كاظم الساهر كيف عبر «الشط» إلى قلوب النساء؟
ما إن يذكر اسم الفنان العراقي الكبير كاظم الساهر، المعروف بـ«القيصر» الذي أطلقه عليه الشاعر الراحل نزار قباني، إلا وتتراءى أمام أعين الجمهور، تلك الشخصية الفريدة المجبولة فناً ونجاحاً وأناقة، فهو فنان حتى النخاع استطاع خلال رحلة كفاحه الطويلة أن يعتلي قمة المجد وأن يبقى في تصاعد دائمٍ.
ورغم كل التحديات والظروف الشخصية والسياسية والفنية وحتى الاقتصادية، إلا أن كاظم الساهر أصبح الرقم الصعب وكلمة السر في كل حفل ناجح، فوحده عربياً، هو النجم الذي يستطيع أن يحيي حفلين أو ثلاثة حفلات في المكان نفسه وفي الزمان عينه وبمقدار واحد من النجاح لكل هذه الحفلات، ووحده كاظم الذي جرب ألواناً فنية وموسيقية عديدة ونجح فيها، لذلك فهو الأكثر استحقاقاً للنجاحات الكبيرة التي وصل إليها، وأهمها محبة الجمهور العربي في كل أنحاء العالم. «زهرة الخليج» تسلط الضوء على محطات من مشواره الفني.
ورد العشق
بدايات كاظم الفنية المبكرة، كانت منذ التحاقه بالمسرح العسكري، لكنه عرف طريق الاحتراف منذ أغنيته الأولى (ورد العشق) التي أصدرها عام 1981، من ألحانه وكلمات الشاعر يوسف مقصود، كما أصدر في عام 1984 أول ألبوماته من كلمات الشاعر أسعد الغريري بعنوان (شجرة الزيتون)، أما أول نجاحاته الفنية الحقيقية فكان في عام 1987 عندما قدم أغنيته ذائعة الصيت (عبرت الشط)، ليتنقل بعدها وفق ظروف بلاده السياسية حاملاً موسيقاه بين الكويت والأردن ولبنان، مقدماً أغانيه التي نجحت واحدة تلو الأخرى مثل: (العزيز، سلمتك بيد الله، نزلت للبحر، هذا اللون، كثر الحديث، محروس، غزال، لا حرموني، يا ليل) وسواها من الأغنيات. لكن النقلة الحقيقية في مشوار كاظم كانت عندما قدم قصيدة (إني خيرتك فاختاري) من أشعار الراحل نزار قباني، وهو الهدف الذي كان يسعى إليه منذ بداياته الفنية، إذ كان يحلم بتقديم القصيدة الغنائية الفصحى، فتمم نجاحه الأول مع القصيدة بأن قدم من أشعار قباني تالياً (زيديني عشقاً، مدرسة الحب) وهما القصيدتان/الأغنيتان، اللتان صار بعد نجاهما، يُنظر إليه بكونه أحد أهم المطربين العرب.
أنا وليلى
تظل قصيدة الشاعر حسن المرواني (أنا وليلى) هي العمل الأشهر في مشواره الفني، إذ صنفت القصيدة التي صدرت في عام 1998 في المركز السادس كأفضل أغاني القرن العشرين موسيقياً، حسب هيئة الإذاعة البريطانية، فضلاً عن أن موسيقاها تدرس لطلاب الموسيقى في المملكة المتحدة، واستمرت نجاحات ابن منطقة الحرية في العاصمة العراقية بغداد، وأصبح مع كل ألبوم وكل أغنية وكل فيديو كليب يخطو خطوة إضافية لاحتلال المزيد من القلوب المتعطشة لفنٍّ مختلفٍ ولسماع ألحان مهمة وكلمات عميقة، فمن ألبوم (سلامتك من الآه) مروراً برائعته (ها حبيبي) ليلحقها في الأعوام التالية بمجموعة من الأغنيات الجميلة، أبرزها مجموعة من القائد النزارية مثل: (قولي أحبك، اكرهها، ممنوعة أنت، التحديات، الحب المستحيل، الرسم بالكلمات)، طوى كاظم مرحلة ودخل الألفية الجديدة نجماً ساطعاً في سماء الأغنية العربية، وحرص على الاستمرار في نهجه الفريد ومشواره المتميز عن باقي الفنانين، وشهدت الأعوام العشرون الماضية مجموعة متنوعة من الألبومات والأغنيات والكليبات، لعل من أهمها: (كل عام وأنت حبيبتي، حافية القدمين، صباحك سكر، دلع النساء)، ليصل عدد ألبوماته إلى 25 ألبوماً كان آخرها ألبوم «كتاب الحب» الذي أصدره عام 2016، إلى جانب مجموعة من الأغاني المنفردة والأغاني الوطنية وأغنيات المناسبات التي نشرها بين فترات زمنية مختلفة، بالإضافة إلى (ملحمة جلجامش) التي كتبها كريم العراقي ووزعها د.فتح الله أحمد ولحنها كاظم، منتظراً الوقت المناسب ليطلقها خاصة أن مدتها 3 ساعات.
