هي اسم على مسمى، بما يتعلق بتحقيق أهدافها وتسلق أعلى مراتب النجاح، كما هوايتها تسلق أعلى الجبال للوصول إلى قممها. حليمة بنت حميد بن علي العويس، الرئيس التنفيذي لشركة (سلطان بن علي العويس للعقارات)، مثال حي لشابة إماراتية شقت غمار الحياة وكافحت لإثبات كفاءتها في مجال يهيمن عليه الرجال، بعد أن توفي والدها في عام 2007 واضطرارها إلى تسلم زمام الأمور والمحافظة على إرث الجد والعم والأب الزاخر باستشراف المستقبل والمحبة والسمعة الطيبة. وقتها، لم تكابر ابنة الاثني والعشرين ربيعاً أو تعاند لتقول أنا الآمرة الناهية في الشركة، بل تواضعت لتتعلم وتتثقف بأمور تجهلها في خبايا عالم العقارات، وهي الآتية من خلفية إعلامية محضة. كافحت حليمة وثابرت واجتهدت بمساندة قوية من عائلتها، وفريق عمل أمدها بخبراته ومعلوماته وقدم لها الدعم الكامل، بكل حب وعرفان، فعاملوها كما عاملتهم بصبر وتواضع، وأخلاق ومثابرة، لتصير اليوم وبعد 13 عاماً من بذل الجهود، رائدة أعمال شابة في هذا القطاع. حليمة في حوارها مع «زهرة الخليج» تضيء على جوانب خفية من حياتها، وحبها الكبير لتسلق الجبال والوصول إلى قممها الشاهقة ووصفاتها العملية لمستثمر ناجح. فماذا قالت؟

• ولجت عالم الأعمال بعد وفاة والدك، ما الخطوة الأولى التي قمت بها؟

- كان عام 2007 من أصعب السنوات، حزنت جداً على فقدان والدي، تركت عملي السابق، لأتولى مسؤولية الأعمال، مع أمومتي الحديثة لطفلتي الأولى التي كانت تبلغ من العمر 10 أشهر، ولكن الأمور أصبحت أسهل بفضل نظام دعم ودفاع قوي جداً، مكون من والدتي وأشقائي الذين منحوني المساندة في مجال يهيمن عليه الذكور. كما تلقيت دعماً من مكتب عائلتي نفسه الموجود منذ عام 1972، الموظفين الذين كانوا موجودين مع الوالد والعم والجد يرحمهم الله، فأول شيء قلته لنفسي يجب ألا أدعي أنني على دراية وعلم بالأمور، فأنا لست مهندسة ومتخصصة ولا أملك خبرة سابقة، وأن أبتعد عن التكبر والتفاخر بأنني المالكة، ولدي كل المعلومات، بل يجب علي أن أسأل وأتعلم.

المهمة الأولى

• حدثينا عن مهمتك الأولى في البرج السكني الذي استكملت أعمال بنائه وتأجيره؟

- أعمال التشطيب فيه كانت بنسبة 90%، مؤلف من 10 طوابق، 160 شقة، قالوا لي استلميه وأنهيه وأجّريه. لم يكن أمامي خيار آخر، ولا يوجد أحد غيري لإنجاز هذا العمل. فما كان مني إلا الاستعانة بزوج صديقتي المقربة في عملي السابق، فأصبح مديراً لمكتبي. وخلال 9 أشهر أنهينا البرج وأوصلنا الكهرباء وأجرنا وحداته. واجهتنا مشكلات وعقبات عديدة في الإجراءات الإدارية وخاصة فيما يتعلق بتوصيل الكهرباء إلى البرج، فتأخرنا على الناس لمدة 3 أشهر. تعلمنا من أخطائنا التي فتحت أمامي الطريق للمشروع الثاني بعد عام في عجمان، وهو برج مكون من 70 طابقاً، وكنت حاملاً في الشهر السادس بطفلتي الثانية.

• ما الدروس التي تعلمتها والخبرات التي اكتسبتها تلقائياً؟

- الصبر، والتأني في أخذ القرارات، والنظرة المستقبلية طويلة الأمد، وألا أفكر للغد أو لما بعد شهر، بل لعشرين سنة مقبلة. نحن في عالم التجارة منذ أيام صيد اللؤلؤ، بدأنا في قطاع العقارات الخاص لأن تفكير أجدادي كان لجيلين قادمين. وما أقوم به سيستمر لأحفادنا.

• كيف استثمرت تخصصك في التخطيط الحضري بتطوير أعمالكم؟

- درست الماجستير متأخرة فقد كان عمري حينها 30 عاماً، كان تفكيري عملياً بحتاً ودراسة التخطيط الحضري جعلتني أفكر بشكل فردي وكيف نرى المجتمع. صرت أفكر في الشخص نفسه الذي يأتي إلى مكتبنا ويريد أن يستأجر. ولماذا يظل هذا المستأجر معنا لوقت طويل، لدينا مستأجرون منذ 35 سنة. أخرجتني من العامل الاقتصادي العملي إلى العامل الانساني. وكل قرار آخذه حالياً يجب أن يكون نموذجاً عملياً ناجحاً وأن يراعي الجوانب الإنسانية والاجتماعية.

