكل مباشر، ساعدني بشكل كبير في تقديم رسالتي للمجتمع من خلال المشاريع التي كنت مسؤولة عنها، فكنت أجد متعة كبيرة وتحد جميل للإنجاز والإبداع، منذ بداية الإعداد لتلك المشاريع انطلاقاً من الفكرة والمحتوى إلى التنفيذ وتحقيق النتائج. وفي هذا العمل تعرفت على نفسي وإمكانياتي في العمل بشكل هيكلي واضح، مع الحفاظ على روح الإبداع التي تتطلب الخروج عن المألوف، وهذا توازن مهم ينطبق حتى كأسلوب حياة.
• من خلال عملك كمستشارة ثقافية وإبداعية، ما هي أهم الإنجازات التي تفخرين بها؟
- المشاريع التي تعنى بالفن والتراث، تعزز بي الامتنان لله والشعور بالفخر والاعتزاز. مثلاً في مشروع اليوم الوطني الذي أقيم العام الماضي مع شركة عالمية، كنت ألحظ انبهار أفرادها لما رأوه من جمال وأصالة بتفاصيل حياتنا اليومية وتقديرهم لها.
• ما هي أهم محطات مسيرتك الفنية؟
- قراري بدراسة الفنون البصرية سببه دافع شخصي بحت، فلم أنو به أن أكون فنانة، وقد كان قراراً مهماً مدفوعاً برغبتي في تعلم أدوات تساعدني لأجتاز مرحلة صعبة في حياتي، بعد وفاة ابني الكبير سعود رحمه الله وجمعنا في الجنة، وتعلم التعبير عن النفس وفهمها، فاكتشفت أن العملية الإبداعية تساعد على التشافي وإشغال الذهن بما ينفعه، وقد قدم لي تعلم الفنون البصرية مساحة متسعة لاكتشاف أساليب فنية جديدة متنوعة، مثل الأعمال التركيبية وفن الفيديو والاستمرار بالبحث والتجريب وفيها متعة الاكتشاف ليتعدى حدود المفهوم والواضح إلى خبايا الخيال واللا مألوف. ثم محطة اجتيازي بعض المسابقات واختيار أعمالي للمركز الأول في مرحلة الدراسة الابتدائية، ومن الجميل أنه بعد التحاق أطفالي لنفس المدرسة وجدت ذلك العمل الفائز معلقاً في وسط ممرات الفصول بعد سنوات طويلة. ومحطة أخرى هي أن أول مبيعات لي كانت من قبل مقتنين للأعمال الفنية، المفاجأة لاعتقادي أن أعمالي الفنية هي تجربة خاصة، ولن تلفت مخرجاتها الانتباه أو حتى رغبة الاقتناء! من أهمها كذلك اختيار أعمالي في بداية رحلتي الفنية بمعارض مهمة خارج المملكة من ضمن فنانين في قمة مسيرتهم الفنية، مما قادني للمحطة الحالية، فخلال السنوات الأخيرة عرضت أعمالي في مؤسسات لها وزنها الفني والثقافي منها معهد العالم العربي في باريس وأسبوع ارت بازل في ميامي.
• كيف يمكن للفنون السعودية عموماً بجميع أشكالها أن تساهم في ترقية المشهد الثقافي عربياً؟
- الفنون المتنوعة عامة هي توثيق للتاريخ وإرث ثقافي مهم لكل بلد. والملحوظ أن قيادتنا الحكيمة حفظها الله، لم تأل جهداً وبشكل قوي، في دعم مجالات الفنون المختلفة، لإيمانها بأنها القوة الناعمة التي ترتقي بالفكر والنفس وبالوعي، وبالتالي تؤثر على تقدم وحضارة الوطن. ومن هنا يأتي دور الفنون السعودية لإبراز الأصالة العربية عامة والهوية السعودية الثرية خاصة، وهو باعتقادي ما يثري المشهد الثقافي العربي.
• أحد همومك مساندة الشباب والأخذ بيدهم، ما سبل تحقيق ذلك الهدف برأيك؟
- الشباب هم روح الوطن ولكي ترقى وتسعد الروح، من المهم الاهتمام أيضاً بالجسد والعقل. وأجد أن أفضل سبيل لجعل هذا الشباب قوة وذخر لوطنه، من خلال الإيمان به واحتوائه وفتح قنوات الحوار لهم والانصات لأفكارهم، ثم يأتي دور التوجيه، ومن خلال تجربتي فأهم مهارتين نكسبهما للشباب هما الأمل والمرونة، فالأمل عن طريق تقديم برامج تساعدهم على الدخول في سوق العمل، ومهارات صناعة الخطط والاهداف ومهارات القرن الـ 21، أما المرونة فمن خلال الدعم النفسي، فهم يمرون بتحديات كبيرة تتطلب أدوات للتعامل معها وتجاوزها، وهذا الدور يمكن أن تقوم به المدارس والجامعات.