عقدة كاظم
شكّل كاظم الساهر حالة فريدة في الوسط الفني، وأصبح عقدة حقيقية للعديد من الفنانين الذين حاولوا تقليده بأسلوب الغناء أو الانفراد بالتلحين لأنفسهم أو رواية تفاصيل معاناتهم كما رواها هو في بداياته، لكنه تميز بشخصيته المتزنة، خاصة أنه حرص منذ البدايات على أن يتعامل بحرص وحذر شديدين مع الإعلام عموماً، وجعل حياته الشخصية بعيدة عن الأضواء باستثناء موضوع زواجه الوحيد وطلاقه من ابنة عمه وأم ولديه وسام وعمر، ولاحقاً حفيدتيه سناء وآية، كما واجه الكم الكبير من الشائعات وما تردد عنه من مشاكل إما بعدم الرد أو برد واضح وقصير في مناسبات قليلة ظهر فيها، ولعل مشاركته في النسخة العربية من البرنامج العالمي (ذا فويس) بـ 5 مواسم منها موسمان للأطفال، أظهر بشكل واضح الشخصية المتزنة والراقية، والأسلوب الخاص الذي يتفرد فيه الساهر بالتعاون مع الآخرين، سواء في تعامله مع زملائه الفنانين أو المشتركين الشباب وحتى الأطفال، وقاده هذا الأمر ليحصد المزيد من الحب والإعجاب من الجمهور الذي لاحظ أسلوبه المختلف والمميز في آن واحد.
انجذاب نسائي
يتفق المراقبون على أن نسبة كبيرة من جمهور كاظم الساهر من النساء، فهن يتابعنه بسبب حبهن لأغنياته وصوته وإحساسه المرهف، ولعل هناك أسباباً عديدة تدفع المرأة العربية للانجذاب نحو رجل مثل كاظم الساهر، وذلك لتمتعه بصفات عدّة، وهؤلاء النساء يتمنين أن يجدن في فرسان أحلامهن الصفات نفسها التي يملكها كاظم ومن بينها: «الرصانة»، فهو يتمتع بشخصية رصينة وهدوء لا مثيل له، فضلاً عن تواضعٍ يظهر في كل المناسبات أو المقابلات التي يجريها. و«احترامه اللامتناهي للمرأة»، فكاظم يظهر احترامه للمرأة من خلال كلامه عنها ومغازلته الدائمة لها، فهو يعرف كيف يدلّلها بكلمات أغانيه، فتتمنى كلّ امرأة أن يغازلها حبيبها بالطريقة نفسها. و«الأناقة»، إذ أن كاظم هو ملك الأناقة والشياكة، وهذا الموضوع من أولوياته فيظهر دائماً بملابس أنيقة ولافتة، كما يهتم برشاقته إذ يمارس الرياضة لمدة ساعتين في اليوم. و«الرومانسية»، إذ تتميز أغانيه بالرّومانسية خصوصاً عند أدائه قصائد نزار قباني، فتشعر كل امرأة أنه يحدّثها أو يتوجه لها، فكل أنثى تحب أن يغمرها شريكها بأجمل كلمات الحب والغرام. و«الإحساس الفني»، فكاظم لديه إحساس عالٍ خاصة في الأداء المسرحي، وهو يحرص على تقديم أغنياته كل مرة بأسلوب جديد ومتطور، ولهذا فلا يمل من سماعه في الحفلات.