• في هذا السياق، أشرت إلى أن بواعث القلق منخفضة لدى المستأجرين لديكم؟

- معظم شركات التأجير يخرجون المستأجرين من أجل جني المزيد من الأرباح وهذا سيئ بالنسبة لي. فهذا المستأجر لديه عائلة وعندما يشعر بالأمان سيهتم بشقته والبناية. فإذا فكرت في رفع الإيجار وإخراج المستأجرين، فهذا ينم عن عدم ولائي والتزامي بالناس. لم يكن لديّ قسم للتسويق إلا قبل حوالي سنة، قبلها كنت أعتمد على توصيات الناس والسمعة الطيبة. وأطلقت مؤخراً قسم التسويق ليكون لي حضور إعلامي.

• هل اختلف هذا النهج عن أسلوب الجد والأب والعم؟

- لا يختلف أبداً عن نهج الجد والعم والوالد، كل ما في الأمر أنني طبقته حكومياً ليواكب الوقت الحاضر والعصر.

عقلية النساء

• هل هناك اختلاف بين عقليتي النساء والرجال في التطوير العقاري؟

- سأقول أمراً حزيناً، كان ابن عمتي الذي توفي قبل سنة توأمي في العمل نفسه، مما أحدث لدينا توازناً ظاهراً. كنا نفكر بالطريقة نفسها مع فارق بسيط، يتجلى في الجانب الذكوري في شخصيته والأنثوي في شخصيتي، والتوازن هذا ساعدنا على تطوير أعمالنا، لأنه لو كان تفكيراً ذكورياً صرفاً لكان الأمر قاسياً فتفكير المرأة تدخل فيه العواطف. كان يدير شؤون التمويل بينما أتولى إدارتي العمليات والمالية.

• بادرتم خلال جائحة كورونا إلى تخفيض إيجارات مستأجرين، هل كان للأمر تداعيات على أعمالكم؟

- جائحة «كوفيد 19» أثرت في كل فرد منا، أردنا إعلاء فرص الأمان لدى الناس، ثمة الكثير من المستأجرين فوق السبعين من العمر، ومنهم من فقدوا أعمالهم، فأعفينا البعض منهم 45 يوماً، ومنهم من طلب شهراً فخفضنا الإيجارات، وضعنا مسألة الأرباح جانباً وفكرنا فقط في تسيير الأمور. ونحن نفعل ما نستطيعه لنشعِر عملاءنا بالأمان.

• يرى اقتصاديون أن الآفاق المتاحة أمام القطاع العقاري في الإمارات تبدو إيجابية في مرحلة ما بعد كورونا، هل تتفقين معهم في الرأي؟

- القطاع العقاري يستفيد من الدعائم المتينة للاقتصاد الوطني، الذي أظهر مرونة عالية في التعامل مع الأزمات الطارئة، وفي ظل الدعم الحكومي والجهود المستمرة لتعزيز الاستقرار الاقتصادي. عام 2008 كنت موجودة في السوق العقاري و(انضربنا) آنذاك، كنت وما زلت أتذكر كلام والدي: (العقار.. الابن البار ينزل ثم يعود للارتفاع)، وستعود الأمور إلى طبيعتها في نهاية هذه السنة وبداية 2021.

الوجه الآخر

• قلت إنك تهوين تسلق الجبال، كيف ولماذا؟

- في عام 2014، أرادت صديقتي التوجه إلى جبل كليمنجارو وهو أعلى قمة في أفريقيا، وكنت لا أعرف أين يقع، وقلت لها لماذا تتسلقين؟ ما الفكرة من ورائها؟ ومن ثم بدأت أبحث عن التسلق في الإنترنت وقرأت أن من زاروه قالوا إنهم بعد الزيارة تغيروا من الداخل. مع أن جسمك يتكسر، وترتجفين من البرد، ولكن تعودين شخصاً أقوى. وقلت لنفسي سأقوم بالأمر، فمهما يحصل من ضرر جسدي يعالج في المستشفيات، ولكن التغيير من الداخل كان مثيراً للانتباه. وبعد أن بدأنا بالتسلق لمدة ساعتين شعرت بالتعب الشديد وبدأت أسأل نفسي، ما الذي أتى بي إلى هنا؟ وماذا فعلته بنفسي؟. وقالت لنا حينها سوزان الهوبي منظمة الرحلة ومتسلقة الجبال الفلسطينية المعروفة التي تسلقت قمة جبل إفرست، إننا سنصاب بالتعب ولكن سنعتاد الأمر مع الوقت. وفعلاً حصل ذلك، وفي اليوم الثاني بدأت أشعر بالتغيير والاستمتاع بما أشاهده. واستغرق الأمر خمسة أيام لوصولنا إلى ما تحت القمة. ويوم تسلق القمة، كان من أصعب أيام حياتي، بدأنا في الثالثة فجراً، وصلت القمة عن الساعة الحادية عشرة صباحاً، راقبت شروق الشمس ثم تسمرت واقفة، لا أريد التحرك للاستمتاع بالمشهد الرائع. شعرت في تلك اللحظة بإفراغ ما في رأسي من أفكار مشوشة وبصفاء منقطع النظير. بعد ذلك تسلقنا جبل البروس في روسيا، وجبل تُبقال في المغرب، وافرست منتالا، والسنة الماضية تسلقنا إنكاترير في البيرو. ثمة روحانية هائلة في الموضوع، علاقتي بالخالق صارت أقوى. والمشاكل الاجتماعية التي كنت أراها كبيرة صرت أراها صغيرة. 