إبداع الأرض
• تعد صناعة المجوهرات وتصميمها من فنون الزينة، كونك في عالم الفن ماذا يقدم الفن التشكيلي لهذا المجال؟
- المجوهرات إن جاز التعبير هي إبداع الأرض وتصميمها هو إبداع الفنان، وكما أن الأرض متسعة، فالفن التشكيلي متسع جداً وغير محدود، واتساعه مصدر مهم لإلهام التصاميم والأفكار الخلاقة. شخصياً أجد من الجميل وجود مسابقات أو مشاريع مشتركة من قبل دور المجوهرات والمؤسسات الفنية، تدعو الفنانين للمشاركة بأعمال تستوحيها المجوهرات لتصاميمها، مما يدعم تدفق الإبداع ويثري الحركة الفنية. وأجمل ما يقدمه الفن التشكيلي للمجوهرات من وجهة نظري، هو الخيارات غير المكتشفة وغير المحدودة للتصاميم.
• كيف يمكن تقديم ثقافة المجوهرات والقيم الخاصة بها، في قالب إبداعي يجعلها أكثر جماهيرية في المنطقة العربية؟
- المجوهرات وتصميمها وعرضها، انعكاس لثقافة البيئة ولتقديم ثقافة المجوهرات بشكل ابداعي فريد ويلاقي قبولا وجماهيرية، علينا دراسة البيئة لنستوحي منها التصميم، وطريقة التقديم بما يتلاءم مع قيمة وأصالة المجوهرات والمجتمع. وبالفعل توجد لدينا نماذج لذلك من قبل مصممين ومصممات تميزوا بأفكار خلابة، حب المجوهرات شيء طبيعي في النفس البشرية، لكن قبوله وانتشاره مرتبط بصناعة هوية تحاكي المجتمع الذي نريد تقديم ثقافة المجوهرات فيه.
ويبدو لي لو وجدت متاحف فنية تسلط الضوء على تاريخ فن وصناعة عالم الأحجار البديعة، ستُخلق علاقة وبعد جديدين بين الجمهور والمجوهرات، وتدرج نشاطات وبرامج متحفية تدمج الناس في ثقافة المجوهرات بطريقة مرحة وممتعة.
تؤكد الفنانة التشكيلية الأميرة طرفة بنت فهد آل سعود، أن مشاركتها في فيلم Born a King كانت مهمة من جوانب كثيرة، وتوضح: «كوني جزءاً من أول عمل سينمائي ضخم في السعودية، يحاكي حقبة تاريخية مهمة في تأسيس الدولة السعودية الثالثة، ويتحدث عن الملك فيصل رحمه الله، كان دافعاً حقيقياً جعلني أتحمل صعوبة العمل في الإنتاج السينمائي، إذ كنا نعمل يومياً لأكثر من 12 ساعة متواصلة في فصل الصيف وبمواقع صحراوية، لأبذل ما بوسعي أن يتم بالصورة المطلوبة، وهو واجب وطني قبل كل شيء. وهذه التجربة مليئة بكمية من الفخر والحب والحماس من الفريق السعودي، الذي قدم صورة مثالية للشباب السعودي الموهوب والملتزم، بأداء عال يرفع الرأس، وكان ما وراء الكواليس فيلم آخر يتحدث بصدق عن هذا الشغف والعلاقة القوية بالوطن.
من السعوديين للسعودية
تميزت جلسة تصوير الفنانة التشكيلية الأميرة طرفة بنت فهد آل سعود، بأجواء مفعمة بالحيوية والشباب، حيث شارك في كل مراحلها فريق عمل مكون بالكامل من الشباب السعودي من الجنسين، مؤكدين قدرة شاب المملكة على الابتكار والإبداع، في كل المجالات. فقد جاء العمل من السعوديين للسعودية التي تحتفل في 23 من سبتمبر الجاري بيومها الوطني الـ90، وهي تخطو بثبات وثقة نحو تحويل رؤيتها من أحلام إلى حقيقة، تصب في صالح كل شعب المملكة، وفي القلب منهم الشباب. وساهم في جلسة التصوير، كل من: المخرج الفني عادل الشهراني، والمصور رعد جميل، ومساعدته شهد بنت مشيط، وريتتشر عبير أحمد، ومصور الفيديو مشعل الحلافي، وستايلست نورة العيسى، ومكياج حصه العجاجي، وشعر ريما السعد.