نساء كاظم
عادة ما يكون الصحافي محايداً بمشاعره، وحتى إن كان يميل لفنان ما، فهو لا يبرز هذا الميل، ولكن هناك حالات استثنائية يتحول فيها الصحافي إلى واحد من جمهور هذا الفنان، وربما الصحافية اللبنانية رحاب ضاهر واحدة من تلك الأمثلة التي لا تخفي إعجابها بـ(القيصر) لدرجة أنها خصصت جزءاً من روايتها الأدبية المقبلة (أربعينات على حافة الرغبة) والتي ستصدر في عام 2021 لتأثير كاظم في النساء، وهي تقول عن ذلك: «ربما كان الدافع لي ليكون كاظم الساهر حاضراً وبقوة في روايتي، تأثر النساء من كافة الأعمار بأغانيه حيث يعبر بنا الشط ولو عبر الوهم إلى الرجل الرومانسي المفقود»، وقد خصت «زهرة الخليج» بهذا المقطع من الرواية: «أدمنت كارلا سماع كاظم الساهر وحضور حفلاته السنوية التي يقيمها في مهرجان بيت الدين في لبنان، فهي منذ 13 سنة تواظب على حضور حفلاته هناك، كانت تعتبرها لجوءاً عاطفياً وهروباً من الواقع لمدة ساعتين من الزمن. اكتشفت أنها ليست الوحيدة الهاربة إلى أغاني الساهر من الواقع، فقد كانت خلال ذهابها بالباص المخصص لنقل الجمهور من بيروت إلى بيت الدين تلاحظ أن جميع الركاب تقريباً نساء من مختلف الأعمار والأشكال والثقافات، وكل واحدة تعتقد أن كاظم في الحفل سيغني لها وأنه رجلها الخاص والسري. خلال 13 عاماً كانت تذهب فيها لحضور حفلات الساهر، التقت بكثير من النساء أو كما أطلقت عليهن (نساء كاظم)، فلكل واحدة تنهيدة تختلف عن الأخرى، ولكل واحدة خيبة عاطفية مختلفة، ولكل واحدة متعة عاطفية مختلفة. في أحد الحفلات كانت تجلس بجوارها سيدة تجاوزت الخمسين، لكنها لاتزال تحتفظ بجمالها الفاتن، كانت تحتسي مشروباً مثلجاً وتتأوه، وقالت لكارلا بصوت خافت: (كل سنة بجي لهون لعيش ساعتين من الحلم والوهم لأقدر كمل حياتي باقي السنة). اعتادت كارلا دائماً أن تحتفظ في ذاكرتها بحكايات (نساء كاظم) خلال الرحلة التي تستغرق ساعتين من الزمن في الباص. تخبرها إحدى السيدات وهي في منتصف الأربعينات أنها تحضر حفلات كاظم الساهر منذ 20 عاماً، ذهبت أول مرة إلى الأردن لتحضر حفلاً له، وبدأت تعدد كم مرة حضرته في (بيت الدين) تقول بمرح: (الي 20 سنة أحضر كاظم لحالي ولن أيأس)، كانت تقصد أنها حتى الآن لم تلتقِ رجل الاحلام أو الرجل الذي يجسده كاظم في أغانيه.
أين كاظم.. العراقي؟
الإعلامي العراقي حيدر النعيمي اختار مرحلة خاصة من تاريخ كاظم الساهر، في تعليقه حول اشتياق الجمهور العراقي لكاظم الذي غادر بلده، منذ أكثر من 20 عاماً، ولم يعد لها سوى مرة وحده (كسفير لليونسيف) حيث كتب عن اشتياق العراقيين للأغنية العراقية الأصيلة بصوت الساهر قائلاً: «كاظم جبار.. شاب بغدادي بسيط، ترعرع في منطقة الحرية أحد أشهر الأحياء الشعبية في بغداد، حيث الجيران الطيبون وطموح الشباب المتقد.
أنطلق شيئاً فشيئاً وخطوة تلو خطوة من مركز الشباب ومن ثم المسرح العسكري لحين وصوله لبرنامج أصوات شابه بمساعدة صديقه المايسترو علاء مجيد، والذي قدمه للفنان الكبير فاروق هلال وكانت نقطة التحول عند كاظم الذي تم إعطاؤه جرعة من الإحباط كانت كفيلة بإيقاظ وتفجير موهبته بشكل واضح.