• نشأت في كنف عائلة محبة للثقافة والفن، ما هي ميولك الثقافية؟

- لديّ ميل شديد للفن التشكيلي العراقي، منذ سنتين اكتشفت أن كل اللوحات التي أقتنيها إما لفنانين عراقيين مثل وضاح المهدي أو وليد أو لفنانين درسوا في العراق. أحب اللوحات التي فيها روح، وفي العادة أحب التي تتضمن وجوه النساء. لدي لوحة جميلة تصور بغداد سنة 1950. لدي لوحتان من أعمال الفنانة الإماراتية فاطمة لوتاه التي درست في بغداد وعاشت في إيطاليا. ومنها لوحة الدرويش الصوفية.

• ماذا قرأت خلال الحجر المنزلي؟

- كتاب (الهوية) لأمين معلوف. كنت أريد القراءة عن الهوية لأننا كإماراتيين صرنا لا نعرف ما هي هويتنا، وأصبحنا في حاجة ماسة لمعرفتها. تطورت الإمارات بشكل سريع جداً خلال 50 سنة، مرحلة قد تستغرق البلدان الأخرى للوصول إليها 300 أو 400 سنة. كنت أجري بحثاً عن المهاجرين، وقرأت هذا الكتاب الذي يحاكي ما يحدث لكاتبه وضع الجيل الذي سبقنا، أي جيل أمي وخالاتي وجدتي الله يرحمها، فالبلاد تطورت وتغيرت أمام أعينهم حدث معهم ما يشبه الذي يحدث مع المهاجرين، فالبلاد التي يتذكرونها في صغرهم هي ليست نفس البلاد التي يرونها حالياً.

• كيف تسهمين كأم بتعريف ابنتيك إلى الجذور وردم الشرخ الثقافي الحاصل بين الجد والحفيد؟

- من خلال اللغة، وقراءة القصص التاريخية. وفي هذه الفترة، أحرص على أن تزور ابنتاي نور ومهرة والدتي وتمضيا أياماً معها. ثمة أشياء كثيرة أعلمها لهما، ولكن ينقصني تعلم أشياء إضافية لكي أنقلها بدوري لهما. نتعلم لأننا مستمرون في التطور ولكن يجب إعادة النظر والتعمق في هويتنا، أخاف أن تُمسح جذورنا مع التطور المتسارع. 

• بعد التمكين والنجاح ما الذي ينقص المرأة الإماراتية؟

- الدولة لم تقصر من ناحية تمكين المرأة، صرنا نحتاج لتمكين الرجل (ضاحكة)، ما تحتاج إليه المرأة هو ألا تشعر بتعاظم الضغوط عليها بسبب مسؤولياتها المتعددة، تحتاج إلى الدعم العاطفي والنفسي وتعزيز الثقة بالنفس، وعدم شعورها بأنه مفروض عليها أن تفعل ما تفعله.

  • دراسة «التخطيط الحضري» ساعدت حليمة في تطوير أعمالها.

محاضرة  جامعية

حصدت حليمة العويس العديد من الجوائز والدروع التقديرية منها (جائزة سيدات الأعمال في سنة 2018)، وجائزة عن تصميم أحد المساجد، وتكريم من شرطة دبي. تحلم حليمة بأن تدرّس في الجامعة، وقد بدأت السنة الماضية فعلياً في التدريس بالجامعة الأميركية كمحاضر بديل. وتؤكد أن التدريس يجري في دمها، وتأمل أن يكون لديها مستقبل في التدريس الجامعي. وهو بالنسبة لها ليس فقط إعطاء معلومة بل تلقين الطلاب كيفية تحقيق أحلامهم وتقديم الدعم النفسي، ويجمع بين دور المدرّسة ودور المساندة. أنشأت العويس منذ 3 سنوات Community Cafe، وهي ملاذ هادئ للفنانين والطلاب والباحثين لإنجاز أبحاثهم ومتابعة دراساتهم في أجواء رائعة.