وفي يوم من الأيام عندما كان يُخط اسم المطرب كاظم جبار على ورق مقوى ليظهر في «تتر» المسلسل المعروف آنذاك (نادية)، لم يقتنع المخرج التلفزيوني ساهر ميرزا بلقبه كونه غير فني، فوضع (ال) التعريف قبل اسمه شخصياً ومنحه للمطرب الشاب كاظم جبار، وقال له من الآن اسمك هو كاظم الساهر.
ويبدو أن الاسم الجديد أعطاه زخماً إذ شكل مع رفيق دربه الأول الشاعر المعروف آنذاك كريم العراقي ثنائياً جديداً، حيث حرص كريم على تقديم صديقه الجديد كصوت في الأعمال الدرامية العراقية، وربح رهانه فحققت أغنية «تتر» المسلسل نجاحاً مدوياً وكانت الأغنية بعنوان (شجاها الناس)، فاشتهرت الأغنية أكثر من المسلسل، فكان من الطبيعي أن يلتفت الجمهور لموهبة هذا الفنان. نقطة التحول عراقياً في مشوار كاظم الفني داخل العراق، عندما تعرف إلى مفتاح شهرته الكبيرة الشاعر الغنائي المهم عزيز الرسام، فانطلقا في سماء الشهرة عراقياً وعبرا الحدود كذلك تمايل العراقيون ووقعوا في شباكه مجبرين لا مخيرين عندما أفاض عليهم بأجمل أغاني تلك الفترة، مثل: (شخص ثاني، عابر سبيل، عبرت الشط، لدغة الحية، سلمتك بيد الله، غزال، العزيز، ميسور الحال، لا يا صديقي). استطاع كاظم أن يكون محبوب العراقيين، وثبت هذا الأمر وقوفه مع شعبه في محنة الحصار الاقتصادي الذي فرض على العراق لمدة 13 عاماً.
عشقه أبناء بلده وأصبحوا يحضرون بمئات الآلاف اينما حضر حتى وصل الأمر الى وفاة أحد الاشخاص جراء الازدحام لدخول حفله في مهرجان بابل في تسعينات القرن الماضي. منذ رحيله عام 1997 عن العراق إلى اليوم غاب الساهر عن الحضور بين أهله وأحبابه وجمهوره، الذي له ميزة خاصة به عندما يناديه أحدهم (أبو جواد) ككنية لاسم كاظم، غاب الساهر عنهم وجوداً وغناء، فلم يعد يغني لهم باللهجة العراقية المعروفة بكلماتها مثل: (شلونج، باجر، يمته، على مودك، وغيرها)، وذاب كاظم في الفلك العربي واختار مرحلة القصيدة النزارية واللغة الوسطى، عازياً السبب حسبما قال في عدة حوارات له بمواكبة التطور والانطلاق لمدى عربي أكبر». يختم النعيمي رأيه، قائلاً: «عندما تسأل اليوم عن كاظم في بغداد، يقولون لك اشتقنا لكاظم العراقي الذي كان يغني من وحي لهجتنا».
نسيت بغداد
قدم كاظم الساهر في عيد الفطر الماضي، حفلا استثنائياً «أونلاين» بسبب جائحة فيروس كورونا، وتابع الحفل آلاف المعجبين بالساهر من أنحاء العالم. وأطرب الساهر متابعيه بمجموعة من الأغاني القديمة والحديثة وهو جالس على كرسي ويعزف على العود منها «لا تتنهد، وين آخذك، لا تحرموني منها، أغازلك، سلامي، ها حبيبي، شؤون صغيرة، سلامتك من الآه»، وكانت المفاجأة عندما ارتجل قصيدة «نسيت بغداد». وتحدث الساهر عن الإيجابيات التي اكتسبها من أزمة تفشي فيروس كورونا قائلاً: «تعلمت الكثير من هذه الأزمة فقد دخلت في العمل والموسيقى وفي القراءة والكتابة، والأهم تقربت من الله أكثر، كلنا تفاؤل أن تعود الحياة من جديد فالضربة التي لا تميتنا تقوينا».